مقالات

مواطن على النفقة الخاصة

عبد الحميد الصائح

لا احد يفكر بالعراق غير الفقراء والمحرومين والذين نهبت ثرواتهم من قبل “حيتان الفساد” ودكاكين الدين واذنابهم واتباعهم والاميين الذين يتمسحون بأذيالهم طمعا في شهوة المال والسلطة والامن المؤقت . الاف الكفاءات الكبيرة المتنوعة وملايين المهاجرين الذين يعيشون من عرق جبين الشعوب الأخرى ، لم يترك لهم العراق سوى الاسم في هوياتهم وضمائرهم ، هؤلاء يمثلون العراق ويعكسون صورة مغايرة لما يعكسه خنازير الدين وعبدة السلطة من صور كارتونية عن الحياة في مختلف أوجهها.

حين كنا نعمل معارضين لنظام صدام ، كنا نحلم بدولة خالية من الرعب ، ومن المحسوبية ومن صناعة شيوخ العشائر الخدّج الذين تصنعهم السلطة ، تعلي شانهم بالقوة والرشى متى شاءت وتذلهم متى شاءت ،دولة لامغامرات سياسية ولاتمييز طائفي او ديني فيها ولاتبعية للاجنبي ، دولة حرة حديثة في قوانينها الانسانية ، تستثمر ثرواتها في تنمية عقول شبابها في التعليم والتربية والصحة واللحاق بركب الدول المتقدمة . لكن الانوار المتبقية هنا وهناك اطفئت ، وسط نزاعات رخيصة وشهوات وضيعة وتسويق أهوج سطحي متخلف للدين ، اهانة للجامعات والمناصب حيث انتشار جامعات لاتنطبق عليها ادنى ضوابط الاخلاق والامانة العامة ناهيك عن ضوابط العلم والامانة العلمية . اهانة للمؤسسات بتنصيب كفاءات بسيطة حالمة على كياناتها ، فوضى في المال والبنوك والسلاح وقياس الاضعف يعيّن الاضعف منه ، والغبي يمنح فرصا للاغبى منه ، حتى تستقيم معادلة البقاء في السلطة والمنصب في اضيق مديات النظر للحاضر والمستقبل عرفتها الفطرة الانسانية .

أمام هذا ظللنا نحن الذي حلمنا بوطن آخر، مرمىً للشماتة بنا والسخرية من نماذجنا ،لاننا نذرنا اعمارنا لعراق مختلف متقدم حر متطور ، لايحكمه الابديون الذين لاتقيلهم من مناصبهم سوى مقابر الله.

هؤلاء لايفكرون بالوطن ، لايفكر بالوطن من يأكل لقمة حراما باليد او بتشريع حرام ، لايفكر بالوطن من يبيعه للأجنبي أو يعرضه للارهاب، لايفكر بالوطن من يجعل أراذل الناس اسيادا عليهم ، الذي يفكر فقط اولئك الذين اذا ذُكِرَ العراقُ وجِلتْ قلوبُهم وزادتهم اصرارا على الحياة . اولئك المواطنون على نفقتهم الخاصة ، لانهم خارج العراق لاتكترث السلطات لوجودهم وآرائهم ومواهبهم وجهودهم لخدمة البلاد، وداخل العراق لاتكترث لحياتهم اصلا.