رندة تقي الدين
كثُر الكلام هذه الأيام حول توقعات بعودة سعر برميل النفط إلى مئة دولار بعدما بلغ الآن حوإلى ٨٠ دولاراً، بسبب نمو الطلب على النفط لأسباب جيوسياسية، خصوصاً تتعلق بعضوين أساسيين في منظمة أوبك إيران وفنزويلا.
إلا أن تغريدات وزير الطاقة السعودي خالد الفالح الأخيرة عن اتصاله بعدد من نظرائه للتنسيق وموعد لقائه مع نظيره الروسي ألكساندر نوفاك في سان بطرسبورغ الأسبوع المقبل، ينبغي أن تُمثل طمأنة للسوق النفطية بأن السعودية وروسيا ستمنعان أي نقص في الإمدادات في السوق النفطية. فصحيح أن مستوى ٨٠ دولاراً للبرميل يناسب الجميع، وأنه بالنسبة للمنتجين في أوبك وخارجها يمثل مستوى مقبول ولكن العودة إلى ١٠٠ دولار، لا تجد إجماعاً عليها، على رغم أن بعض الدول المنتجة في أوبك تحبذ ذلك. فالعودة إلى سعر المئة دولار للبرميل تؤثر سلباً على اقتصاد العالم خصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا. ثم أن العودة إلى مئة دولار للبرميل تعيد دورة تدفق إنتاج النفط الصخري الأميركي. فتستأنف الشركات الصغرى التنقيب والإنتاج وتزيد من طاقة إنتاج النفط الأميركي في شكل أسرع وأكبر.
والمعروف أن روسيا وهي أحد أكبر منتجي النفط مع السعودية لا تحبذ ارتفاعاً كبيراً لسعر النفط. لأنه يرفع قيمة عملتها الروبل ويؤثر سلباً على صادراتها الأخرى. فروسيا بلد صناعي كبير اقتصاده لا يعتمد على النفط كلياً مثل دول أوبك بل على تصدير سلع أخرى من صناعاته. وعلى رغم ذلك عمدت روسيا إلى التنسيق الوثيق مع السعودية لتقليص إنتاج الدول الـ٢٤، عندما انخفضت أسعار النفط إلى نصف مستواها الحالي تقريباً. والأسبوع المقبل سيكون موعد سان بطرسبورغ بين الوزيرين السعودي والروسي مهم جداً للنظر إذا كانت الدول المنتجة ستستمر في تقليص إنتاجها، أو أنها ستتخذ قراراً آخر لطمأنة الأسواق العالمية، وستمنع حدوث أي شح في وقت سينخفض التصدير النفطي الإيراني والنفط الفنزويلي الذي يشهد انخفاضاً مستمراً إلى أقل من ١.٥ مليون برميل في اليوم. وستتقلص نتيجة العقوبات الأميركية على فنزويلا بعد إعادة انتخاب مادورو إلى مليون برميل في اليوم.
أما إنتاج إيران فبلغ في نيسان (أبريل) ٤.٤ مليون برميل في اليوم، في حين أن تصديرها بلغ بحوالى ٢.٥ مليون برميل في اليوم. لكن بعد عودة العقوبات الأميركية قد ينخفض هذا المستوى بكمية كبيرة لأن أوروبا لن تتمكن من تجاوز الحظر الأميركي. حتى لو استخدمت المصرف المركزي الأوروبي كما يتردد، لأن جميع المصارف تتعامل بالدولار ولها مصالح في الولايات المتحدة. وما يجعل التوقعات صعبة أن عدم يقين يسود بالنسبة لأوضاع العرض والطلب على النفط ومستوى انخفاض الصادرات الإيرانية في الأسواق، وما إذا كانت الدول ال٢٤ في أوبك وخارجها ستوقف اتفاقها بتقليص إنتاجها. ومتى تعمد إلى ذلك. وقد يظهر هذا بعد اجتماع الفالح بنظيره الروسي علماً أن معطيات السوق لن تكون كاملة بعد. كما أن هناك عنصراً غير معروف وهو مستوى انخفاض النفط الفنزويلي وتأثير ارتفاع الأسعار الحالي على نمو الطلب على النفط وعلى تسريع نمط إنتاج النفط الصخري الأميركي وارتفاع الدولار.
كلها عناصر تزيد عدم اليقين بالنسبة لمستقبل أسعار النفط على المدى المتوسط. إضافة إلى التصعيد الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران في سورية والتنافس الروسي- الإيراني على الساحة السياسية والعسكرية السورية. فروسيا تطلب من إيران ومن حزب الله الانسحاب من سورية، وإيران ترد أنها في سورية بطلب من الحكومة السورية، وهذا من شأنه أن يؤثر على القرار الروسي النفطي. كل ذلك يفاقم الأزمة بين دول نفطية كبرى وله تأثير على السوق العالمية، بالنسبة لما تنتهجه من سياسات على القطاع النفطي العالمي. فاتجاه أسعار النفط هو، لا شك، إلى الارتفاع بناء على الأوضاع الراهنة. لكن لا أحد يعلم إذا كان سعر البرميل سيُترك للصعود إلى مئة دولار ما يؤثر سلباً على نمو الاقتصاد العالمي، أو أنه مناسب لأكثر من دولة تحتاج إلى رفع عائداتها المالية.