الياس حرفوش
لم تكن التسوية الرئاسية التي يتم الحديث عن إعادة إحيائها في لبنان، تسوية متوازنة منذ البداية. وبالتالي، كان لا بد أن تصل، عاجلاً أم آجلاً، علاقة الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري وما يمثلان، إلى المأزق الذي وصلت إليه، والذي انتهى باستقالة الحريري وما تبعها من زلزال عصف بالبلد. لقد كان لدى طرفي هذه التسوية التي اختار الحريري «ربط النزاع» عنواناً لها، مفهومان مختلفان لما تقتضيه شروطها والنتائج التي ستترتب عليها.
كان هناك مفهوم الرئيس سعد الحريري والفريق المتحالف معه، والذي اعتبر أن هذه التسوية تضحية كان لا بد منها لإنقاذ لبنان وإعادة الحركة إلى مؤسساته المشلولة، بعد مرحلة الفراغ التي دامت عامين ونصف العام، وتخليص وضعه الاقتصادي من الانهيار الذي كان يهدّده. عنوان التضحية الأبرز كان الموافقة على مجيء رئيس للجمهورية من صف «حزب الله» ومن الذين يرضى الحزب عنهم. ومع أن الحريري ذهب أولاً إلى خيار سليمان فرنجيه الذي كان مغامرة عند الإعلان عنه، نظراً إلى العلاقة الوثيقة التي تربط فرنجيه بالرئيس السوري، فقد رفض «حزب الله» هذا الخيار وبقي مصراً على انتخاب ميشال عون ولا أحد سواه.
وعلى عكس التضحية التي شعر الحريري وفريقه أن هناك حاجة إلى الإقدام عليها بهدف إنقاذ الوضع السياسي والاقتصادي المنهار، اعتبر عون والفريق المتحالف معه، أنه غير محتاج إلى تقديم أي تنازلات، فقد استنتج أن التسوية هي انتصار لمشروعه الداخلي والإقليمي، وأن الحريري وفريقه كانا بحاجة إليها لترتيب أوضاعهما، وبالتالي راح الحزب يروّج، في تصريحات قادته وفي وسائله الإعلامية، أن قبول الفريق الآخر بها ليس سوى استسلام وعجز عن مواجهة «حزب الله». ونجح هذا الحزب فعلاً في فرض مرشحه الوحيد للرئاسة على الجميع، بعد أن عطّل عملية الانتخاب عامين ونصف العام، بالتحالف مع «تيار» عون، بصورة مخالفة بوضوح للنص الدستوري الذي يلزم النواب الحضور إلى المجلس النيابي للمشاركة في عملية الانتخاب، عندما يشغر منصب رئيس الجمهورية.
كان ضرورياً وبديهياً أن يشكك الحريري وفريقه، من الذين وافقوا على انتخاب عون، في حقيقة نيات «حزب الله». فهذا الحزب الذي لا يقدم خدمات مجانية لأحد، كان لا بد أن ينتظر ثمناً مقابل إصراره على وصول عون إلى كرسي الرئاسة. وهكذا وفر هذا الانتخاب غطاء للحزب نجح من خلاله في كسب الهيمنة على أرفع موقع في الدولة اللبنانية، بحيث يستطيع تحقيق نجاحات سياسية ودبلوماسية من غير أن يبدو أنه طرف مباشر في المعارك، وهو ما ظهر بوضوح من خلال الدور الذي لعبه عون ووزير الخارجية جبران باسيل في الأزمة الأخيرة، بتماهيهما الكامل مع موقف «حزب الله» في الحملة التي شنها على السعودية.
اختار الحريري، بموافقته على انتخاب ميشال عون، الرهان على مصلحة لبنان، كما قال بعيون دامعة في حديثه التلفزيوني الأخير، معتقداً أن «حزب الله» وعون سيلاقيانه في منتصف الطريق، و «سيعود الحزب إلى لبنان»، كما دعاه الحريري في أكثر من مناسبة. لكن الحزب ظل يشعر ويتصرف على أساس أن ما اعتبره «تنازلاً» في الداخل، من خلال القبول بالحريري رئيساً للحكومة، والموافقة على الجلوس إلى جانب «القوات اللبنانية» إلى طاولة واحدة في مجلس الوزراء، هو تنازل كاف، يسمح له بمتابعة الأدوار التي يلعبها في الخارج، من دون أي اعتبار لمصلحة لبنان والتبعات المكلفة لهذه الأدوار على علاقاته ومصالحه العربية، ومن غير اعتبار أيضاً للحرج البالغ الذي تشكله سياسات الحزب لسعد الحريري شخصياً، نظراً لما ومن يمثل داخلياً وخارجياً.
من هنا، كان المأزق الذي وصلت إليه التسوية التي اعتبر أطرافها أنها كافية لإنقاذ البلد. ولهذا يرى كثيرون من المراقبين للشأن اللبناني أن إحياء هذه التسوية على الأسس ذاتها سيواجه المصير نفسه، سواء كان سعد الحريري أو أي شخص آخر على رأس الحكومة. إلا إذا كان البديل الذي قد يختاره «حزب الله» هو حكومة مواجهة يفرض هو رئيسها، كما فرض رئيس الجمهورية، وعندها يكون الحديث عن إنقاذ البلد قد أصبح في مهب الريح.