مقالات

هجوم نيوزلندا الإرهابي

 

علي القاسمي

هجوم صادم فعلاً ويمثل إرهاباً فظيعاً تم توثيقه بالحركة والصوت والصورة، في مشهد استفزازي يمهد لعنصرية بغيضة، ويزيد من مساحة الكراهية والتطرف التي تعمل مجتمعات السلام والتسامح على تقليصها والحد منها، لأنه لا مكتسبات على الإطلاق من العيش على ما تسفر عنه هذه المساحة وتقدمه من مآسٍ وأوجاع ومخاوف.

مجزرة مسجدي نيوزلندا، والتي راح ضحيتها مسلمون أبرياء أثناء تأديتهم صلاة الجمعة، صدمت العالم، وعززت من حقيقة أن الإرهاب لم يكن مرتبطاً بدين ولا عرق، وحملت صورة من أبشع الصور التي قدمها الإرهاب في مشواره الدموي.

عاش المسلمون على وقع هذه المذبحة في حزن كبير وغضب طبيعي، لاسيما أن فكرة العمل وطريقة الاستهداف والتوثيق المصاحب تأتي في مجملها لتؤكد أن التخطيط والتنفيذ لم يكونا وليدي صدفة أو بذريعة عبث لحظي، بل كانا مشروعاً ونتاجاً لخطابات العنصرية والكراهية، وترجمة لمن يروّج للعنف بلا رحمة ودون شفقة، ويحاول تأطير الإرهاب في الشكل الذي يروق له وإلصاقه بمن يكره ويرسم للتحريض عليه بما ناسب من الجمل والعبارات والآراء، هذه المذبحة التي جاءت على يد سفاح معبأ بكل تطرف وحقد سوء بثت حية على منصة تواصل اجتماعي، وكأن هذا العمل الشنيع الفظيع هو مادة منتظرة مريحة، ومما يشجع على إحياء عالم التصوير، ولعل هذه الجملة بالتحديد ترسم التطور الـلافت والتحول الخطر في الهبوط بالقيم الإنسانية واستباحة الدماء البشرية.

لا أعلم كيف سيتحدث العالم عن هذه الجريمة، وما هي العبارات التي يريد أن يستحضرها في مشهد كهذا! وكم من الوقت يحتاجه لترتيب التبريرات وتلطيف الأجواء ومحاولة امتصاص الغضب، هل سيثور الرأي العالمي وتقام المؤتمرات وتوضع العقوبات وتعلن مشاريع الردع والتعرية، ولا أظن حدثاً مرّ في السنوات العشر الأخيرة بمثل هذه الكمية من الحقد والاستفزاز والإصرار على الاستهداف والترويع وتقديم الرسائل المكتوبة التحريضية ذات النَفس المفعم بالكراهية البحتة والحادة.

سيكون العالم أمام تحدٍّ من الوزن الثقيل لمعاينة الإرهاب في صورة مقززة جداً، وسيكون إزاء محك رهيب نحو الوقوف بصمود في وجه الذين مرّ من أمامهم هذا الفعل الإرهابي وهم بين خانتي التأييد والتهكم، هؤلاء بالضبط داعمون مستترون وظاهرون لأشكال العنف والإرهاب والكراهية والعنصرية، هؤلاء يصنفون الأبرياء وفق الأهواء ومستوى التطرف داخلهم، الاعتداء الوحشي الذي جاء في صورة استهداف المساجد والأبرياء يجبر الشجعان – لا الجبناء والمتناقضين – على الاعتراف بالصورة الانتقائية للإرهاب التي يمارسونها، ومن ثم مسحها والعمل الجاد نحو المكافحة بجدية تامة وكبح جماح ونزوات نماذج حية تود قتل الأبرياء من دون وجه حق، ولا تحب أن يحدثها أحد عن جريمتها ولا أن توصف بالإرهاب، فما يحدث منهم في هذا الإطار لا يمثل سوى أفعال مختلين عقلياً، ولا أعلم سر المختل العقلي الذي كتب وسجل وبث ونفذ واختار المسجد تحديداً، عدونا القادم هو من يغذي الآخرين بالكراهية ضد المسلمين.. انتهت المساحة.

admin