حوصر الدور الأردني في القضايا الإقليمية بالشرق الأوسط، وتراجعت فاعليته بوصفه وسيطًا موثوقًا في فاعليته من أغلب الأطراف، فضلاً عن التهميش الإسرائيلي للدور الأردني سواء أكان وسيطـًا بينها وبين دول الخليج أم على مستوى التنسيق في الجنوب السوري.
أكثر من مؤشر مؤخرًا كفيل باستنتاج أن الدور الأردني جرى تهميشه من جانب إسرائيل، أو تغييبه في القضايا الإقليمية الكُبرى، مثل غضب الرئيس الأردني من عدم إطلاعه على سير المصالحة الفلسطينية، وانتقال التنسيق الإسرائيلي إلى روسيا فيما يتعلق بأزمة جنوب سوريا، بالإضافة إلى ما ظهر مؤخرًا من نشاط لمؤتمرات بإسرائيل لمعارضين أردنيين في تطور لافت.
يحاول التقرير التالي التعرف إلى أبرز القضايا الإقليمية التي حوصر فيها الدور الأردني، وما مآلات ذلك عليها.
الأردن غائب في «الجنوب السوري» و«الأزمة الخليجية» والوساطة بين الخليج وإسرائيل
تحاذي منطقة جنوب سوريا الحدود مع الأردن، والجولان المحتلة من إسرائيل؛ لذلك وجدت منطقة جنوب سوريا تنسيقًا مشتركًا بين الأردن وإسرائيل عبر تأسيس غرفة عمليات عسكرية «موك» في الأردن، والتي ترأسها الولايات المتحدة، بجانب استخدام إسرائيل للأردن لتقديم الدعم المالي للجماعات المُسلحة في جنوب سوريا لمواجهة القوات التابعة لحزب الله، والميليشيات المدعومة من إيران، اللذين يحاربان لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
أدى التراجع الأردني في تقديم دعم المعارضة السورية المُسلحة جنوب سوريا والتنسيق معهم، وفشل مهام غرفة «الموك» الأردنية، إلى نجاح القوات النظامية السورية في إخضاع منطقة الجنوب لسيطرة قوات«الأسد»، لتتجاوز إسرائيل فيما بعد الدور الأردني في الأزمة السورية، وتنتقل للتنسيق مع روسيا حول مخرجات للأزمة السورية دون اعتبار لوجهة النظر الأردنية.
حسب ما قاله المحلل السياسي البارز عبد الباري عطوان، نقلاً عن كاتب أردني كبير على صلة وثيقة بالسلطة الأردنية: «فإنه في قضيّة جنوب سوريا على سَبيل المِثال، لا أحد يَتشاور مَعنا، وقرار فَتح معبر نصيب الأُردني السّوري لم يَعد في أيدينا. حتى الإسرائيليين لم يَعودوا ينسّقون مَعنا، باتوا يُنسّقون مع الرّوس».
يغيب الأردن باعتباره فاعلاً مؤثرًا في تفاعلات الصراع بين قطر والدول الأربعة، واكتفى، منذ بداية الأزمة، بتأدية دور مكمل مع السعودية والإمارات في تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر، وغلق مكتب قناة الجزيرة في العاصمة الأردنية، دون النظر إلى المكاسب أو الخسائر التي تعود عليها من جراء هذه القرارات.
يذكر أن خسائر الاقتصاد الأردني بلغت نحو مليوني دولار بعد إغلاق الحدود البرية السعودية أمام الصادرات إلى قطر، وذلك نتيجة تراجع حجم الشحنات إلى 90 طنًا يوميًا، مقارنة بكميات كانت تصل إلى 600 طن يوميًّا قبل الحصار، إضافة إلى منع السعودية دخول 85 شاحنة محملة بالخضار والفواكه، وأكثر من عشر شاحنات محملة بالمواشي الحية كانت متوجهة إلى قطر.
حسب رأي الكاتب والمحلل السياسي ضرغام هلسا فإنه: «جرى تغييب الدور الأردني وإسقاطه بعد قمة الرياض التي حضرها ممثلون عن 56 بلدًا عربيًّا وإسلاميًّا إضافة إلى الرئيس ترامب».
ويتمثل أحد أوجه قصور السياسة الخارجية الأردنية مؤخرًا، في تراجع دور الأردن كوسيط مقبول بين الدول الخليجية وإسرائيل؛ فمع بداية الألفينات كانت الاتصالات السعودية الإماراتية مع إسرائيل تمر عبر الوسيط الأردني الذي كان يمثل كذلك بوابة عبور «آمنة» أمام البضائع الإسرائيلية لدول الخليج.
وتُشير المادة السابعة من اتفاقية وادي عربة، اتفاقية التطبيع الاقتصادي بين البلدين، على «أن يقوم الأردن بدور الوسيط بين دولة الاحتلال وأي من دول المنطقة التي تعلن مقاطعتها لها»، كما تُلزم هذه المادة البلدين «بأن تعمل كل جهة على مساعدة الجهة الأخرى في تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الجيران الآخرين».
وتُشير الاتصالات السعودية المُباشرة مع بنيامين نتنياهو في مواضيع عديدة، والزيارات السرية مثل زيارة ولي العهد السعودي لإسرائيل منذ شهور، إلى التجاوز الواضح من جانب دول الخليج وإسرائيل لدور الأردن المعهود باعتباره وسيطًا موثوقًا فيه من الأطراف، والتي اكتسبت جزءًا من فاعليتها وتأثيرها من جراء هذا الدور.
يقول عبد الباري عطوان، نقلاً عن مسؤول أردني لم يذكر اسمه: «إن أكثر ما يُقلق الأردن هو انقلاب إسرائيل ضِده وانتهاء دَوره كـ«وسيط» بين إسرائيل والدّول الخليجية، لأن هذا يَعني تجاوزه سياسيًّا واقتصاديًّا، وتَهميش نُفوذه وإضعافه».
في المصالحة الفلسطينية.. الأردن آخر من يعلم
تجلت إحدى الإشارات القوية على تراجع الدور الأردني في الشرق الأوسط، من خلال النظر في حدود دورها بالمصالحة الفلسطينية بين حركتي «حماس»، و«فتح» والتي جرت في القاهرة؛ إذ لم يكن للأردن دور في جولة المفاوضات الأولى بين قيادات كلتا الحركتين، أو تنسيق من أي نوع من خلال رصد اتصالات هاتفية بين قادة في الحركة ومسؤولين أردنيين أثناء سير عملية التفاوض حتى إتمام المصالحة.
واعتاد الأردن دائمًا أن يكون طرفًا رئيسيًّا في أي مناقشات تخص القضية الفلسطينية، سواء فيما يتعلق بالوضع داخل قطاع غزة أو الضفة الغربية؛ مستثمرًا صلاته القوية مع حركة فتح، وخصوصية موقعه الجغرافي في كون السفر من المناطق الفلسطينية وإليها يقتصر على معبر نهر الأردن على جسر الملك حسين.
مصدر فلسطيني من داخل حركة حماس، حضر اجتماعات جولة المفاوضات، ورفض ذكر اسمه أكد لـ«ساسة بوست» أن الأردن لم يكن فاعلًا على مدار العامين الماضيين، سواء في التنسيق مع الحركة في الداخل الفلسطيني، أو تقديم دعم مالي خصوصًا مع الأزمة المالية العنيفة التي عاشها قطاع غزة، فضلاً عن رفضه عرضًا سابقًا تقدمت به الحركة لنقل مقرها للعاصمة الأردنية.
يُكمل المصدر: «خفوت دور الأردن يمتد كذلك من وجهة نظر الجانب المصري وحركة فتح التي كانت تعول عليه في السابق في التنسيق مع إسرائيل، موضحًا أن المكالمة الاخيرة بين إسماعيل هنية وملك الأردن هي أمر بروتوكولي فقط، ولا تتعلق بتنسيق على الأرض».
وكان إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، قد هاتف العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، الأسبوع الماضي، واستعرض معه، بحسب بيان صدر عن الحركة، التطورات السياسية الأخيرة، وخاصة ملف المصالحة الفلسطينية بين حركتي«فتح» و«حماس».
يتطابق حديث المصدر مع ما أوردته صحيفة «إسرائيل اليوم» الإسرائيلية من معلومات تتعلق بأنه: «يسود في الأردن غضب شديد لأن الفلسطينيين (السلطة) لم يطلعوا الأردنيين على مضمون صيغة المصالحة الفلسطينية الداخلية».
وذكرت الصحيفة بأن: «الملك عبدالله يرى أن الاتفاق لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح الأردن الأمنية بكل ما يتعلق بنشاط حركة حماس في الضفة الغربية ودمج الحركة في حكومة الوحدة الفلسطينية إضافة إلى دمج الحركة في منظمة التحرير الفلسطينية».
أدى ذيوع التسريبات عن تهميش دور الأردن في المصالحة الفلسطينية إلى إطلاق حملة صحافية بعدد من الصحف الموالية للملك يقفزون في آرائهم على قضية تهميش الدور الأردني في المصالحة الفلسطينية بتأكيد أن منظومة الأمن الإقليمي بين مصر والأردن هي منظومة واحدة متكاملة ولا تنافسية فيهما إطلاقًا، والقول بأن الأردن ومصر ليس لهما طموحات استثمارية في الملف الفلسطيني.
إسرائيل تستضيف مؤتمرًا لمعارضين أردنيين!.. حكومة ظل للضغط على الملك
في منتصف الشهر الجاري، انعقد مؤتمر في «المركز الدولي اليهودي الإسلامي للحوار»، تحت عنوان «مؤتمر الخيار الأردني – الأردن هي فلسطين»، بمدينة القدس المحتلة، بمُشاركة شخصيات أردنية قال المؤتمر بأنها «معارضة»، وعضو الكنيست اليميني المتطرف يهودا غليك، مايكل روس أحد قادة المنظمات الأمريكية اليهودية، وعضو الكنيست المتطرف السابق أرييه إلداد، والمستشرق اليميني المتطرف مردخاي كيدار.
صورة من برنامج المؤتمر الذي انعقد في منتصف الشهر الجاري. مصدر الصورة: موقع أردن الإخبارية
وشملت قائمة الحضور من الشخصيات الأردنية المُعارضة، حسب توصيف المؤتمر لها، مضر زهران الذي زعم المؤتمر أنه أمين سر المعارضة، وسامر لبدة الذي وصفه المؤتمر بأنه أكاديمي بريطاني من أصل أردني، وعبد المعالي بني حسن وعبد الإله المعلا.
شكل الهدف الرئيسي للمؤتمر الإعلان عن حكومة الظل الأردنية برئاسة المعارض الدكتور مضر زهران، والإعلان عن أن تشكيل هذه الحكومة سيكون تمهيدًا لإقامة الدولة الفلسطينية في الأردن.
ويُعرف نفسه «مضر زهران»، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بأنه أمين سر الائتلاف الأردني للمعارضة، ومُقيم في بريطانيا لاجئًا سياسيًا، وينشر تدوينات تطالب بإسقاط النظام الأردني، وانتقادات واسعة لمشاريع البنية التحتية التي تنفذها السلطة، ونشر مقالات لكتّاب إسرائيليين يقولون فيها: «إن الأردن متجه لحرب أهلية، وإن مضر زهران هو السبيل لإنهاء هذه الحرب عبر تصعيده في السلطة».
يُشكل التطور في استدعاء اليمين الإسرائيلي لشخصيات أردنية للمُشاركة في مثل هذه المؤتمرات تطورًا لافتًا؛ فاليمن المتشدد لطالما أطلق الدعوات الدائمة لتحويل الأردن إلى وطن فلسطيني بديل، لكن منح المؤتمر شرعية باستضافة بعض الأردنيين، وتوصيفهم بـ«المعارضين»، والدعوة لتشكيل حكومة ظل يُشكل منحنيًا خطيرًا في العلاقة بين الأردن وإسرائيل.
وناقشت كلمات المُشاركين أمورًا داخلية في بنية السلطة الأردنية، ككلمة الباحث الإسرائيلي، والمحاضر في جامعة بار إيلان، إيدي كوهين،التي جاءت تحت عنوان«ملك الأردن عدو لإسرائيل، نظام الأردن مصدر المشكلة»، بينما ناقشت الكاتبة راشيل أفراهام العنوان «ماذا يُبقي حدود إسرائيل مع الأردن آمنة؟ من يتحكم في جيش ومخابرات الأردن؟».
يُفسر كذلك توقيت انعقاد المؤتمر بعد أحداث السفارة الإسرائيلية في عمان وما تبعها من أزمة في العلاقات بين الطرفين، احتمالية أنها محاولة خفية لمُمارسة نوع من الضغط الإسرائيلي على الأردن خصوصًا في التطور الذي يتعلق باستضافة أردنيين وتقديمهم على أساس أنهم «معارضون».
أسهم في هذا الاحتمال عدم تقديم حارس السفارة الإسرائيلية في عمان إلى المحاكمة بتهمة قتل مواطنين أردنيين اثنين، وعدم اعتذار بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي للأردن عن استقباله فور تهريبه بعد ساعات من تنفيذ الجريمة، واكتفاء السلطات الأردنية بمخاطبة رسمية لم ترق لأي رد فعل حقيقي على أرض الواقع.
اقرأ أيضًا: مملكة المفارقات.. كيف كشف قتل إسرائيلي لأردنيين عن مستقبل حافل بالمخاطر المخفية؟
الصمت الرسمي الذي قوبل به مثل هذا المؤتمر من جانب السلطات الأردنية يُثير الكثير من التساؤلات، ويفتح الباب أمام إجابات مجهولة تُحدد الشكل المستقبلي لنمط العلاقة بين الأردن وإسرائيل في المستقبل القريب، خصوصًا مع الحديث الهامس الذي يدور حول «صفقة القرن» التي تأتي بموافقة أمريكية إسرائيلية.
وبينما قوبل انعقاد المؤتمر بصمت رسمي، رفع النائب الأردني خليل عطية مذكرة خطية عن المؤتمر للحكومة، معتبرًا عقد المؤتمر أمر «غاية في الخطورة يهدف إلى إقامة الدولة الفلسطينية في الأردن»، وأكد أيضًا: «أن المؤتمر يشكل خرقًا واضحا لاتفاقية وادي عربة وأحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، لا سيما أحكام المادة 2 من اتفاقية وادي عربة التي تنص على اعتراف واحترام الطرفين لسيادة كل منهما وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي».
وحسب تسريبات للقاء الذي جمع بين السفيرة الإسرائيلية في عمّان عينات شلاين، مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي أيزنكوط، في مارس (آذار) الماضي، فإن تقديرات السفيرة ذهبت إلى «أنّ استقرار المملكة الأردنية، بدأ يتضعضع مؤخرًا»