مقالات

هل فكرنا يوماً في جمال العطاء؟

هيفاء صفوق

جمال العطاء


العطاء درجة عالية من الوعي الإنساني، وبخاصة حين يرافقه استمتاع، من دون الشعور بالتعب أو التمنن أو التفاخر في ذلك.

العطاء باب كبير جداً، باب يحمل جميع المعاني الإنسانية العميقة، ففيه تتجلى قدرة النفس على بلوغ أعلى مراتب الإنسانية التي تحاكي جميع المواقف والأفراد، من دون استثناء لعرق أو لون أو قرب أو بعد، تقدم العون والمساعدة لمن يحتاج إليها.

هناك أفراد جبلوا على حب العطاء، أصغرها ابتسامة تجدها تظهر على محياهم، لا يفرق بين نفسه والآخر، فلا ينتظر سبباً لكي يعطي ولا ينتظر شيئاً ما في المقابل لكي يعطي، بعضهم تعصف بهم الهموم والحاجة، لكنهم مازالوا يعطون ما يمتلكون برضاً تام، يعيشون حقيقة الوحدة والتكامل، ولا يبخلون على أنفسهم التي تقدر ما ترغب فيه وتحتاج إليه النفس من التقدير والاحترام، وهذا خير عطاء لـ«الذات» التي تحترم عقلها وروحها وجسدها، وهذا ما يغيب عن بعضنا ممن يعتقدون أن العطاء محصور في الآخرين. هي عملية متوازنة بين عطاء الذات وعطاء الآخرين، وهذا هو التوازن.

فلسفة العطاء عميقة، تظهر في أجمل الظروف وأقبحها، لا تنتظر متى وكيف، متى ما شعر الفرد برغبته في العطاء نثر ربيعه من دون سبب، بل يشاهد أفعاله حقيقة واجبة لا تدعي قيمة العطاء، تتصرف بتلقائية وحب ورغبة عميقة داخلية، ربما أقرب تشبيه لها هي الأم، التي تعطي من دون سبب ومن دون الوقوع في حكم «متى وكيف»، هي تعطي في كل الأوقات.

العطاء في جذوره الحب والاحترام والاهتمام، هو ليس فقط مالاً أو ماديات، هو سلوك وتصرف مع أنفسنا والآخرين والحياة، من يتعود أن يعطي بحب سيعرف ماذا تعني قيمة العطاء، وكأنه باب كبير انفتح على كل شيء، لا تفصل بينه والأبواب الأخرى مسافة، انفتح باب الرزق والقبول والتقبل، باب الرضا والحمد والرحمة والعدل، لأنه وصل إلى مرحلة وعي عالية جداً لا تتقيد بطقوس معينة أو بشعارات وقتية أو فئات معينة، هي تجاوزت كل ذلك، هي مجردة من كل شيء.

التوازن هو المطلب، وهنا وعي عال جداً بأن نعطي الآخرين حسن الاستماع والإنصات متى ما شعرنا بحاجتهم إلينا أو مرورهم بظروف معينة، فإن أقل ما نقدمه هو هذا الإنصات والوجود قربهم معنوياً. أحياناً لا نستطيع تغيير الظروف، لكن بالكلمة الطيبة مع صديق أو قريب تفتح لهم باب الراحة والهدوء الذي يساعدهم في تخطي هذه الأزمة والوقوف مرة اخرى بقوة، كما أنه لا بد أن نعطي أنفسنا المحبة والتقدير والاستماع إلى صوتنا الداخلي، ماذا يقول؟ وماذا يريد؟ بعضنا يتوقع أن ذلك أنانية، وهناك فرق بين الأنانية والأنا المتوازنة، فمن لا يعطي نفسه لا يستطيع أن يعطي الآخر، وإن قدم العطاء من دون نفسه أو بخل عليها فسيعتبر هذا ظلماً للذات.

العطاء ليس مقصوراً على الأهل والأقرباء والأصدقاء، بل هو مفهوم كبير وعميق يترجم في كل الحقول العملية والفكرية والاجتماعية، بدءاً من العمل بتقديمه في أحسن وجه بحب وتفانٍ وإخلاص، وكذلك تقديم المعرفة الفكرية لأنفسنا والاطلاع بكل ما يفيدنا في حياتنا الخاصة والعامة، وهذا أكبر عطاء، لأنه يفتح نوافذ من الوعي والمعرفة التي تجعلنا نفهم الحياة أكثر. فلنبدأ بأن نعطي أنفسنا الحب والتقدير والاحترام، لكي نستطيع تقديم ذلك لغيرنا أيضاً بحب وتقدير واحترام، هو التوازن في حد ذاته.