منوعات

هل أنتم ممّن يشيخون بسرعة؟

متقدّمون في السنّ، بكين (أ ف ب)

عند دراسة شيخوخة الإنسان وطرق الوقاية من الأمراض المرافقة لها، ربما يتعيّن تقسيم عمر الإنسان إلى عمر زمنيّ وآخر بيولوجيّ للتوصل إلى نتيجة أفضل. هذا على الأقل ما تفعله الأستاذة المساعدة في طب الشيخوخة في جامعة بيتسبرغ أديتي غوركار.

كتبت غوركار في موقع “ذا كونفرسيشن” أنّ الباحثين ركزوا كثيراً على فهم أسباب وعوامل خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتقدم بالسن مثل الزهايمر والخرف وهشاشة العظام والسرطان. لكنّ كثراً يتجاهلون عامل الخطر الأبرز لجميع تلك الأمراض: التقدّم بالعمر. يزيد التقدّم بالعمر مخاطر الإصابة بعدد من الأمراض المزمنة بأكثر من 1000 مرة.

لكن لا يشيخ شخصان بالطريقة نفسها. ليس العمر مؤشراً موثوقاً به لمدى سرعة تدهور جسمكم أو حجم تعرضكم للأمراض المرتبطة بالعمر. هذا لأنه ثمة فارق بين عمركم الزمني، أو عدد السنوات التي أمضيتموها منذ ولادتكم، وعمركم البيولوجيّ، أي إمكاناتكم الجسدية والوظيفية.

توضح غوركار أنها مهتمة بإعادة تحديد “العمر”. بدلاً من تحديد العمر الزمني كمرجع، يستثمر مختبرها في قياس العمر البيولوجي. فهو أكثر دقة في قياس طول الفترة التي يقضيها الإنسان متمتعاً بصحة جيدة، كما أنّه لا يرتبط مباشرة بالتجاعيد والشيب. يعاني الذين يتقدمون سريعاً في السن من وتيرة تدهور وظيفي أسرع بالنسبة إلى عمرهم الزمني. وأشارت الكاتبة إلى أن جدتها التي عاشت حتى 83 من العمر لم تتذكر من كانت حفيدتها في السنوات الأخيرة من عمرها. بهذا المعنى، كانت تشيخ بسرعة. من جهته، عاش جد غوركار حتى 83 أيضاً من العمر، لكنه كان نشطاً حتى أنه كان ينجز لها فروضها إلى أن رحل. بالتالي، كانت شيخوخة جدها صحية.

مع نمو غير مسبوق لفئة كبار السن، يعدّ اكتشاف طريقة لقياس التقدم في العمر البيولوجي مهماً لا على الصعيد الفردي وحسب بل أيضاً للصحة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع بحسب الكاتبة. رصدُ المتقدمين سريعاً في السن يمثل فرصة لتأخير وتغيير أو حتى قلب مسار العمر البيولوجي.

الوراثة والعمر البيولوجي

الشيخوخة البيولوجية متعددة الأوجه. هي تنشأ من مزيج معقد من الصفات الوراثية وتتأثر بعوامل مثل تركيبة الميكروبيوم والبيئة ونمط الحياة والتوتر والنظام الغذائي والتمارين. في الماضي، كان يعتقد بأن لا تأثير وراثياً على التقدم في السن أو طول العمر. لكن في أوائل التسعينات أشار علماء إلى دراسات أولى تحدد الصفات الوراثية التي كانت قادرة على إطالة العمر لدى الديدان الخيطية. منذ ذلك الحين، تدعم ملاحظات عدة تأثير الجينات على التقدم في السن.

على سبيل المثال، يميل أولاد من عاشوا طويلاً أو حتى من لديهم أشقاء عاشوا لفترة طويلة إلى أن يتقدموا كثيراً في العمر. وحدد باحثون جينات معتددة تؤثر على طول العمر وتلعب دوراً في المرونة والحماية من الإجهاد. من بينها ما يشمل جينات تصلح الحمض النووي المنقوص الأوكسيجين وتحمي الخلايا من الجذور الحرة وتنظم مستويات الدهون.

لكن من الواضح وفق دراسات شملت توائم يتشاركون الجينات لا الأعمار نفسها بالضبط أنّ الجينات ليست العامل الوحيد الذي يؤثر في الشيخوخة. هي لا تمثل سوى 20 إلى 30 في المئة من العمر البيولوجي.

تأثيرات البيئة ونمط الحياة

وجد الباحثون أنّ هذه العوامل تؤثر بشدة على العمر البيولوجي من بينها الترابط الاجتماعي وعادات النوم وشرب المياه والتمارين الرياضية والنظام الغذائي. الترابط الاجتماعي ضروري للصحة الجيدة على امتداد الحياة. ذكرت دراسات عدة وجود صلة قوية بين العزلة الاجتماعية وزيادة الإجهاد والاعتلال والوفاة. بشكل مماثل، يشكل النظام الغذائي والتمرين الرياضي مؤثرين قويين في العمر البيولوجي.

تعزى الشيخوخة الصحية في المناطق التي يعيش فيها الناس حياة طويلة إلى النظام الغذائي والتمارين الرياضية والترابط الاجتماعي. الوجبات النباتية بمعظمها والنشاطات الجسدية طوال اليوم هي “أسرار” معروفة عن طول العمر والصحة. بالرغم من أن دراسات حديثة عن تأثيرات الصيام المتقطع والغذاء المقيّد بالوقت على طول العمر لم تُختبر بشكل مكثّف، يبقى أنها تظهر منافع صحية على مستوى تحسين كمية السكر في الدم وتنظيم الإنسولين.

كيف يمكن قياس العمر البيولوجي؟

حالياً ما من اختبار فعال للتنبؤ بمسار صحة الفرد في وقت مبكر، من أجل التمكن من التدخل وتحسين نوعية الحياة مع العمر. العلماء الآن مهتمون بتحديد جزيء حساس ومحدد بما يكفي كي يكون بمثابة بصمة فريدة للعمر البيولوجي. التركيز على صحة ومرونة الفرد عوضاً عن التركيز فقط على حالة المرض أمر مهم في النقاشات المرتبطة بالعمر البيولوجي. المرونة هي حالة التكيف والتعافي من تحدّ صحّي وهي غالباً أكثر قدرة على التنبؤ بالصحة الوظيفية. قد توفر بصمة الصحة الجزيئية أداة للمساعدة في تحديد الأشخاص الأقل مرونة والذين يحتاجون إلى مراقبة أكثر كثافة وإلى تدخل مبكر للحفاظ على صحتهم والمساعدة في تقليل الفوارق الجندرية والعرقية والإثنية. وثمة العديد من العلامات الجزيئية الواعدة التي قد تكون بمثابة بصمات للعمر البيولوجي.

إحدى هذه العلامات هي الساعات اللاجينية. الوراثة اللاجينية (Epigenetics) هي تعديلات كيميائية على الحمض النووي المنقوص الأوكسيجين تتحكّم بالوظيفة الجينية. وجد العديد من العلماء أنّه يمكن تحديد الحمض النووي بمجموعات الميثيل في نمط يتغير مع العمر ويمكن أن يكون بمثابة قراءة للتقدم في العمر.

تجدر الإشارة بحسب الكاتبة إلى أنّ الساعات اللاجينية كانت قيّمة في توقّع العمر الزمني، لكنها لا تساوي العمر البيولوجي. إضافة إلى ذلك، من غير الواضح كيف بإمكان العلامات اللاوراثية هذه أن تعمل أو أن تساهم بالتقدم في العمر.

من العلامات الأخرى للعمر البيولوجي تراكم الخلايا المتعطلة التي تسمى الخلايا الهرمة أو الخلايا الزومبي. تصبح الخلايا هرمة حين تختبر أنواعاً عدة من الإجهاد وتصبح متضررة إلى درجة أنها لا تعود قادرة على الانقسام مطلقة جزيئات تتسبب بالتهابات وأمراض مزمنة منخفضة الحدة.

أظهرت دراسات على الحيوانات أنّ التخلص من تلك الخلايا يمكن أن يحسّن طول أمد الصحة. لكن ما يحدد بوضوح الخلايا الهرمة في الإنسان لا يزال غير معروف مما يصعّب تعقبها كأداة للعمر البيولوجي.

أخيراً، يفرز الجسم مستقبلات فريدة أو علامات كيميائية كمنتجات ثانوية لعملية التمثيل الغذائي الطبيعي. تؤدي هذه المستقبِلات دوراً دينامياً ومباشراً في التنظيم الفسيولوجي ويمكنها إرشاد الصحة الوظيفية. يدرس مختبر غوركار كما مختبرات أخرى التركيب الدقيق لهذه المواد الكيميائية من أجل معرفة تلك القادرة على قياس العمر البيولوجي بالشكل الأفضل. يتبقى الكثير من العمل لا من أجل تحديد هذه المستقبلات وحسب بل أيضاً لفهم كيفية تأثيرها على العمر البيولوجي.

وتختم غوركار مقالها بالإشارة إلى أنّ الأبحاث بدأت تظهر أنّ تأخير العمر البيولوجي قد يكون طريقة لعيش حياة أكثر صحة واكتمالاً.