هل يمكن أن يشهد الشرق الأوسط تحالفًا سعوديًا إسرائيليًا؟

1

روسيو فاسكيز

لا أحد يجرؤ على القول إن إمكانية تبلور تحالف سعودي إسرائيلي علني تعد جزءا من التحول الدبلوماسي والعسكري الذي من شأنه أن يهز منطقة الشرق الأوسط. ومن المرجح أن يكون هذا التحالف المحتمل بمثابة نهج تحركه نزعة التنافس الإقليمي بين السنة والشيعة في المنطقة، في ظل تزايد التحركات السياسية والعسكرية، ولعل ذلك أكثر ما يثير مخاوف الرياض.

في حركة سياسية دبلوماسية لم يسبق لها مثيل، تحاول السعودية التقرب من”إسرائيل”من خلال إرسال بعض الإشارات والتلميحات التي تخفي في طياتها بوادر التعاطف تجاه”إسرائيل”فيما يخص المحرقة اليهودية التي حدثت في ظل حكم هتلر النازي. وفي هذا الإطار، تقدم الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي والمتحدث باسم النظام السعودي، الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، برسالة إلى مديرة المتحف التذكاري للهولوكوست في الولايات المتحدة الأمريكية، سارة بلومفيلد، أكد فيها أن حكومة بلاده قد استنكرت كل المحاولات الرامية إلى إنكار جريمة الهولوكوست أو التقليل من شأنها.

بناء على ذلك، من الضروري إدراج هذ المسألة ضمن برنامج إعادة تقييم السياسة الأمريكية في المنطقة، التي شهدت عدة تقلبات بسبب مبادرات إدارة ترامب. ففي الرياض، يبدو أن ولي العهد الشاب، محمد بن سلمان، قد خرق قواعد النظام القديم، الذي كرسته عائلة آل سعود واتفقت عليه لاسيما من حيث معايير التوازن الداخلي. وقد أصبح ذلك واضحا تماما من خلال إقدامه على الخوض في مختلف المسائل السياسية والاجتماعية الشائكة، على رأسها تأييده لمسألة إدراج”إسرائيل”في السيناريو الإقليمي العدائي الحالي.

في إطار رسالة موجهة إلى واشنطن، أكدت السعودية سماحها للطائرات التي تنطلق من آسيا الشرقية إلى”إسرائيل”بالمرور عبر المجال الجوي السعودي ومن المتوقع أن تخصص لفائدتها حوالي ألفي كيلومتر من طرقاتها.

تعد مسألة تغيير التحالفات أمرا شائعا ومتكررا جدا، لكن لا يمكن لأحد أن يتوقع نشأة تحالف بين السعودية و”إسرائيل” خلال الفترة الأخيرة

إلى جانب ذلك، يبدو أن سياسة التقرب من “إسرائيل” تعد جزءا من محاولة تصدي السعودية للتحول الدبلوماسي والعسكري الذي يهدد استقرار منطقة الشرق الأوسط، حيث شهدت الحركات السياسية العسكرية الشيعية أوجها بفضل المكاسب التي حققتها وتغلغل جذورها في العراق وسوريا ولبنان. وما يزيد من مخاوف الرياض القوة الإضافية التي اكتسبها حزب الله الشيعي على الساحة السياسية اللبنانية، فضلا عن غياب أي بوادر للانتصار ضد الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية، رغم دعم الإماراتي للقوات السعودية.

في الواقع، من الجلي أن المشكلة الحقيقية والمركزية بالنسبة للسعودية تكمن في صعود إيران الشيعية. كما يبدو أن “تلميحات” المملكة العربية السعودية نحو”إسرائيل” قد بدأت منذ منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، تزامنا مع المقابلة التي أجراها موقع إيلاف السعودي مع رئيس هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، الجنرال غادي أيزنكوت، الذي تأسس في لندن من قبل بعض الليبراليين السعوديين. ولعل الدافع الأساسي لهذه الحركة يكمن في الخصم المشترك لكلا الجانبين، وهي إيران الشيعية.

عموما، تعد مسألة تغيير التحالفات أمرا شائعا ومتكررا جدا، لكن لا يمكن لأحد أن يتوقع نشأة تحالف بين السعودية وإسرائيل خلال الفترة الأخيرة. فمنذ إنشاء الدولة الصهيونية سنة 1948، انضمت المملكة الوهابية دون تردد إلى القضية العربية بعد أن أدركت أن بريطانيا أصبحت من الماضي وأن الولايات المتحدة هي المستقبل. وبتاريخ 14 شباط/ فبراير من سنة 1945، عقد الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت اجتماعا على متن سفينة يو إس إس كوينسي كروز، التي وضعت بنجاح أسس تحالف قوي بين الطرفين.

واشنطن تحل محل لندن

أدى الإعلان الرسمي والقانوني عن إنشاء “إسرائيل” بعد تقسيم فلسطين إلى اندلاع أولى الحروب الثلاث لهذه الدولة الجديدة مع العرب. وفي الواقع، لم تكن هذه الحرب طويلة الأمد ولم يشارك في هذا النزاع سوى الجيران الأردنيون والجماعات غير النظامية من المواطنين المتطوعين والقوميين. وفي وقت لاحق، تمكنت لندن من الحفاظ على سيطرتها العملية على قناة السويس، والمواقع العسكرية والبحرية في المحيط الهندي (اليمن والبحرين).

لطالما كانت الحركة الفلسطينية رهينة بعض الحكومات العربية والاحتياجات الدبلوماسية والاقتصادية والعلاقات مع واشنطن

في الأثناء، مع تطبيق برنامج إستراتيجية شرق السويس الجديدة، انسحبت لندن ومنحت القيادة الإقليمية لواشنطن، التي أصبحت تمثل قوة بحرية جديدة. وعلى هذا النحو، أصبحت العلاقات الثنائية الأمريكية السعودية رسمية علنية وعميقة.

وتجدر الإشارة إلى أن نية التقرب من واشنطن لم تكن أبدا بدافع تحويل النظام إلى ديمقراطية برلمانية على النمط الغربي، وإنما كان التعاون بين الطرفين بمثابة تعاون بين شريكين براغماتيين يتبادلان أمن الطاقة والحميمية السياسية والعسكرية.

في المقابل، لم تدخل هذه العلاقة مرحلة الاختبار، فعندما أعلن مقاتلون يهوديون عن ولادة دولة “إسرائيل” في شهر أيار/مايو من سنة 1948، أعلنت المملكة السعودية دون تردد عن مقاطعة “إسرائيل” ودعمها للمقاومة الفلسطينية، على الرغم من المشاركة المحدودة للسعودية في هذه العملية لأسباب جغرافية، نظرا لأن المملكة الوهابية تضم الأماكن المقدسة الخاصة بالإسلام، في مكة والمدينة المنورة.

لطالما كانت الحركة الفلسطينية رهينة بعض الحكومات العربية والاحتياجات الدبلوماسية والاقتصادية والعلاقات مع واشنطن. ففي سنة 1973، لم تحظ “إسرائيل” سوى باعتراف مصر والأردن (من أعضاء الجامعة العربية) وكلاهما يعيشان تحت ضغط أمريكي قوي، خاصة بعد تلقي مساعدات اقتصادية سخية. أما بقية الدول، فقد حافظت على سلوكها التقليدي بفروق بسيطة، رغم تخلي بعض الحكومات عن الخطاب المسلح منذ سنوات.

أعادت المملكة العربية السعودية النظر في علاقتها بـ”إسرائيل”، الكيان الصهيوني القديم وغير المرغوب فيه

في ظل السياسات الشعبية للمجتمعات العربية، يعد القرار السعودي غير المسبوق للتعاطي مع مسألة تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” بمثابة هزة أرضية لها تفسيراتها، فقد تغير السيناريو الإقليمي مع ظهور إيران المسلمة الشيعية على ساحة الحرب الأهلية في سوريا.

من هذا المنطلق، من الواضح أن التاريخ قد كرر نفسه، لأن التنافس العربي الفارسي قديم جدا، كما هو الشأن بالنسبة لطبيعة العلاقات الجيوسياسية الإقليمية. كما أن الوضع المشترك للممثلين الدينيين المسلمين لم يمنع احتدام هذه المنافسة وإنما جعلها جلية للعلن خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار الانقسام بين السنة، الذين يشكلون أغلبية سكان الدول العربية، والشيعة في ايران وحلفائها الإقليميين، مثل حزب الله والحوثيين في اليمن. كما لا يجب أن ننسى أن الطائفة الشيعية في السعودية تتراوح نسبتها بين بين 12 و15 بالمائة من إجمالي السكان.

في خضم هذا الوضع التراجيدي وغير المتوقع نسبيا، الذي يعد نتيجة مباشرة وغير مرغوب فيها للمأساة السورية، أعادت المملكة العربية السعودية النظر في علاقتها بإسرائيل، الكيان الصهيوني القديم وغير المرغوب فيه. وحيال هذا الشأن، تصدق قولة دون كيشوت، “صديقي سانتشو سنرى ما سيكون مآلك”.

التعليقات معطلة.