رغم عدم اعلان الاميركيين بوضوح عن نيتهم حول صورة وشكل تواجدهم في العراق في المرحلة الجديدة ، لكن المؤشرات الموجودة تشير بأن واشنطن لاتنوي الرحيل.
بعد مجيء الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني تم طرح عدة سيناريوهات حول التواجد الاميركي في العراق ، في وقت كان السوداني قد اكد في تاريخ 11 يناير وقبيل زيارته الى المانيا بأن العراق لا يحتاج الى قوات اجنبية ، لكن الصحافة الغربية نقلت هذا الكلام بشكل مختلف وحرفته.
لقد تحدث السوداني بصراحة حول هذا الموضوع في مقابلاته مع عدد من وسائل الاعلام الالمانية البارزة وخلال مؤتمراته الصحفية المشتركة مع كبار المسؤولين الالمان . لكن ورغم هذا قالت بعض وسائل الاعلام الشهيرة الاميركية والبريطانية والغربية ومنها صحيفة وول ستريت جورنال بأن السوداني وصف القوات الاميركية في العراق بالقوات الصديقة.
في 16 يناير زار منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك العراق والتقى برئيس الوزراء العراقي وعدد من الشخصيات السياسية في بغداد واربيل ، وحسب البيان الرسمي الصادر عن مكتب رئاسة الوزراء العراقي فان السوداني قال اثناء لقائه بماكغورك بانه يريد فتح آفاق التعاون مع الدول الصديقة والشقيقة بما يؤمن مصالح الشعب العراقي.
كما اكد السوداني بأن القوات الامنية العراقية لديها القدرة على مواجهة الارهاب وحفظ استقرار البلاد. المبعوث الاميركي كان قد قال في هذا اللقاء بأن بلاده تدعم الحكومة العراقية وان الولايات المتحدة تعتزم مواصلة التعاون الاستشاري مع القوات العراقية في مكافحة داعش ، كما انها لازالت ملتزمة باتفاق الاطار الاستراتيجي مع العراق ودعم اصلاحات الحكومة العراقية في مجال الطاقة والبنى التحتية.
ورغم محاولة هذا الدبلوماسي الاميركي التكلم باحتياط وعدم الاشارة بشكل مباشر الى نية واشنطن لاستمرار التواجد العسكري في العراق، لكن العراقيين لا يرتاحون كثيرا لهذا الشخص. خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار انه كان قد عين من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب كمنسق اميركي في الشرق الاوسط وافريقيا وكان معروفا بتدخلاته ومحاولاته المستمرة لفرض مواقفه على العراقيين.
والشيء الآخر الذي يثير الانتباه هو مرافقة آموس هوكشتاين لماكغورك في زيارته للعراق، والمعروف ان هوكشتاين الذي يشغل منصب المنسق الخاص للرئاسة الاميركية للبنى التحتية العالمية وامن الطاقة ، هو يهودي الاصل ويحمل الجنسية “الاسرائيلية” ايضا. وقد اثارت زيارته الى العراق جدلا في الاوساط السياسية العراقية ، خاصة اذا علمنا ان سجله السياسي والمهني يدل على نزعته المعادية للمسلمين والعرب ومواقفه السلبية تجاههم.
ورغم ان هوكشتاين ليس عنصرا اساسيا وحاسما في السياسات الاميركية لكنه من العناصر النشطة الرئيسيين وان حضوره ضمن الوفد الاميركي الذي زار العراق لم يكن من قبيل الصدفة.
واجرى هذا الدبلوماسي الاميركي لقاءات مطولة مع مسعود بارزاني ، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، ونجيرفان بارزاني، رئيس اقليم كردستان، ومسرور بارزاني ، رئيس حكومة اقليم كردستان وباقي الشخصيات السياسية في اقليم كردستان العراق.
ونقلت الاوساط المطلعة ان محور لقاءات الوفد الاميركي مع مسؤولي اقليم كردستان كان كيفية التصدي للهجمات التي تستهدف مقرات الاميركيين في تلك المنطقة وخاصة قاعدة حرير الواقعة جنوب اربيل. وكان الوفد الاميركي يبحث خلال كافة لقاءاته في اربيل عن حصول اطمئنان بأن مواقع القوات الاميركية لن تتعرض لهجمات مثل الهجمات التي شنت منذ عام 2018 وحتى الآن ، وبمعنى آخر فان واشنطن تعلن الآن وبصورة غير مباشرة بأن الانسحاب من العراق قد ألغي ويتم الاكتفاء فقط بتغيير عنوان وصفة القوات الاميركية واماكن تواجدها وانتشارها في العراق.
وفي الحقيقة يسعى الاميركيون من خلال ادعاء دعم الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني ، احتواء حركات المقاومة في العراق لان السوداني وخلافا للكاظمي لديه علاقات طيبة مع حركات المقاومة.
ان الحوار الاميركي العراقي الممتد منذ 3 سنوات يثبت بأن هذا الحوار ليس سوى اهدارا للوقت وتهربا اميركيا من اجل استمرار التواجد في العراق.
ومن جهة اخرى فان القوى السياسية العراقية المناهضة للتواجد الاميركي تؤكد دوما على طرح موضوع اغتيال الشهيدين الفريق قاسم سليماني وابو مهدي المهندس في أي لقاء مع الاميركيين بشكل يكون محور اللقاء هو هذا الأمر.
لكن ما يزيد مخاطر بقاء الاميركيين في العراق هو تبعية العراق الاقتصادية لواشنطن حيث يعتبر البعض بان اميركا تسيطر بالكامل على الموارد المالية والاقتصادية للعراق وهذا يجعل حتى الانسحاب العسكري الاميركي من العراق عديم الفائدة خاصة مع قيام الاميركيين مؤخرا بمعاقبة عدد من البنوك العراقية الخاصة.
وعلى اية حال فان الموقف الاميركي حول نوع التواجد في العراق لم يتضح بعد ، كما يبدو ان الاميركيين غير مستعدين للتنازل امام مواقف السوداني من اجل جعله مؤيدا للمواقف الاميركية ، خاصة مع ادراك الاميركيين عدم وجود أية ضمانات لوقف عمليات المقاومة الاميركية ضد مواقع الاميركيين ، بانتظار ما سيسفر عن المفاوضات السياسية بين بغداد وواشنطن.