مقالات

هل أصبحت مناهج التعليم مستوردة؟

 
د.عبد الواحد مشعل
 
فلا تزال البنى اللوجستية والأساليب الفنية الضرورية للتعليم مفقودة في مدارسنا فالبعض منها مازال بدائياً في وسائله وخدماته، كما لا تزال بعض أبنية المدارس طينية لا تتوفر فيها حتى المقاعد الدراسية الكافية ،وقسمها الاخر آيل للسقوط ومفتقر إلى الشروط التربوية اللازمة التي تحظى بها المدارس في المجتمعات المتقدمة الذي يراد اللحاق بها، كما أن المعلمين في المستويات المختلفة لم يتدربوا على هذه المناهج ، وكثير منهم لا يعرف كيف يفك رموزها أو يوصلها لأجيال توصف عادةً بأجيال ذكية، إلا أنها سرعان ما يصطدم ذكاؤها بعجز معلميها في فك (طلاسم) تلك المناهج (المتقدمة)، بحيث بقي المعلم والتلميذ حائرين في التعامل معها ، وسط واقع اجتماعي وثقافي يعاني الأمية والفقر والحرمان.
ان الأجيال الجديدة بثقافتها المتغيرة أصبحت ضحية لأساليب جديدة مستوردة يعتقد مستوردوها أنهم يسهمون في رفع مستوى التعليم، متناسين الإشكالية المعقدة التي تعاني منها أركانه الحيوية : المنهج والمعلم والتلميذ والمستلزمات المادية والفنية ، والأخيرة متمثلة بفقدان الصفوف المثالية أو النموذجية أو الأبنية المزودة بالمستلزمات الضرورية التي تجعل الطلبة يتلقون هذه المناهج بأريحية ويتقبلون أساليبها التي توصف
بالحديثة.
ان باستقراء واقع المدارس ومستوى أداء معلميها ومستلزماتها اليوم يتضح الآتي: المعلم يعاني والتلميذ ضحية والمجتمع يزداد تراجعا والمناهج باتت طلاسم (حداثوية) فاقدة الأهلية والجدوى.
ان النهوض بالتعليم يحتاج إلى فلسفة تربوية واضحة الأهداف، قائمة على استقراء الواقع برؤية واقعية علمية تفسره وتحلل مواطن الخلل فيه، ونواقص المستلزمات المرافقة للعملية التربوية ، والابتعاد عن القفز على الواقع بحجة ضرورة اللحاق بركب التعليم في مجتمعات تقدمت وتعاملت مع متغيراته بمعادلة متوازية، وهو أمر لا يزال غائبا في واقعنا سواء على مستوى الإدارة أم التدريس، أم الفلسفة التربوية ما جعل تدني مستوى التعليم، نتيجة لا مفر منها.
أن الأجيال الجديدة لا تحتاج إلى استيراد مناهج متقدمة تكون المؤسسة التعليمية غيرة قادرة على إيصال المعلومة بقوتها المعرفية إلى أذهان الطلبة، إنما بحاجة إلى فهم ثقافتها وقدراتها المتاحة في بيئتها المحلية للانطلاق إلى الآفاق المعرفية المتقدمة ، بحيث تكون بمثابة مدخلات تعليم صحيحة حتى تكون مخرجاته صحيحة أيضا ، ليتمكن الطلبة من الدخول إلى الجامعات والمعاهد، وقد تكونت لديهم القدرة الملائمة على تطوير أنفسهم في الاختصاصات المختلفة، ومقدرة على تلبية حاجات المجتمع الأساسية في المجالات المختلفة.
ان فهم توجه الأجيال الجديدة ولغتها التي تفكر بها، هو السبيل الأمثل لصياغة مناهج متوافقة مع ثقافة المجتمع وحاجاته، فالمؤشرات المتوافرة تدل على أن هذه الأجيال ذات توجه فني وتطبيقي أكثر منه توجه تجريدي أو أسلوب قصصي، وهي تتفاعل في كل لحظة مع وسائل الاتصال الحديثة ،وتتعامل مع أدواتها بقدرة فنية عالية، لذا ينبغي التفكير في تمكين الأجيال الجديدة بطرق وأساليب منهجية تتفق مع مستوى المعرفة الفنية التي يبرع فيها الجيل الجديد، فالتطبيق هو سمته الأساسية، لذا فان المناهج التي تضعها وزارة التربية أو التعليم العالي لابد أن تنطلق من توجهات الجيل الجديد في اكتساب المعلومة. وعلية فان المناهج الأكثر فائدة هي تلك التي تتفق مع المستوى المعرفي في المجتمع، وليس تلك القائمة على القفز باتجاه مستويات متقدمة ، بحيث تكون ثقافة المجتمع ومؤسساته التربوية غير مستوعبة لها بشكل أو بآخر . وعليه فان أي قفز من هذا النوع ، يعني أن هناك نتائج عكسية تنتظر الأجيال الجديدة، وان هناك واقعا سيسود فيه الجهل والتراجع المعرفي ، وعندئذ سيصبح الطلبة والمعلمون معا، أكثر نفورا من التعليم ومناهجه المستوردة، وهذا بحد ذاته يمثل تحديا خطيرا على مستقبل المجتمع بشكل عام، و على التحصيل المعرفي بشكل خاص.
ان مراجعة المناهج التعليمية باتت امراً ضرورياً وينبغي أن توكل إلى خبراء التربية والتعليم والابتعاد عن الأسلوب المستعجل وغير المدروس، فينبغي أن تكون المناهج وطرق التدريس تنطلق أصلا من المستوى المعرفي للأجيال الجديدة وإلا يصبح التعليم ومناهجه الحالية في واد والتلاميذ والمعلمون في
واد آخر.

admin