حسن العطار
في شهر يونيو من عام 2009م، اندلعت مظاهرات الاحتجاجات في طهران والمدن الإيرانية متهمة السلطات بتزوير نتائج الانتخابات لإنجاح الرئيس السابق “محمود أحمدي نجاد” المقرب وقتها من المرشد الأعلى، ولجأت السلطة وقتها إلى حجة شعبوية كانت تلقى قبولا لدى الأغلبية في إيران نتيجة حملات التعبئة المستمرة، وهي اتهام من وقفوا وراء الاحتجاجات بأنهم عملاء للقوى الغربية المعادية للثورة والجمهورية الاسلامية في إيران. كان قادة تلك الاحتجاجات من الطبقة السياسية وهم “مير حسين موسوي” ومهدي كروبي””ومحمد خاتمي” مدعومين من المرحوم “هاشمي رفسنجاني”. كما كان أكثر المشاركين من الطبقة الوسطى ذات التعليم العالي.
أما الاحتجاجات التي حدثت مؤخرا، فكانت تتويجا لعامين من الغضب الشعبي بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية والتي تزداد سوءا يوما بعد يوم، رغم الوعود المتكررة بالتحسن نتيجة الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، وتوقعات رفع العقوبات عن إيران.وقد أصبح من الصعب على السلطات السياسية والأمنية اتهام المحتجين بأنهم “نشطاء موالون للغرب”، لأن اغلبهم مواطنون إيرانيون عاديون من الطبقة الفقيرة غير القادرة على مواجهة تكاليف المعيشة، بينما يرون مليارات الدولارات من ثرواتهم الوطنية تنفقها حكومتهم من أجل تحقيق نفوذ سياسي وعسكري خارجي في بعض دول المنطقة العربية.
الإحصاءات الحالية حسبما اكد المركز الاحصائي الإيراني تشير الى ان معدلات البطالة بلغت خلال العام المالي الحالي 12.4% بزيادة 1.4% عن العام السابق، وارتفع معدل التضخم الى 8% وبلغ عدد المواطنين الفقراء وما تحت خط الفقر حوالي 30 مليون شخص (أي 37.5% من عدد السكان)، إضافة الى الفسادالمستشري وسوء الإدارة، وكلها أمور كان “روحاني” قد حذر بنفسه من مخاطرها قبل اندلاع الاحتجاجات بفترة طويلة.
تفاوتت ردود الأفعال الدولية والإقليمية حول هذه الأحداث، فالاتحاد الاوروبي تعامل بحذر شديد خشية ان يؤدي فلتان الأمور إلى مزيد من الحروب في المنطقة، بينما كان الموقف الأميركي أكثر وضوحًا بضرورة دعم الاحتجاجات، فقد أعلن الرئيس الأميركي “دونالد ترمب” أنه سيقدم دعما قويا لها دون ان يحدد طبيعة هذا الدعم او يفصح عما يريده مما أطلق عليه مصطلح “الربيع الإيراني”، كمارفَض “ترمب” نصيحة وسائل إعلام أميركية بأن أفضل دعم يمكن أن يقدمه للاحتجاجات في إيران يكون عبر الصمت.
أما الدول العربية الغارقة معظمها في مشكلاتها الداخلية والخارجية، فبعض هذه الدول التي تتهم إيران بالتدخل في شؤونها تبدو مرتاحة ومتفائلة من تلك الاحتجاجات، ولكنها في الوقت نفسهقلقة، فحكومات هذه الدول ليست مكترثة بإحلال الديموقراطية في إيران ولا تحسين الوضع الاقتصادي ورفاهية الشعب، بقدر ما يهمها ان توقف إيران تدخلها في شؤونها. لذلك فهي غير متشجعة لفكرة إسقاط النظام ولا ترى لها مصلحة مباشرة في ذلك، بقدر ما يهمها سلوك إيران الخارجي واستراتيجيتها الاقليمية، والتوقف عن مشاريعها العدوانية والتوسعية، وهي تدرك كذلك ان المنطقة لا تحتمل مزيدا من الفوضى والدمار، وانه يجب استثمار هذهالاحتجاجات في تحويل خيارات إيران الخارجية والتفاتها الى الداخل الإيراني.
وقد حمّل الرئيس الإيراني “الشيخ حسن روحاني” التيار المتشدد الذي وصفه بأنه يريد فرض رؤيته على جيل الشباب مسؤولية اندلاع المظاهرات الاحتجاجية في تصريحات فسرت على أنها تأتي في إطار محاولته ركوب موجة الاحتجاجات بهدف تعزيز مكانته لدى “المرشد”، ليمكنه من تنفيذ بعض وعوده الانتخابية. وفي كلمة للرئيس “روحاني” خلال الاجتماع الوزاري يوم الاثنين الماضي بثت عبر التلفزيون الإيراني، قال: “إن أسباب اندلاع الأحداث الأخيرة تكمن في ابتعاد المسؤولين عن الجيل الشاب ومحاولة فرضهم نمط حياة الأجيال السابقة على الاجيال الحالية، مشيرا إلى أن مشاكلالبطالة والفقر والفساد لا تحل بالشعارات، وعلى الجميع العمل بشفافية ليتمكن الناس من الحكم عليهم”. هذا الجيل لا يعرف شيئا عن عهد الشاه ولا يهمه ان يعرف. هذا الجيل يرغب في ان يعيش حياة كريمة (حرية وعدالة وكرامة) كالتي تعيشها الشعوب في الدول الديمقراطية الحقيقية.
لقد سارعت الأجهزة الأمنية الى شن حملة اعتقالات واسعة بلغت حسب التقديرات الأخيرة قرابة اربعة آلاف شخص، فيما لم تعلن السلطات الرسمية عن عددهم الحقيقي حيث اكتفى المسؤولون بالإشارة الى سقوط 22 قتيلا خلال تلك الاحتجاجات. وقال “حميد شهرياري” مساعد رئيس السلطة القضائية إنه تم التعرف على كل قادة حركة الاحتجاجات واعتقالهم وإنهم سيعاقبون عقابا شديدا وربما يواجهون عقوبة الإعدام.
مما لا شك فيه، يدرك النظام أن الإفراط في استخدام القوة للتعامل مع المحتجين يمكن أن ينتج عنه تداعيات عكسية، وقد يساهم في تطور المسألة إلى أزمة حقيقية تمس شرعية حكمه، على غرار ما حدث في أزمة عام 2009م، عندما كانت “الحركة الخضراء” أول من رفع شعار “الموت للدكتاتور”، في إشارة واضحة إلى المرشد الأعلى للجمهورية.
المشكلة الكبرى التي تواجه نظام الحكم في إيران، تكمن في أنه لم ينجح حتى الآن في حل ما تبقى من تداعيات الأزمة السياسية التي اندلعت عام 2009م، بدليل عدم قدرته على حسم ملف الإقامة الجبرية المفروضة على قائدي الحركة الخضراء “مير حسين موسوي” “ومهدي كروبي”، وإصراره على ضرورة تقدمهما باعتذار عما اقترفاه قبل أن يبت في مصيريهما، بل وتهديد بعض المتشددين من أقطاب تيار المحافظين بإخضاعهما لمحاكمة وإصدار حكم بالإعدام ضدهما لقيادتهما ما يطلقون عليه “تيار الفتنة” في إيران.
في الدول الديمقراطية لا تطلب الحكومات من مؤيديها الخروج في مظاهرات مضادة للمتظاهرين المناوئين لها او التي تنتقدها، لأن هذا السلوك غير أخلاقي ويخلق الفرقة والبغضاء بين أبناء الشعب الواحد. أما موضوع التحريض الخارجي، فهذه الأسطوانة المشروخة لا نسمعها إلا من الحكومات الديكتاتورية المتسلطة على رقاب شعوبها في دول العالم الثالث المنكوب بكل الموبقات.