كتبه: دان دي لوس وبول ميكلاري
شرع البيت الأبيض في تنفيذ مخطط ترامب في اليمن والبدء في تصعيد الجبهة ضد المتمردين المدعومين من قبل إيران، وهي خطوة تندرج ضمن خطة أوسع للتصدي لطهران من خلال استهداف حلفائها في الدول الخليجية الفقيرة.
ووفقًا لمسؤولين مطلعين على المناقشات الدائرة عن هذا الشأن اليمني، فقد أرسلت الولايات المتحدة إحدى مدمراتها إلى الساحل اليمني لحماية سفن الشحن من المتمردين، فضلاً عن ذلك، تدرس الإدارة الأمريكية خطوات أكثر صرامة ستشمل شن هجمات دون طيار ونشر مستشارين عسكريين لتقديم التعزيز العسكري الكافي للقوات المحلية.
وفي هذا الإطار، قال أحد التابعين لفريق مستشاري ترامب، الذي أراد أن يبقى مجهول الهوية، إن الإدارة الأمريكية تطمح إلى توجيه “ضربة” قوية ضد إيران من خلال اليمن، ولعل هذا ما أكدته الخطابات العامة والمداولات الخاصة في البيت الأبيض التي تفضي إلى أنه من المرجح أن تتدخل الولايات المتحدة في اليمن بشكل مباشر لردع الحوثيين والتعاون مع كل من السعودية والإمارات.
يرى مساعدو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن اليمن قد أضحى ساحة معركة مفصلية في الحرب ضد إيران مما يستوجب القطع مع موروث الإدارة السابقة الذي يعتبرونه بمثابة الفشل الذريع في الحد من تنامي إيران المتزايد في الشرق الأوسط
وفي الحقيقة، يرى مساعدو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن اليمن قد أضحى ساحة معركة مفصلية في الحرب ضد إيران مما يستوجب القطع مع موروث الإدارة السابقة الذي يعتبرونه بمثابة الفشل الذريع في الحد من تنامي إيران المتزايد في الشرق الأوسط، لكن انتهاج الإدارة الأمريكية لمثل هذا المنهج المتشدد من شأنه أن يدفع بطهران إلى الانتقام من خلال العراق وسوريا أو حتى شن حرب مباشرة ضد واشنطن.
وفي أعقاب التصريحات الأخيرة في البيت الأبيض، أصدر مستشار الأمن القومي مايكل فلين، يوم الجمعة، بيانًا يتهم فيه المجتمع الدولي “بالتسامح المفرط مع سلوك إيران السيء”، مضيفًا أن إدارة ترامب لن تقف مكتوفة اليدين أمام الاستفزازات الإيرانية التي تهدد المصالح الأمريكية.
ووفقًا لما ورد في تصريحات مسؤول في البنتاغون لفورين بوليسي، الذي تكتم عن الإفصاح عن هويته، فإن الولايات المتحدة استجابت لأول استفزاز إيراني تمثل في الهجوم الذي شنته زوارق انتحارية حوثية على الفرقاطة السعودية، يوم الإثنين، وأمرت المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول”، في مهمة غير روتينية، بتغيير وجهتها من الخليج الفارسي نحو باب المندب، يوم الثلاثاء، وتجدر الإشارة إلى أن إحدى المدمرات الأمريكية، من نفس طراز “يو إس إس كول”، قد تعرضت لتفجير انتحاري من قبل القاعدة سنة 2000 عندما كانت ترسو في ميناء عدن اليمني، لتسفر الهجمة عن مقتل 17 بحارًا.
وبحسب نفس المصدر، فقد أوكلت إلى المدمرة الأمريكية مهمة حماية السفن التجارية وسفن الشحن المارة بالساحل اليمني متجهة نحو البحر الأحمر، وتعرضت المنطقة لهجمات بصواريخ الحوثيين التي طالت المدمرة الأمريكية في كانون الثاني/ يناير، بينما تعرضت السفن الإماراتية لضربات مباشرة.
بالإضافة إلى ذلك، فرضت الإدارة الأمريكية، يوم الجمعة، جولة جديدة من العقوبات على الشركات الإيرانية فضلاً عن توجيه جملة من التهم تدين من خلالها تجربة الصواريخ الباليستية التي أجرتها إيران مؤخرًا.
أورد أحد المستشارين في الإدارة الأمريكية فضلاً عن أعضاء جمهوريين في الكونغرس أن ردع إيران في اليمن يقتضي تكثيف الغارات الجوية دون طيار ونشر المستشارين العسكريين وإشراك مزيد من “الكوماندوز”
ومن جهتهم، أورد أحد المستشارين في الإدارة الأمريكية فضلاً عن أعضاء جمهوريين في الكونغرس أن ردع إيران في اليمن يقتضي تكثيف الغارات الجوية دون طيار ونشر المستشارين العسكريين وإشراك مزيد من “الكوماندوز”، ومن المرجح أن تشمل خطة الولايات المتحدة العسكرية في اليمن التسريع في عملية الموافقة على توجيه ضربات عسكرية ضد المتمردين، التي تطلبت مداولات رفيعة المستوى في ظل إدارة أوباما، وتكريس المزيد من الجهود لعرقلة عملية تزويد إيران للحوثيين بالأسلحة.
والجدير بالذكر أن ترامب قد تطرق خلال حملته الرئاسية إلى مسألة توخي سياسات صارمة ضد إيران، وجاء أول اختبار لذلك خلال نهاية الأسبوع، حيث أجرت إيران تجربة على صاروخ باليستي تلاه هجوم نفذه أحد القوارب التابعة للحوثيين، كما أكدت الخطوة التي أقدمت عليها إيران وجهة نظر فلين والحدس الذي كان يراوده تجاه إيران.
وفي السياق نفسه، صرح أحد المستشارين في البيت الأبيض أن فلين يريد التصدي للجهود الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولكن لا تزال هناك تساؤلات بشأن توقيت وتفاصيل التدخل الأمريكي وأهمية الدور الذي ستضطلع به واشنطن في اليمن وفي غيرها من بؤر التوتر الأخرى.
فضلاً عن ذلك، فإن الجولة الجديدة من العقوبات قد طالت أيضًا الأفراد الإيرانيين والشركات المشاركة في برنامج الصواريخ الإيراني، التي يتمركز بعضها في دولة الإمارات العربية المتحدة ولبنان والصين.
لكن ذلك لا يعني أن العقوبات التي صدرت يوم الجمعة لن تنتهك الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، إذ يمكن اعتبارها الخطوة الأولى في سلسلة من الإجراءات الحازمة التي ستتخذها وزارة الخزانة الأمريكية للضغط على إيران وتثبيط الاستثمار الأجنبي، وقد فرض الاتفاق النووي سنة 2015 جملة من القيود على البرنامج النووي لطهران مقابل رفع العقوبات الدولية عنها.
ومن جانب آخر، لعبت واشنطن بالفعل دورًا في الحرب الأهلية اليمنية، ودعّمت حملة القصف التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين على مدى العامين الماضيين، ووفّرت مئات الرحلات الجوية للتزود بالوقود وبعثات مراقبة دون طيار لتحديد الأهداف المعادية، لكن وزارة الدفاع الأمريكية قلصت من وتيرة المساعدات الاستخباراتية، خلال العام الماضي، على خلفية إدانة السعودية دوليًا بمقتل العشرات من المدنيين خلال الغارات الجوية سيئة التخطيط.
تغاضت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لفترة طويلة عن المساعدات التي كانت تقدمها إيران للمتمردين في اليمن ولم تعتبر نشاط طهران تهديدًا أمنيًا على مصالحها في المنطقة
كما تغاضت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لفترة طويلة عن المساعدات التي كانت تقدمها إيران للمتمردين في اليمن ولم تعتبر نشاط طهران تهديدًا أمنيًا على مصالحها في المنطقة، بدلاً من ذلك وضعت الإدارة السابقة استهداف القاعدة في اليمن من بين أولويات واشنطن القصوى التي وصفتها وكالات الاستخبارات بأنها من بين أكثر التهديدات خطورة داخل الشبكة الإرهابية.
وفي سلسلة من التحذيرات شديدة اللهجة إلى إيران، التي استمرت حتى يوم الجمعة، تعهد كل من ترامب وفلين، بدعم من الجمهوريين في الكونغرس، باتخاذ مواقف أكثر صرامة لمواجهة برامج الصواريخ الإيرانية ودعم طهران المستمر للحوثيين.
وخلال يوم الأربعاء، أعلن فلين، في أحد المؤتمرات الصحفية في البيت الأبيض، وضع الإدارة الأمريكية رسميًا نصب عينيها “إيران”، لكنه رفض في المقابل الإفصاح عن التدابير التي ستأخذها الإدارة بعين الاعتبار.
ومن جهته، صرح السيناتور بوب كوركر الذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، بعد لقاء جمعه بمستشار الأمن القومي مايكل فلين، يوم الجمعة، أن هناك حاجة ماسة إلى التنسيق وبذل المزيد من الجهد لتصويب السلوك الإيراني غير المشروع في اليمن والشرق الأوسط.
وعلى ضوء هذه التصريحات، يبدو أن هاجس الإدارة الأمريكية يكمن أساسًا في إمكانية مضاعفة إيران لدعم المتمردين الحوثيين في حال استمرت الحرب الأهلية في اليمن دون التوصل إلى أي حل، وبالتالي، فإن الحوثيين لن يشكلوا تهديدًا على السعودية فقط، بل على الشحن الدولي على طول الساحل، أحد أهم المعابر المائية في العالم وأكثرها اكتظاظًا.
سيكون التدخل العسكري الأمريكي القادم في اليمن محفوفًا بالمخاطر، وتجدر الإشارة إلى أن القوات البحرية الأمريكية شنت مع نظيرتها الإماراتية يوم السبت في اليمن، هجومًا هو الأول من نوعه
في هذه المرحلة الحرجة، سيكون التدخل العسكري الأمريكي القادم في اليمن محفوفًا بالمخاطر، وتجدر الإشارة إلى أن القوات البحرية الأمريكية شنت مع نظيرتها الإماراتية يوم السبت في اليمن، هجومًا هو الأول من نوعه منذ العملية البرية التي قادتها الولايات المتحدة في اليمن على تنظيم القاعدة كانون الأول/ ديسمبر سنة 2014، لكن ذلك التدخل لم يكن خاليًا من الخسائر إذ توفي أحد القادة في البحرية الأمريكية وقُتل العديد من المدنيين.
وفي هذا السياق، قال سيث جونز وهو مستشار سابق لقوات العمليات الخاصة وخبير في مكافحة الإرهاب: “الغارة قد تكون مؤشرًا على اهتمام الولايات المتحدة المتزايد بالتدخل بصورة سرية في اليمن، على الرغم من الدور الاستشاري الذي من المرجح أن تلعبه”.
كما أقر جونز بأن الولايات المتحدة لن تحظى سوى بدور محدود في اليمن لتنفيذ هجمات مباشرة أو شن غارات دون طيار، لكنه توقع في المقابل أن جل العمليات العسكرية الأمريكية ستكون بالتعاون مع القوات المحلية.
وفي الصدد نفسه، أفادت محللة في معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة كاثرين زيمرمان، أن تكثيف الضغط ضد الحوثيين قد يؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية وتأجيج نار الحرب الأهلية ودفع المتمردين إلى مزيد من الاستنجاد بطهران، وأضافت زيمرمان أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف إلى جانب الحكومة التي تعتبرها الأغلبية في الشمال اليمني غير شرعية.