فوزي بن يونس بن حديد
قبل انتخابه رئيسا لأقوى دولة في العالم لم نكن نتوقع أنه سيفوز في الانتخابات الأمريكية، وبعد أن جرت أدركنا أننا أمام واقع جديد لا يختلف عليه اثنان، واقع مرٌّ بعد أن أعلنت أمريكا أن رئيسها الجديد هو دونالد ترامب، هذا الرجل الذي حُكيت عنه الحكايات المتنوّعة والطريفة داخل أمريكا وخارجها، بدا مختلفا عن كل الرؤساء الذين سبقوه حتى جورج بوش الابن الذي وُصف بأنه أسوأ رئيس أمريكي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية لأنه كان يتصرف بغرور وعنجهية، فماذا سيقولون عن هذا الرئيس؟
بدا في أول أيامه متعجرفا، متكبّرا، مغرورا، كلما نطق رئيس بكلمة ردّ عليه كلمات، وكلّما تلقّى ضربة أو صفعة كشّر عن أنيابه ليردّ الصاع صاعين، عندما يتحدث يتهجّم وجهه ويعبس، ويرفع يده اليمنى أو اليسرى للتعبير عن تهديد أو قرار، قال عنه الأقربون لا يقرأ شيئا من التقارير التي تأتي إلى مكتبه، وإن قرأ صفحة لا يستطيع أن يتبعها بأخرى، وإذا حضر اجتماعا مع مسؤولين، خرج منه بلا استئذان دون اعتبار لمن حضر، وهكذا كان في كل اللقاءات، ظن أنه خُلق من غير طين، قال أنا خيرٌ منهم، أنا عبقري.
لكن الأمريكيين قالوا كلمتهم في بداية الأمر، رفضوه ولكن بعد أن استخفّهم أطاعوه، وعدهم بما يمكن أن يقضي على العرب والمسلمين، وكان يردّد دائما أن تكون وجهته الخليج، يحلبه حتى يجفّ لبنه، فاتجه إلى السعودية وكانت وجهته صعبة لأن مخططه كان معلوما، تغييرٌ في السعودية لضرب إيران، وتهديدٌ كبير للعرب والمسلمين، إما أن يقبلوا القدس عاصمة أبدية للصهاينة أو تمنع عنهم أمريكا المساعدات، وتدخّل سافرٌ في الشؤون الداخلية بدعوى الحرية والكرامة.
جرّبَ سوريا والعراق، فلم ينجح، وجرّب إيران وفشل، وها هو ما زال يبحث عن طريقة للتدخل في المغرب والجزائر، نجح فقط في جعل السعودية محورا جديدا في العالمين العربي والإسلامي، لأن السعودية كانت متهمة بالإرهاب وكان ترامب قد توعّدها شرا إن هو فاز بالرئاسة، وقانون جاستا كان على الطاولة، لكن تغيّر كل شيء بعد أن عيّن الملك سلمان ابنه محمد وليّا للعهد ليزيح بذلك من كان وليّا للعهد وتبدأ آمال ترامب في التغيير من أقصى الشرق، وبدأت الأزمات الواحدة تلو الأخرى بعد أن ضعف العرب واهتزت أركانهم وضعفت جامعة الدول العربية، واستكانت منظمة التعاون الإسلامي فلم يعد لها صوت مؤثر لأن يدها اليمنى قد قطعت.
هكذا بدا ترامب في مواجهة العرب والمسلمين، تحدّى كل قرار، وانسحب من المنظّمات، ومنع المساعدات، واتهم الدول الإسلامية بالإرهاب رغم أنها تحارب الإرهاب، وافتعل المشكلات، وأعلى صوتَ الصهاينة، واغترّ بقوته أمام الملأ، فإذا بضربة قاضية تأتيه من الداخل ومن أشدّ الناس قربا له إنه ستيف بانون الذي كتب كتابا عن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب وشكّ في قواه العقلية وهو يقود أقوى دولة في العالم.
هكذا الحقيقة إذا أُريد لها أن تظهر للملأ، فمن رأى مقاطع الفيديو للرئيس الأمريكي وهو مخمور يترنّح ويتصرّف كالأطفال أو يهشّ بعصاه على كل ما كان في مكتبه، أو ينطق بكلمات بذيئة في حق من يريد، قال الرئيس الكوري الشمالي لدي زرّ نووي في مكتبي، ردّ عليه المغبون بأن له زرا أكبر، يا للحمق، يريد أن يلغي اتفاقا ساهمت فيه أطراف دولية لها وزنها، ومصرّ على ذلك دون مواربة ولا مجاملة، جرأة ووقاحة، واعتداء سافرٌ على جميع دول العالم إضافة إلى مغامراته الجنسية المتعددة وتاريخه الفاسد الطويل.
غريبٌ هذا الرئيس وكل رئيس جمهوري أتى البيت الأبيض، لكن هذا الرئيس أثبت فعلا أنه مجنونٌ بامتياز من السنة الأولى في رئاسته، فهل يخضع فعلا إلى اختبارٍ على قواه العقلية؟ وهل سينتفض الأمريكيون فعلا لإقالته؟ لأنه فعلا لا يستطيع أن يواصل ما بدأ، إلا إذا كان قد لبس قناعا، أو استقام على الطريق المستقيم.