أي توسع للصراع قد يعني هروب ما يصل إلى 30 في المئة من الالتزامات الخارجية
أحمد مصطفى صحافي متخصص في الشؤون الدولية
توسع الصراع وطول أمده يمكن أن يؤدي إلى هروب التمويلات الخارجية بنحو 220 مليار دولار (أ ف ب)
تبدو الحرب في غزة، في شهرها الثاني، حتى الآن محدودة الأخطار على النظام المصرفي في المنطقة على رغم الأضرار الاقتصادية الكبيرة بالفعل، وطالما أن الحرب محصورة بين إسرائيل والفلسطينيين لا يتوقع اتساع نطاق الأضرار على المصارف في دول المنطقة، وفي حين أن بعض مؤسسات التصنيف الائتماني أخذت تخفض تصنيفاتها لبعض البنوك، بخاصة في مصر، إلا أن ذلك يرجع إلى أوضاع ربما سابقة على اندلاع الحرب مطلع الشهر الماضي.
لكن مع استمرار الصراع واحتمالات توسعه إلى جبهات أخرى بدأت شركات الاستشارات والبحوث المالية في وضع توقعات لتأثير ذلك على المصارف، بخاصة في دول الخليج ومصر والأردن حيث نشاط بعض البنوك الإقليمية في أكثر من بلد في المنطقة. في هذا السياق أصدرت مؤسسة “ستاندرد أند بورز” للتصنيف الائتماني تقريراً مفصلاً عن سيناريوهات تأثر البنوك الإقليمية في المنطقة في حال استمرار الصراع أو توسع نطاقه.
ركز التقرير على دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، واستثنى من البحث والتحليل القطاع المصرفي في المغرب وتونس وتركيا، فبالنسبة لتركيا، على رغم الدين الخارجي الهائل لقطاعها المصرفي إلا أن السوق المصرفية “أكثر حساسية للعوامل الداخلية” وليس الخارجية، أما المغرب وتونس فالدين الخارجي لمصارفهما محدود وفي الأغلب عبارة عن ودائع من المواطنين في الخارج.
احتمالات الضغط على القطاع
استخدم الباحثون في المؤسسة الدولية في تحليلهم لاختبار قدرة المصارف الإقليمية في المنطقة على مواجهة التوجه العكسي للتمويل الخارجي (هروب رؤوس الأموال الخارجية منها) تقديرات لإمكانية تسييل الأصول الخارجية لتلك المصارف استناداً إلى أحدث أرقام وبيانات البنوك المركزية لدول المنطقة.
وطبقاً لتلك التقديرات، فإنه في حال استمرار الصراع واتساع نطاقه يمكن أن يصل حجم خروج التمويل الخارجي من مصارف دول المنطقة إلى 220 مليار دولار، أي نسبة 30 في المئة من الالتزامات الخارجية المجمعة للقطاع المصرفي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبحسب نتائج التحليل، فإن قطر ومصر وبدرجة أقل الأردن هما أكثر الدول التي تظهر عجزاً في التمويل الخارجي، ويشير التقرير إلى أنه “بالنسبة لمصر يرجع ذلك إلى تراكم الدين الخارجي على البنوك أخيراً، وبالنسبة للأردن يرجع ذلك إلى نشاط مصارفها في الأراضي الفلسطينية وهو ما يمكن أن يفيد صمودها لأنه في ظل الأوضاع الحالية فإن أي تصعيد قد يدفع الفلسطينيين نحو تحويل أموالهم إلى الأردن، أما بالنسبة لقطر فيعود ذلك إلى الحجم الكبير للدين الخارجي على مصارفها وأغلبه ودائع (الإنتربانك)، لكنه يضيف أن البنوك القطرية تتمتع بدعم حكومي قوي.
ومع أن بقية قطاعات المصارف في دول المنطقة تبدو في وضع جيد من حيث قدرتها على امتصاص أي هروب للتمويل الخارجي إلا أن ذلك يعتمد بالأساس على إمكانية تسييل الأصول الخارجية بشكل سريع وبخسائر محدودة.
في ما يتعلق باحتمالات التصنيف الائتماني للمصارف الإقليمية من قبل مؤسسة “ستاندرد أند بورز”، يظل السيناريو الأساس هو اقتصار الصراع على ما هو عليه حالياً بالتالي سيكون الضرر الاقتصادي الأكبر على إسرائيل ودول الجوار، إلا أن احتمالات تطور الصراع واستمراره لفترة أطول يمكن أن يؤدي إلى سيناريو زيادة الضغط على القطاع المصرفي، وتحديداً بهروب التمويل الخارجي منه.
تباين أوضاع البنوك الإقليمية
مع أن الدين الخارجي للبنوك في بعض دول المنطقة ارتفع كثيراً في الأعوام القليلة الماضية، إلا أنه في أغلب الحالات تم تحويله إلى مراكز أصول خارجية ما يجعل القطاع المصرفي في المنطقة في وضع جيد. وبعض الدول مثل البحرين وعمان ومصر والأردن حولت قدراً من الدين الخارجي إلى أصول محايدة، مثل إقراض الاقتصاد المحلي أو الاستثمار في أصول محلية.
وتتباين أوضاع القطاعات المصرفية في دول المنطقة بحسب تركيبة التزاماتها الخارجية، فالبنوك التي تشكل ودائع “الإنتربانك” قدراً كبيراً فيها قد تشهد خروج التمويل بنسبة تصل إلى 50 في المئة، وذلك لأن تلك التمويلات قصيرة الأجل للغاية وشديدة الحساسية للأخطار. أما بالنسبة لإيداعات غير المقيمين فيمكن أن يكون هروب التمويل الخارجي في حدود نسبة 30 في المئة، وتقل النسبة لالتزامات أسواق المال إلى حدود 10 في المئة لأنها في الأغلب استثمارات متوسطة وطويلة الأجل مثل سندات الدين والصكوك، ويشير التقرير إلى أن الأخطار أعلى بالنسبة لمصر والأردن.
وعلى رغم إعادة التأكيد على قدرة القطاع المصرفي الإقليمي على امتصاص تلك الأضرار حتى في حالة توسع الصراع وطول مدته، إلا أن السيناريو الأخير يشير إلى مشكلة القدرة على تسييل الأصول الخارجية بسرعة وبكفاءة، ففي حالات الضغط، تتدهور قيمة تلك الأصول عند الحاجة لبيعها اضطراراً، وفي حالة البيع بقيمة أقل بنسب في حدود 10 إلى 20 في المئة، يعتبر ذلك محتملاً، أما إذا زادت نسبة الخسارة عن ذلك يكون الضرر أكبر على المصارف.