1

أول اختبار أمام حكومة السوداني.. شفق نيوز تفتح ملف “فساد مسرطن” في العراق

شفق نيوز/ حتى الآن، ما زالت قضية “سماد الداب” يكتنفها الغموض بالرغم من التسريبات والبيانات والتوضيحات الصادرة من هنا وهناك، ما يعني أن صحة وسلامة ملايين العراقيين على المحك، بانتظار أن يتحرك وزير الزراعة الجديد عباس العلياوي، او رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، من أجل حسم الموقف والكشف عما اذا كان العراق أمام قنبلة فضائحية جديدة من الفساد والتي بدأت ترد اسماء دول عدة فيها، من دون ان تكون جازمة، وهي روسيا والمغرب وتركيا.

ومن غير الواضح لماذا يمكن لهذا الملف الخطير ان ينتظر استقرار ادارة شؤون الحكومة الوليدة، فيما هو يمكن أن يمس حياة المواطنين في عدة محافظات عراقية يعتقد ان السماد المشتبه بأنه يسبب السرطان دخل اليها؟ وما الذي يحول ان تحرك الوزارات المعنية، وحتى رئاسة الحكومة لوضع اليد فورا وبلا أي تأجيل، على هذا الملف أسوة مثلا باهتمامها ب”فضيحة الضرائب” الشهيرة.

وكالة شفق نيوز تحركت لتقصي الحقيقة حول هذه القضية المتفاعلة خشية ان تكون هناك محاولات للفلفتها من قبل المتنفذين المستفيدين من الفساد المتفشي، على الرغم من ان لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية، اكدت خطورة ملف سماد الداب.

ومعلوم ان سماد الداب (DAP) هو اختصار لفوسفات ثنائي الأمونيوم، ويعتبر من أكثر الأسمدة الزراعية استخداماً لدى فلاحي العالم، بسبب محتواه الغذائي المرتفع وخصائصه المميزة، ويمثل هذا النوع من السماد مصدرا مهماً للفسفور المركز، وشاعت نوعية الداب بين أوساط المزارعين منتصف القرن الماضي.

وكان وزير الصناعة والمعادن السابق منهـل عزيـز الخباز افتتح في 24 تموز/يوليو الماضي، مصنع سماد الداب في الشركة العامة لصناعة الأسمدة الجنوبية في محافظة البصرة، وهو الأول من نوعه في العراق والذي تمَّ إنشاؤه بالمُشاركة مع شركة “تربل أي” البريطانية.

رئيس لجنة الزراعة والمياه والاهوار النيابية في البرلمان العراقي ثائر مخيف يقول لوكالة شفق نيوز، إن “اللجنة لا تعلم بمصدر قدوم هذه المواد والكيفية التي دخلت بها للعراق، حيث ان الحقيقة الوحيدة التي تملكها اللجنة الآن، هي ان مدير عام مركز الاشعاع بوزارة البيئة، أحضر معه كتاباً أثناء جلسات الاستجواب بلجنة الزراعة والمياه والاهوار النيابية، وكان هذا الكتاب معنوناً لوزارة الزراعة يؤكد فيه أن هذه المادة أثناء فحصها في الحدود تبين انها تحتوي على إشعاع عال ولا يمكن استخدامها محليا”.

وبرغم ان الملف يتفاعل منذ ايام في العراق، الا ان ثائر مخيف قال إن “اللجنة لم تلتق بالحكومة الجديدة بعد، للحديث معها عن الخطط الزراعية، كونها لم يمض على تشكيلها سوى أيام معدودة فقط”، مؤكداً أن “الحديث عن سماد الداب سيكون مع رئيس الوزراء شخصياً وليس وزير الزراعة فقط، لأن الموضوع على تماس مباشر بالحياة العامة للبلد”.

وبينما وصفت لجنة الزراعة ملف سماد الداب بانه خطير، قال مخيف إن “اللجنة استدعت 3 جهات وزارية وقطاعية بشأن التقصي عن موضوعة سماد الداب، وهي وزارات الصناعة والبيئة والزراعة، ممثل عنها شركة التجهيزات الزراعية”.

وكشف مخيف، عن توجيه اتهام رئيسي لوزارة الصناعة بشأن تبشير الناس بافتتاح مصنع للسماد في البصرة، ولكن يبدو أن الموضوع كان إعلامياً فقط، ولم يكن هناك مصنع بالاساس، وانما معمل لتجميع المواد لتصنيع السماد.

وقال رئيس لجنة الزراعة النيابية، إنه أبلغ الفريق الحكومي الذي اجتمع معه، أنه “يتمنى ألّا يكون سماد الداب مسرطنا بحق، لأن ذلك سيكون بمثابة كارثة وقعت على العراقيين”.

وبالاضافة الى ذلك، اشار مخيف الى ان مدير عام دائرة الإشعاع في وزارة البيئة قال أيضاً إن “الفحص الحدودي ليس نهائياً، بل أن هناك أموراً فنية أخرى تسمى بـ(التحققية) وهي ستعطي النتيجة النهائية بشأن سرطنة سماد الداب من عدمه”.

وبكل الاحوال، تحدث رئيس اللجنة عن ان المجلس النيابي “سيستخدم السبل كافة للوصول إلى الحقيقة بشأن موضوعة هذا السماد، وسيشكل فريق تحرٍ كبير وعالي المستوى، يضم أعضاء من مجلس النواب، والوزارات الفنية والخبراء المختصين والاجهزة الامنية الرفيعة”.

وكشف مخيف الى ان مديرية شركة التجهيزات الزراعية في وزارة الزراعة أكدت للجنة النيابية، أن “المادة وزعت على 3 محافظات فقط وبقيت الكميات الأخرى في مخازن الشركة”.

“كارثة بغطاء قانوني”

في المقابل، كشف مصدر رفيع المستوى، عن حيثيات سماد الداب والجهات المشرفة عليه، ومصدر الدول التي يأتي منها الى العراق.

وأخبر المصدر، وكالة شفق نيوز، أن “هذه الأسمدة يؤتى بها مغلفة غالباً من دولتي المغرب أو تركيا إلى العراق عبر الاستيراد”، لافتاً إلى أن “المصنع الذي تم افتتاحه من قبل وزارة الصناعة، هو مصنع استثماري (حكومي، وأحد المستثمرين)، ولكنه لا ينتج مادة السماد إطلاقاً كما أشيع عنه من قبل وزارة الصناعة”.

وأوضح المصدر المسؤول، أن “المادة المستوردة من هذه الدول (المغرب او تركيا) يتم إعادة تكييسها من خلال خطوط إنتاج صينية سيئة جداً موجودة في المصنع، ولا يوجد في المعمل أي خط إنتاج عراقي استثماري حقيقي، وإنما هو واجهة لسرقة الشعب بغطاء حكومي، وبموافقة وزارتي الزراعة والصناعة”.

ولفت المصدر، إلى أن “الوجبة التي جيء بها للعراق من سماد الداب مؤخراً، تبلغ 50 ألف طن، وأن الربح على الطن الواحد فيها 200 دولار، حصة الحكومة العراقية فيها 5% و95% تذهب للمستثمر في المصنع، أي أن قيمة الأرباح في هذه الصفقة تصل الى 10 ملايين دولار”.

روسيا والداب

الى ذلك، أكد رئيس لجنة الزراعة والمياه والاهوار، أن “روسيا من خلال سفارتها في العراق وسفيرها عقد لقاءً مع لجنة الزراعة النيابية، من أجل إيضاح الصورة من جانبها وسيكون هناك لقاء بين اللجنة والسفير الروسي في العراق يوم الثلاثاء (غدا)، لبيان حقيقة ما أشيع بشأن قدوم السماد من روسيا”.

وأوضح مخيف، أن “الجانب الروسي أشار مبدئياً إلى عدم ورود هذه النوعية من السماد من روسيا إلى العراق”، دون الإدلاء بتفاصيل أكثر.

ذي قار.. طمأنة؟

إلى ذلك، نوهت مديرية بيئة محافظة ذي قار، إلى وضع يدها على سماد الداب بشكل كامل، ومنعت توزيعه للجهات المشمولة به، حيث أن ذي قار هي واحدة من 3 محافظات تسلمت حصتها من هذا السماد المثير للجدل.

ونقلت وكالة شفق نيوز عن مدير بيئة المحافظة، كريم هاني، قوله ان “إدارته وبصحبة الفرق الأمنية من الأمن الوطني والمخابرات والجهات الزراعية المختصة، أوقفت عملية التوزيع لهذا السماد ووضعت اليد عليه، كما أرسلت عينات منه، كما فعلت ذلك جميع المحافظات العراقية الأخرى التي شملت بالتوزيع، إلى المختبر المركزي العام في العراق، لإجراء الفحوصات الطبية عليه”.

واوضح هاني أن “غالبية العناصر فيها إشعاعات، وانما ضمن الإطار المحدد قانوناً، وسماد الداب كما أشيع عنه بانه مسرطن، ولكن لا يمكن الجزم بذلك دون إجراء الفحص المختبري الدقيق له”.

التعليقات معطلة.