مقالات

هل يكون بحر الصين الجنوبي فاتحة عصر جديد؟ وأين العرب من هكذا مواجهة؟

د. نبيل نايلي
“ستواصل الصين اتخاذ الإجراءات الضرورية للدفاع عن سياتها وأمنها وكذلك لحماية السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، سنواصل اتخاذ الإجراءات الضرورية للدفاع عن سيادتنا وأمننا، وكذلك لحماية السلام والاستقرار في هذه المنطقة”. المتحدّثة باسم الخارجية الصينية هوا تشونينغ.
أبحرت المدمّرة الأمريكية يو آ س آس ماستين، USS Mustin، على بعد 12 ميلاً بحرياً من جزيرة ميستشيف ريف، Mischief Reef، في جزر سبراتلي، the Spratly Islands، وذلك بذريعة ـ”حرية الملاحة”،حسب الرواية الأمريكية.
والإبحار داخل نطاق 12 ميلاً بحرياً يهدف إلى إثبات أن الولايات المتحدة لا تعترف بمطالب السيادة هناك، كما يهدف إلى “تحدي المطالب البحرية المفرطة، حفاظا على الحقوق والحريات في استخدام البحار والأجواء، التي منحها القانون الدولي لجميع الدول”، نقلا عن دبلوماسي أمريكي.
الصين اعتبرت ذلك “أعمالا استفزازية” و”انتهاكا للسيادة” و”خطرا” على أمنها، القومي وطالبت بوقف فوري لذلك. كما دعت “إلى احترام جهود بلدان المنطقة الهادفة للحفاظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي”.
وشدّدت الدبلوماسية الصينية على أنّ “الوضع في هذا البحر لا يزال يتحسّن بفضل الجهود التي تبذلها هي وبلدان آسيان، موضحة أنّ “الولايات المتحدة هي من تخلق عمدا تّوترا في هذا البحر وتقوّض السلام والاستقرار في المنطقة “.
وأفادت وزارة الدفاع الصينية أن المدمّرة الأمريكية دخلت “بدون إذن مياه البحر بالقرب من الجزر الصينية في بحر الصين الجنوبي”. وحذّرت “السفن الحربية الصينية المدمّرة الأمريكية وأمرتها بـــ”ضرورة مغادرة المنطقة”.
هذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها بحر الصين الجنوبي استعراضا للعضلات الأمريكية فقد سبق للمدمّرة ستيثم، Stathem العبور بالقرب من جزيرة ترايتون، الجزء من الأرخبيل المتنازع عليه. يومها تحجّج أيضا الطرف الأمريكي، بالذريعة إيّاها: “حرية الملاحة”!
بفعلها ذلك وإصرارها عليه لا تنتهك الولايات المتحدة التشريعات الوطنية الصينية، فحسب، بل والقانون الدولي ويُعتبر ذلك استفزازا عسكريا وسياسيا.
دعكم من تصريحات المتحدث باسم أسطول الولايات المتحدة في المحيط الهادئ المشدّدة على أنّ “العمليات البحرية الأمريكية لا تنوي إلا “ضمان حرية الملاحة ولا تحمل أي رسائل سياسية وغير موجّهة ضد دولة ما”، فذلك رمي الرماد في العيون والصينيون لم يبلعوا الطعم ولا صدّقوه!
من وجب فعلا تصديقه هو وزير الدفاع الأمريكي الأسبق أشتون كارتر القائل منذ 2015: “كنّا نحلّق فوق بحر الصين الجنوبي لسنوات وسنوات، وسنستمرّ بذلك؛ سنحلّق ونتنقل وننفذ عمليات، وهذه ليست حقائق جديدة”. وستستثمر واشنطن في أبسط نزاع يعني هذا الجزر.
ولعلّ ذلك ما حدا بصحيفة غلوبال تايمز، Global Time، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني إلى الرد في افتتاحيتها: “يجب على الصين الاستعداد بحذر لاحتمال نشوب صراع مع الولايات المتحدة إذا كان الخطّ الأساسي للولايات المتحدة هو ضرورة وقف الصين أنشطتها، فحينئذ سيكون نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين في بحر الصين الجنوبي أمرا حتميا. قوة الصراع ستكون أكثر ممّا يعتبره الناس احتكاكا”.
الدرس الأمريكي استوعبته الصين فقد التقطت الأقمار الاصطناعية الأمريكية مؤخرا صورا تظهر نشاطا للصين في بناء جزر صناعية وتقوم بشكل مكثّف بردم جروف مرجانية وتحوّلها إلى موانئ أخرى بينها مدرج هبوط للطيران يجري بناؤه.
إذا كان باراك أوباما منّي النفس ب”صعود سلمي” للصين وأمل في قيام “علاقة تعاونية قوية” بين الشعبين في إطار “نموذج جديد للتعاون” مع بكين، رغم ملفات و”مجالات التوتّر” العالقة، فإنّ نظيره الصيني، شي جين بينغ، ذهب أبعد ليعلن رغبة صينية ملحّة في صياغة “نموذج جديد في العلاقات بين البلدين الكبيرين”. نموذج جديد، يختزل ملامحه شعار ابتدعه الرئيس شي جينبينغ نفسه هو: الحلم الصيني في موازاة أو تضادد مع الحلم الأمريكي! أما عن الحلم الصيني فخير من يفكّك تفاسيره، العقيد المتقاعد، ليو مينغفو، Liu Mingfu، صاحب كتاب يحمل عنوانا، عميق الدلالات، هو: “الحلم الصيني: تفكير القوى العظمى والتموضع الإستراتيجي في حقبة أفول القوة الأمريكية، The China Dream: Great Power Thinking and Strategic Posture in the Post-America Era.”، والذي أعرب فيه عن الرغبة في تحويل الصين إلى “القوة المهيمنة في العالم”. ليو مينغفو يقول بوضوح: “منذ القرن التاسع عشر كبت الصين على المسرح الدولي، ولكن الرئيس شي يحلم ببناء أمة قوية وجيش جبّار.” فهل يتعايش حلمان؟ أم أنّ ما يجري سيكون فاتحة عصر جديد ينبثق فيه صراع حربي في الفضاء؟
القفزة النوعية التي تشهدها الصين، التي تحاول تعويض خلل موازين القوى العسكرية بما يقلّص أو يردم الهوة بينها والولايات المتحدة، لا تأتي من فراغ. فقد سعت في السنوات الأخيرة إلى الإسراع بتحديث جيشها وترسانتها وأسطولها، بكل الأشكال بما في ذلك القرصنة والسطو السيبيري، الذي طال مفخرة الصناعة والتقانة العسكرية الأمريكية، ما جعل أحد المسؤولين العسكريين الذي رفض الكشف عن إسمه يعلّق يومها للواشنطن بوست قائلا: “هذا الاختراق يعني توفير ملايين من الدولارات كانت ستصرفها الصين لتأمين تفوّقا وأفضلية عسكرية في حال نشوب حرب…لقد وفّر الصينيون على أنفسهم جهد ووقت 25 سنة من البحث والتطوير! إنها معضلة كبرى! ” الصين التي أدركت، كما يقول الخبير الأمريكي في شؤون البرنامج العسكري الصيني لاري ورتزل، Larry Wortzel، أن تفوّق أمريكا في مجال الاتصالات والاستخبارات والمراقبة يعتمد على ما تملكه في الفضاء، ما أقنع مخططيها الاستراتيجيين بأن قوة أمريكا يمكن أن تصبح نقطة ضعفها، فضاعفت في موازنات دفاعها المخصّصة لبرامجها العسكرية، ما سرّع بشكل مطّرد وتيرة تعزيز قدرات جيشها ومكّن مصانعها العسكرية من إجراء اختبارات بنسق محموم من 2007 إلى 2010 ف2013 لتتمكّن في 2014 من إنجاز ما عجزت عنه بقية الأمم، بشهادة رجالات البنتاغون أنفسهم، الذين اكتفوا بالإقرار “لدينا علم بالتجارب التي تجريها الصين على مركبات تفوق سرعتها سرعة الصوت، لكنّنا لا نستطيع التعليق على ذلك الآن”!
وسط أجواء الاحتقان والتوتر المتصاعد بين الصين و”حلفاء” الولايات المتحدة في المحيط الآسيوي، بسبب إنعطافة أمريكا واستحقاقات استراتيجيات قرنها الباسيفيكي من جهة، والخلافات والنزاعات الحدودية والسيادية الدائرة بين الصين وجيرانها، لا سيما اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام، من جهة أخرى، فضلا عن أعمال القرصنة الإلكترونية المتبادلة بين واشنطن وبكين، يبدو أن فتح الطريق نحو مزيد من عَسْكرة الفضاء، كما سباق برنامج “الأسلحة المتقدّمة فائقة السرعة، Advanced Hypersonic Weapons Program، التصعيدي، قد يعصف بما يسمّيه بعض الخبراء الإستراتجيين ودبابات الفكر، think-tanks، ب”الحذر الإستراتيجي المتبادل، Mutual Strategic Suspicion “، القائم حاليا، ويُعجّل بمُواجهة مُؤجّلة!
الولايات المتحدة ستواصل سياستها الاستفزازية ضد الصين وسوف تنوّع أساليبها لزيادة الضغط على الصين لتجعلها في حالة توتّر دائم، وتبقيها في حالة توجّس من اندلاع حرب فعلية.. حالة لا-حرب ولا-سلم أو الوضعية المثلى التي تحبّذها.
يختزل جاف بادر، Jeff Bader، أحد مستشاري أوباما للأمن القومي، أحد مستشاري أوباما للأمن القومي، مستقبل العلاقة الصينية كأبلغ ما يكون بتصريحه: ”بين قوة قائمة وقوة صاعدة نادرا ما تنتهي العلاقات بشكل ودّي! “ في الانتظار هل تكتفي القوتان بعلاقة ”الصداقة اللّدودة“ أو ما يسمّيه الأمريكيون:” Frenemy “، في دمج بين متناقضين، نصف صديق نصف عدو؟ الصينيون لا شكّ يتمثّلون حكمة منظّرهم الإستراتيجي العسكري الأشهر، سون تزو”:أخضع عدوك دون قتال… كل الحروب تقوم على الخداع “ !
هل هو قدر العرب المحتوم ألاّ يستفيدوا من المعادلات ومن التسوناميات الجيوستراتيجية إقليميا وعالميا التي تتيحها مواجهة مؤجّلة، ليراهنوا على أنفسهم لتشكيل مجرّد ملامح نظام عربي حقيقي، لا يرتهن لا لأمريكا ولا للصين ولا لأي قوة راهنة أو كامنة أو صاعدة؟