القاعة الآشورية في المتحف العراقي تحتضن نفائس تعود إلى القرن الأول الهجري
تعرض مصاحف خزائنية وكتب من مختلف المدارس الفقهية فضلاً عن كتب خطت بيد مؤلفيها والرقع الخطية للمصاحف كتبت بالخط الكوفي
80 مخطوطة عرضها معرض المخطوطات العراقية في القاعة الآشورية في المتحف الوطني العراقي (اندبندنت عربية)
كنوز ونفائس ثمينة من مخطوطات القرآن الكريم والعلوم المرتبطة به عرضتها دار المخطوطات العراقية في المتحف الوطني العراقي، وتحديداً في القاعة الآشورية. وانطلق المعرض منذ بداية شهر رمضان وتزامن مع فعاليات يوم المخطوط العربي، وهو تقليد سنوي أطلقته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) التابعة لجامعة الدول العربية في عام 2013، وتحتفل به مدن وعواصم عربية عدة في الرابع من أبريل (نيسان)، وتستمر فعاليات هذا اليوم لمدة شهر. ويأتي هذا التقليد السنوي للتذكير بأهمية المخطوطات التي يزخر بها تراثنا، وقيمة حضورها في ثقافتنا العربية.
المخطوطات تعود إلى القرن الأول الهجري
بلغ عدد المخطوطات التي عرضتها “دار المخطوطات العراقية” في معرضها، 80 مخطوطة يعود بعضها إلى القرن الأول الهجري، والتي تظهر على شكل صحف مكتوبة بالخط الكوفي القديم غير المنقط. في هذا السياق يوضح المدير العام لدار المخطوطات العراقية أحمد العلياوي أن “هذه المجموعة من المخطوطات تمثل النوادر التي تختص بالقرآن الكريم والعلوم المرتبطة به من الفقه والتفسير والمدارس الخطية والصحف التي كتبت قديماً على الرق قبل صناعة الورق، كما ضم المعرض أدوات الكتابة التي سادت في تلك العصور وجاءت كجزء من مقتنيات المعرض”.
وعرضت أيضاً كيفية تطور مراحل كتابة هذه المخطوطات لتشهد ارتقاءً متميزاً في صناعة الورق واستعمال الحبر وصناعة النقوش والزخارف التي لقيت عناية كبيرة في مخطوطات المصحف الشريف في العراق وجمالية الكتابة والتنوع في كتابته عبر مدارس متعددة في عدد من البلدان.
مقتنيات المعرض
ضم المعرض مخطوطات نادرة منها “فتاوى الإمام فخر الدين قاضيخان في الفقه”، الذي يتضمن فتاوى الإمام فخر الدين أبي المحاسن الحسن بن منصور المعروف بـ”قاضي خان”، وذكر فيها جملة مسائل دينية، كما ضم المعرض كتاب “تاج اللغة”، وهو معجم للمفردات العربية ألفه الإمام أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، وهو من أقدم ما صنف في العربية من معاجم الألفاظ ومرتب على الأبواب والفصول.
أما المخطوطة الخاصة بكتاب “التبيان في إعراب القرآن” لمؤلفه أبي البقاء العكبري، فهو من أشهر الكتب في إعراب القرآن، ويصفه المتخصصون باللغة “من أفضل الكتب في إعراب القرآن وأفضلها لما يتميز به من التخصص والإحاطة والشمول”. وفي مجال علم النحو، قدم المعرض كتاب “المفصل في النحو” للزمخشري الذي يقع ضمن نطاق تخصص علوم اللغة العربية ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل البلاغة اللغوية والأدب العربي والشعر والنثر. 6نفائس المخطوطات في دار المخطوطات العراقية
المعجم الذي يحمل الرقم 1 في دار المخطوطات العراقية
وتحتفظ دار المخطوطات العراقية بعدد كبير من المخطوطات بلغت 47 ألف مجلد، تتضمن معارف وآداباً وفنوناً منوعة، وتمتد إلى فترات تاريخية مختلفة من بينها مجموعة من المخطوطات النفيسة والنادرة والفريدة والخزائنية والمخطوطات المكتوبة بأقلام مؤلفيها، كما تضم الدار زخارف والرقع الخطية التي خطها مشاهير الفنانين والخطاطين العرب والمسلمين.
بدأت الخطوة الأولى لجمع المخطوطات في عام 1940 عبر شعبة المخطوطات التابعة لدائرة الآثار والتراث، وكان معجم البلدان لياقوت الحموي هو الوليد البكر، والذي حمل رقم 1 في سجلات الدائرة لتتصاعد بعدها أعداد المخطوطات في الشعبة، ولتغدو قسماً في عام 1961، وفي مطلع السبعينيات، وبعد صدور قانون الآثار رقم 120 لعام 1974 المعدل، الذي وفر أكبر حماية للمخطوطات باعتبارها ثروة وطنية، بدأ الاهتمام الفعلي بالمخطوطات، حيث عملت مؤسسة الآثار على جمع المخطوطات وحمايتها وتنظيم حيازتها وكيفية التصرف بها باعتبارها ثروة وطنية لا يحق التصرف بها إلا وفق أحكام القانون ورصدت المبالغ لاقتناء المخطوطات لتصبح الدار من أكبر الدور المتخصصة في الوطن العربي وواحدة من أهم الدور في العالم.
الخزين الثقافي
لم تفقد دار المخطوطات العراقية أياً من مخطوطاتها إبان فترة الحرب، فقد نقلتها فضلاً عن المخطوطات المودعة لديها، والتي تعود لمراكز ومدارس دينية، إلى مكان آمن وحصين قبل بدء الحرب بخمسة أيام، وتحديداً في 15 مارس (آذار) 2003، مما جعلها تحتفظ بأهميتها كونها مرجعاً للمحققين والمهتمين بالتراث من خلال الكنوز التي تضمها الدار.
ويشير المدير العام لدار المخطوطات العراقية أحمد العلياوي إلى أن “الدار تحتفظ بالمخطوطات التي ترتبط بالحضارة الإسلامية ومختلف صنوف المعرفة فيها على مستوى الفلسفة والعقائد والتصوف والأخلاق والنظريات العلمية والإنسانية المرتبطة بالعلوم المختلفة، فضلاً عن الشعر واللغة والأدب والموسيقى والغناء. وتعود المخطوطات إلى مؤلفين من قوميات وأعراق مختلفة يجمعهم دين واحد وعاشوا في بيئات إسلامية استطاعت أن تعطي زخماً للمؤلفين، وأن توفر لهم فرصة التأليف والكتابة”.
دار المخطوطات العراقية من دون مبنى تخصصي
ويأمل العلياوي في إنشاء مبنى تخصصي للمخطوطات، ويقول إنه “من الضروي بناء مبنى تخصصي يليق بالمخطوطات العراقية، وأن يكون فيها متحف يتيح للجميع الحضور والمشاهدة بشكل مستمر”. ويوضح أن “دار المخطوطات حريصة على إقامة المعارض للمهتمين والمحققين التي تخصص القرآن الكريم، وكذلك المتخصصة بالتنوع الثقافي، فضلاً عن المعارض الدائمة التي تقيمها الدار في قاعة طه باقر في المتحف الوطني العراقي. وتسعى الدار إلى تغيير المعروضات فيها من المخطوطات بين مدة وأخرى لإتاحة التعرف على الموجودات من المخطوطات في الدار للمهتمين بهذا المجال”.
في حاجة إلى تخصصات ترتبط بالصيانة
يضم دار المخطوطات العراقية أربعة أقسام، وهي الفهرسة والحيازة والتصوير والأرشفة والخزن والصيانة والترميم. ويفيد العلياوي بأن “هناك معايير تعتمد دولياً لغرض الحفاظ على ديمومة المخطوطات على مستوى المناخ والرطوبة، فضلاً عن المواصفات القياسية للخزانات التي تحفظ المخطوطات لحمايتها من السرقة والحرائق والزلازل”. يشير المتحدث ذاته إلى أن “الدار تمتلك قسماً متخصصاً لصيانة المخطوطات تعمل فيه مجموعة من المتخصصين في هذا المجال منذ سنوات، وقد تلقوا تدريباً داخل العراق وخارجه في صيانة المخطوطات”، لكنه في الوقت ذاته يؤكد أن “الدار في حاجة إلى أن يتم رفدها بكفاءات متخصصة بصيانة المخطوطات، وهو من التخصصات النادرة في العراق، ونضطر أحياناً إلى تدريب كوادر من التخصصات القريبة للعمل في مجال الصيانة”. ويختم بالقول “كما أننا في حاجة إلى المواد التي تدخل في عمليات الصيانة والترميم، ولدينا اتفاقات في هذا المجال مع المكتبة الوطنية الفرنسية التي تزودنا بالمواد الخاصة بالصيانة”.