منوعات

حديقة “الحامّة” رئة الجزائر العاصمة… متحف لجمال الطبيعة بشهادة “طرزان”

حديقة الحامّة.

تعد حديقة التجارب بالحامّة وسط العاصمة الجزائرية مقصداً مهماً للزائرين خلال أيام عيد الفطر، بخاصة خلال اليوم الثاني منه.

وتشهد هذه الحديقة الغنّاء بطبيعتها الخلابة ومساحاتها الخضراء الراقية إقبالاً كبيراً يفوق الـ20 ألف زائر، حسب أرقام مديرية الاتصال بالحديقة.

والمؤكد أن هذا الرقم سيتضاعف هذا العام لأن الاحتفال بعيد الفطر سيمتد على مدى أربعة أيام لتزامنه مع عطلة نهاية الأسبوع.
تقع الحديقة على أطراف عاصمة الجزائر، وهي بمثابة متحف طبيعي يتربع على مساحة أكثر من 32 هكتاراً.

ومن على رفوف المتحف الوطني للفنون الجميلة ومغارة سيرفانتيس التاريخية، تتراءى لك الحديقة الغناء بأشجارها الممتدة أعمارها إلى مئات السنين، والمختلفة أنواعها، علاوة على نباتاتها المتنوعة.

يعود إنشاء الحديقة إلى العام 1832، حين بادر الفرنسيون بعد عامين من دخول الجزائر محتلين، إلى إقامة حديقة تجريبية مميزة، على بعد كيلومترات قليلة من عاصمة البلاد وفي قبالة خليج الجزائر.

توافد كبير خلال العطلات
على طول أيام العطلة الشتوية تتدفق الجموع من كل محافظات البلاد، على إحدى أقدم وأجمل وأغنى حدائق القارة الأفريقية بل العالمية، مثلما يوصفها الكثير من زائريها.

يستغل الأهالي عادة أيام العطلة الشتوية لاصطحاب أبنائهم إلى الحديقة مستغلين فترة الراحة، وكذلك تشهد الحديقة توافداً ملحوظاً من السياح والزائرين في فترات مختلفة.

عبد المجيد واحد من هؤلاء، التقيناه هناك رفقة أسرته الصغيرة، سألناه عن تفضيله هذا المكان عن باقي أمكنة الراحة والاستجمام فأجابنا بسؤال استنكاري: “نخلي (نترك) هذه الطبيعة الرائعة ونروح لمكان آخر؟… إنه مكان طبيعي هادئ جميل يضفي على نفسيتي أنا شخصياً راحة لا أجدها في أي مكان آخر”.

حديقة الحامّة في الجزائر أنشئت بطابع خاص وبميزات كثيرة، فعلاوة على نباتاتها وأشجارها المتنوعة والمختلفة الأشكال والألوان والأحجام، قسّمها منجزوها أقساماً عدة، ومنها الحديقة الفرنسية والحديقة الإنكليزية، إضافة إلى حديقة حيوانات ومدرسة تعليم زراعة الحدائق ومركز للاختبارات.

في الحديقة الإنكليزية صادفنا مجموعة من السياح التونسيين، حرصوا على زيارتها قبل مغادرة عاصمة الجزائر باتجاه شرقها. نائلة عبيد، واحدة من هؤلاء، هي مديرة مدرسة في تونس، زيارتها للجزائر شكلت نقلة نوعية في محبتها للجزائريين؛ سألناها عن حديقة الحامّة، فقالت: “كانت هذه فرصة رائعة لزيارتها، أول ما دخلتها شعرت بعظمة المكان، بتلك الأريحية وذاك التناغم والجمال الذي يعانق بعضه، في رمزية ولوحة جميلة جداً”. 

وتضيف: “المكان جميل ورائع فعلاً؛ كل ركن في الحديقة ينسيك المكان الذي رأيته من قبل. إنها فسحة مميزة حقاً، الأشجار متعددة ومتنوعة وغريبة أحياناً، لقد راقت لي هذه الأشجار الفارعة الطول التي رسمت لوحة طبيعية لافتة إذ تبدو وكأنها تعانق بعضها، مع أن غالبيتها ليست من أصل واحد؛ تشعر معها بأن حضارة تعانق حضارة أخرى”.

نائلة التي أبهرها الجمال الطبيعي لحديقة الحامّة لم تخف في حديثها لـ”النهار العربي”، إعجابها بالاهتمام الكبير الذي يوليه القائمون على نظافتها وصيانتها.
“طرزان” في حديقة الحامّة
قد لا يعلم الجيل الجديد من الجزائريين وغيرهم أن الفيلم السينمائي العالمي الشهير “طرزان” قد تم تصوير مشاهد من نسخته الأولى في حديقة الحامة في الجزائر العاصمة العام 1938، أي بعد قرن من إنشائها.

الحديقة لم تسجل اسمها فقط في السينما العالمية، بل تجاوزت ذلك لتحتضن أسماء سياسية وفلسفية عالمية، يقول باحثون. فقد زارها القائد الفرنسي نابليون الثالث والمفكر الألماني كارل ماركس، والكاتبان الفرنسيان أندريه جيد وألبير كامو، والفيلسوف الفرنسي جاك دريدا.
زيادات مرتقبة في عدد الزائرين
قالت إدارة الحديقة إن عدد زوارها فاق العام قبل الماضي المليوني زائر، مع إحصاء ما يقرب من مليونين ونصف المليون خلال 2023، مرجعة هذه الزيادة إلى زوال كل مسببات الغلق والخوف من وباء كورونا، والتي أثرت بشكل كبير على تراجع عدد زوار الحديقة وحتى على مداخيلها المالية.

وعلى رغم ذلك، إلا أن الحديقة أو رئة العاصمة كما يحلو للبعض تسميتها، ظلت شامخة تنتظر زوال الأزمة الصحية بكثير من الصبر والاجتهاد والعمل أيضاً، إذ حظيت بالصيانة الدورية طيلة سنوات الجائحة، بالإضافة إلى تنظيف محيطها وغرس النباتات والأزهار وغيرها من الأشغال التي ساهمت بشكل فاعل في استقطاب ملايين الزائرين مباشرة بعد كورونا.