مقالات

هل تنجح دول الصراع في سوريا بفصل «بشار الإيراني» عن «بشار الروسي»؟

 

ميرفت عوف

يكثر الحديث عن اقتراب نهاية الصراع على الأرض السورية، يتزامن ذلك مع تغيُّر في موقف الدول الإقليمية والدولية، لكنه تغير لن يقبل بالنفوذ الإيراني في المنطقة. وللخروج من مأزق ربط النظام السوري بإيران، اختارت هذه الدول قرار فصل «بشار الإيراني» عن «بشار الروسي»، وذلك لانسجام الموقف الروسي مع الصفقة الإقليمية الدولية بعكس الموقف الإيراني، بينما قد يضطر «الأسد» والمعروف بكونه داهية في التلاعب بحلفائه الدوليين، للانصياع للموجة الإقليمية والدولية التي تريد فصله عن حليفه الذي يفضله، وهو الحليف الإيراني.

المصالح الإيرانية والروسية في سوريا

«إن إيران تنظر إلى سوريا من باب المصلحة، بغض النظر عن اعتبار بعض المسؤولين الإيرانيين بشار الأسد ديكتاتورًا»، كان صريحًا للغاية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، في تصريحه السابق الذي نقلته وكالة «إيرنا» الإيرانية.

آية الله علي خامئني مع بشار الأسد.

إذ يشهد على جدية الرجل تكثيف بلاده في الشهور الأخيرة لجهودها بغية الحصول على أكبر حصَّة من المصالح مقابل التعاون الاستراتيجي مع النظام السوري، فالنظام يبرم المزيد من الاتفاقيات الموثّقة التي تقوِّى النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي والديموغرافي لإيران، وعلى سبيل المثال من آخر مشاريعها الاقتصادية، مشروع إنشاء مصفاة نفط كبرى قرب مدينة حمص في وسط سوريا، ومشروع إطلاق مشغل خليوي، وكذلك ما يتعلق بمرحلة «إعادة إعمار» التي تعني الحصول على الحصة الأكبر من الفوائد الاقتصادية، فمن المرجح أن تذهب معظم عقود الإعمار إلى طهران.

لكنّ المصلحة التي تتربع على عرش المصالح الإيرانية في سوريا هي خلق ممر أرضي يصل طهران بحليفها الأهم حزب الله؛ لإمداده بالأسلحة المتطورة؛ لاستمرار الحفاظ على توازن عسكري مع العدو الأول، إسرائيل، وتقوية وجودها الجغرافي السياسي المتزايد من خلال «سوريا الأسد» في المنطقة على حساب المنافسين السنة، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية.

بوتين مع الرئيس الإيراني حسن روحاني.

لكن بالرغم من تحالف كل من روسيا وإيران في الملف السوري، والذي وصل إلى حدّ قول الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامئني، للرئيس الروسي في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي: «يمكن لتعاوننا أن يعزل الولايات المتحدة، لا يمكن إنكار فشل الإرهابيين المدعومين من الولايات المتحدة، لكن الأمريكيين يواصلون مخططاتهم»، إلا أن هناك اختلافًا في مصالح كلا الطرفين.

وفيما يتعلق بالمصالح الروسية في سوريا، فقد «اتسمت علاقة الرئيس فلاديمير بوتين بـالديكتاتور السوري بشار الأسد بأنها زواج مصلحة أكثر منه التقاء عقول أيديولوجيًّا»، كما يلخص الكاتب «كون كوغلين» طبيعة العلاقة بين النظام السوري، وروسيا في مقاله «لماذا يتمسك بوتين بطاغية سوريا المخبول؟»، إذ تقوم جل المصالح الروسية في سوريا على القيام بدور سياسي يضعها في مسرح الأحداث الدولية الكبرى، ويعيد النفوذ الروسي القديم في الشرق الأوسط، إضافةً إلى هدفها المتمثل في حماية قواعدها العسكرية في اللاذقية وطرطوس، وفتح مجال لقواعد عسكرية بالقرب من البحر المتوسط، ناهيك عن مصلحتها من التدخل في النزاع السوري للحد من النفوذ الأمريكي في المنطقة.

السعودية تختار «بشار الروسي»

نجحت روسيا في إقناع المجتمع الدولي، وخاصةً الدول الخليجية بأن النظام السوري تمكّن بفضل الدعم الإيراني من البقاء في السلطة خلال سنوات الحرب الخمسة، وفندت إمكانية نجاح محاولات إسقاطه أو وقف تغلغل النفوذ الإيراني أكثر في المنطقة طالما الأسد مع إيران، لكن الوضع يختلف تمامًا عند التعامل مع «بشار الروسي»، فمع هذا يمكن التخلص من النفوذ الإيراني، وعدم الضرر من بقاء النظام السوري.

بيعت هذه القناعة بشكل كبير للسعودية، التي بدا مؤكدًا تراجعها عن شرط إزالة «الأسد»، فقد تمكنت من إقناع فصائل المعارضة السورية بضرورة أن تكون أقل إصرارًا على رحيل الأسد الفوري، وجاء في تقرير وكالة «بلومبرغ» الأمريكية أن: «جميع الحقائق العسكرية تصب في مصلحة روسيا والأسد، وهو ما دفع الرياض إلى تطوير علاقاتها مع موسكو».

الملك سلمان مع بوتين

وتنقل الوكالة عن مدير قسم دراسات الدفاع والأمن بمركز الخليج للأبحاث في دبي، «مصطفى العاني»، قوله: «يُدرِك السعوديون الآن أنَّ الروس هُم الطرف الوحيد القادر على تسوية النزاع السوري. وعلى ذلك فهُم لا يمانعون فكرة بقاء نظام الأسد»، مضيفًا: «لم يَعُد نظام الأسد مشكلة (بالنسبة للسعوديين)، حتى الرئيس لم يَعُد مشكلةً هو الآخر. المشكلة الآن هي مسألة وجود الإيرانيين على أرض سوريا؛ إذ تطرح الولايات المتّحدة ومعها إسرائيل الآن أنَّ على الروس العمل على إنهاء الوجود الإيراني في سوريا».

«بشار الروسي».. الجميع موجود على طاولة «بوتين»

وفي قراءة لإمكانية المقامرة بفصل روسيا عن إيران بأداة «بشار»، نبدأ بالحديث عن أثر الدفء الذي طرأ بين روسيا ودول الخليج، وأهمها السعودية، في تحقيق ذلك، فالاهتمام الروسي بالعلاقات مع دول الخليج التي ترى في إيران «العدو اللدود»، والتقاء المصالح بينهما في سوريا، له وقعه في أن ترضى السعودية ببقاء «الأسد الروسي» مقابل تحجيم روسيا لنفوذ إيران في سوريا والمنطقة عامة، وهو الأمر الذي جعل السعودية تكفل حصَّةً عوضًا عن الحصَّة الإيرانية في «إعادة إعمار» سوريا.

بوتين والأسد.

وقد ظهر الموقف السعودي بوضوح، خلال لقاء الملك سلمان، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في روسيا، في أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما قال الملك السعودي لبوتين إن: «الرياض مستعدة للمساهمة في إعادة إعمار سوريا مقابل لجم النفوذ الإيراني فيها»، وتنقل وكالة «بلومبيرج» الأمريكية عن مصادر القول إن: «الملك سلمان أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الرياض لا يمكن أن تدفع بمليارات الدولارات لتصب في خدمة إيران والميليشيات التابعة لها، وأن أي حديث عن إعادة الإعمار يجب أن يكون بعد حل سياسي يكون فيه القرار بيد السوريين دون تدخل خارجي لفائدة أي جهة كانت».

كذلك، لا يمكن تجاهل أثر أزمة لبنان الحالية التي تمت بجهود سعودية على إيران وحلفيها الرئيسي «حزب الله اللبناني»، فمحاولات نقل ساحة المعركة مع إيران من سوريا إلى لبنان، خلقت تداعيات سياسية واقتصادية خطيرة، الأمر الذي يدفع نحو جعل العامل الحاسم في تحديد مصير سوريا بعد الحرب هو الموقف الروسي لا الإيراني، وبذلك تضمن روسيا عدم وجود عملية سياسة لحل الأزمة السورية من دونها.

فيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة الأمريكية، فواشنطن غير المعنية ببقاء الأسد من عدمه، وبعد دحر «تنظيم الدولة» هي أقرب إلى الموقف الروسي من الإيراني، يقول الكاتب السوري، عمر قدور، إن: «استراتيجية ترامب نفسها لا تقول شيئًا خاصًا بسوريا، وإذ تستهدف النفوذ الإيراني في عموم المنطقة فهي لا تمانع تركها لإدارة بوتين، مع التذكير بإبلاغها منذ مدة أمين عام الأمم المتحدة أنها تركت مصير بشار لتبتّ فيه موسكو»، ويضيف في مقاله بصحيفة «الحياة» اللندنية المعنون بـ«لماذا لا ينتصر حلفاء بشار الأسد؟» : «لا مشكلة عند إدارة ترامب مع بقاء بشار برعاية روسية، ولا مشكلة لديها مع الهيمنة الروسية في بلد تأتي أهميته من الوجود الآفل لداعش، ولاحقًا من النفوذ الإيراني».

ويلتقي مع الموقف الأمريكي؛ بل يدفعه أكثر الموقف الإسرائيلي، فإسرائيل التي لا تكف عن الإعراب عن مخاوفها من النفوذ الإيراني باتت عقدتها هي فصل بوتين عن إيران، فبالرغم من تمكُّنها من تعطيل اتفاقيات مهمة بين روسيا وإيران، وفرض مواقفها في القضية السورية، فهي تريد ضمانات أكثر للحفاظ على أمنها من جانب روسيا، فالمصلحة الإسرائيلية التي تفضل بقاء الأسد على وصول فصائل المعارضة السورية للحكم في سوريا، تتفق مع روسيا التي لن تكون سعيدة بوجود دولة إسلامية على حدودها.

تفاصيل سرية كشفتها مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية بأن «بوتين»، والرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» قد توافقا على إبعاد إيران عن جنوب سوريا على امتداد الحدود الإسرائيلية والأردنية، فموسكو ومن مقتضيات مصلحتها أصبحت موافقة على تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، يقول أستاذ العلاقات الدولية، خالد العزي: «فرضت أمريكا على روسيا شروطًا للتفاوض معها على سوريا، وفي طليعتها تخفيض دور إيران وميليشياتها من أجل البدء في تنفيذ عملية انتقالية سياسية للمكونات السياسية، بعد أن أدرك الروس بأن الحسم العسكري غير وارد، وهذا كان يتعارض مع التوجه الإيراني الذي يحاول استغلال الروس في استمرار الحملة العسكرية على ما كان يعرف بالإرهاب بمباركة دولية»، مضيفًا لـ«ساسة بوست»: «روسيا تسير نحو مصالحها، وهي ليست على عداوة مع أحد، عكس إيران، فهي من يمتلك التكلم مع الجميع: إسرائيل، والسعودية، وتركيا، وإيران، والمعارضة السورية، والنظام، وحزب الله، والأكراد».

مصلحة بشار مع إيران.. ولكن!

تريد روسيا أن تأخذ «بشار الأسد» إلى السعودية، وإلى العالم الذي تتوافق مصالحها معه، لكن بشار نفسه، مصلحته النهائية مع إيران أم روسيا؟

بالرغم من أن «بشار الأسد» يثق بأنه مهم لكلٍّ من روسيا وإيران، لكنه أكثر ثقة بتمسك طهران به، فهو عماد مشروعها الإقليمي الذي من الصعب أن تتخلى عنه، وقد منحته دائمًا وجيشه الظهور بصفته شريكًا لها في المعركة بعد أن لعبت هي الدور الكبير في الانتصارات الاستراتيجية التي حققها النظام، ولذلك يقول الكاتب السوري، عمر قدور، إن: «نظام بشار قد يتأذى من إضعاف النفوذ الإيراني، إذا اضطر لارتهان كلي للنفوذ الروسي، وفقد الإمكانية الحالية للمناورة بين الحليفين، لكنه في المقابل غير مهدد بالإطاحة، إلا إذا حانت لحظة الصفقة الدولية– الإقليمية الكبرى، وهذا احتمال ضئيل في المدى المنظور».

وزيرا الخارجية الإيراني والروسي.

ويعود إعطاء النظام السوري درجة «أقل ثقة» لروسيا رغم أنها أهم راعية دولية له، إلى أن الأسد يدرك أن روسيا قد تتخلى عنه بسهولة أكثر من الإيرانيين، فهي جاهزة لتلعب دور راعي المصالح الأمريكية والخليجية في المنطقة، وبذلك الأسد على قناعة أن القرارات الدولية لها اعتباراتها عند روسيا.

يقول أستاذ العلاقات الدولية، خالد العزي: «يحاول بشار أن يبقى مع الطرف الذي يُؤْمِن وجوده في الحكم ويضمن استمرارية بقائه دون تعرضه لأزمة، وهو يؤمن بأن إيران تؤمن وجوده في الحكم، بينما الحماية الروسية له مؤقتة، فروسيا تفاوض وتسلم بأي اتفاق يضمن مصلحتها»، ويوضح العزي: «من هنا أرى أنه من الصعب جدًا فصل بشار الأسد عن إيران، بدليل فشل الرئيس الروسي خلال زيارته إلى طهران في إقناع الإيرانيين بالخروج من سوريا، وهذا أيضًا انطبع على اللقاء الروسي مع الأسد، إذ تحدثت وسائل الإعلام عن اختلاف واضح في توجهات الأسد مع الروس عندما أخبرهم أن دورهم في سوريا بات دورًا تقليديًّا».