أصبحت أزمة المناخ حقيقة واقعة، ويعاني المزيد من الناس حول العالم آثارها. وبينما يقود الملايين من الناخبين في الشمال العالمي سياراتهم إلى مراكز الاقتراع، فإن الملايين من الناس في الجنوب العالمي ينزحون ويعانون انعدام الأمن الغذائي بسبب الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة والعواصف المدمرة.
وفقاً لمتتبع دورة الانتخابات Anchor Change وأبحاث إضافية من Statista، سيشهد عام 2024 انتخابات وطنية في أكثر من 60 دولة حول العالم، ومن المتوقع أن يتوجه نحو ملياري ناخب، أي ما يقرب من ربع سكان العالم، إلى صناديق الاقتراع هذا العام، وقد أطلق على 2024 لقب عام الانتخابات الفائقة أو حتى أكبر عام انتخابي في التاريخ، خصوصاً أنّ من بين هذه الدول بلداناً مكتظة بالسكان، وخمساً من أكبر مناطق العالم المُسببّة للانبعاثات الكربونية، وتُمثّل هذه المناطق: الولايات المتحدة، والهند، وإندونيسيا، وروسيا، والاتحاد الأوروبي. ويمكن القول إنه أهم عام انتخابي نشهده على الإطلاق، إذ من المقرر إجراء عدد من الانتخابات الحاسمة التي تحمل آثاراً يتردد صداها خارج حدودها الوطنية، وتعتبر هذه الانتخابات حاسمة، ليس فقط بالنسبة إلى المواطنين والسياسات الداخلية لهذه الدول، ولكن أيضاً للديناميكيات الجيوسياسية العالمية، وبشكل ملحوظ وخاص السياسات البيئية. إن كيفية هبوب الرياح السياسية الناجمة عن هذه الانتخابات ستكون أمراً حاسماً في تحديد ما إذا كانت البشرية قادرة على تصحيح مسارها الحالي المُتمثّل في الاحتباس الحراري الخطير، إذ من المرجح أن تؤدي السياسات المناخية الحالية إلى ارتفاع درجات الحرارة بنحو 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2100، وفقاً لمجموعة Climate Action Tracker التي تراقب الالتزامات المناخية العالمية، أعلى بكثير من هدف 1.5 درجة مئوية المنصوص عليه في اتفاق باريس للمناخ لعام 2015، فضلاً عن مخرجات COP28 “اتفاق الإمارات” الذي يمهّد لاستجابة عالمية طموحة للحصيلة العالمية لتقييم التقدم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس، ويقدم خطة لمستهدفات عام 2030 ويدعو الأطراف إلى تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي إلى منظومة طاقة خالية من الوقود التقليدي الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، وذلك بهدف تحقيق الحياد المناخي. ومن الممكن أن تمنع الالتزامات المناخية الطويلة الأجل ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 0.6 درجة مئوية أخرى، لكن هذه الالتزامات تعتمد على المزيد من الإجراءات من جانب الحكومات، بما في ذلك العديد من الحكومات التي يستعد قادتها للانتخابات في عام 2024.
في آب (أغسطس) 2022 فاجأ الرئيس الأميركي جو بايدن العالم بانتصار تشريعي بشأن الإنفاق المناخي، والذي من المرجح وفقاً لبعض التقديرات الأخيرة أن يضمن استثمار ما يقرب من تريليون دولار حتى عام 2032، وهذا يشمل الإنفاق المباشر وكذلك الإعفاءات الضريبية لكل شيء: من طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى النقل الكهربائي، وعزل الكربون، وبرامج إعادة تدريب الأشخاص الذين يعملون حالياً في قطاع الوقود الأحفوري. وتتمثل إحدى المهمات الرئيسية لإدارة بايدن الآن في ضمان استثمار الأموال بحكمة واستمرار تدفقها إذا أعيد انتخابه في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) المُقبل، في الوقت الذي لا يزال فيه الخصم الرئيسي المحتمل لبايدن الرئيس السابق دونالد ترامب معادياً للإجراءات الحكومية بشأن المناخ وليس هناك شك في أنه سيبذل كل ما في وسعه للترويج للوقود الأحفوري إذا فاز، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يسحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 للمرة الثانية. أما الهند ثالث أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم والتي تضم أيضاً 1.4 مليار نسمة، أي أكثر من سدس سكان العالم، يُشكّل نصيب الفرد في الانبعاثات لديها أقل من سبع نظيره في الولايات المتحدة وربع نظيره في الصين. ولا يحتل تغير المناخ مكانة عالية على جدول أعمال الانتخابات العامة المقبلة في الهند، لكنه أمر بالغ الأهمية لطموحات رئيس الوزراء ناريندرا مودي العالمية كما يقول الباحثون، فإذا فاز مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا بولاية ثالثة مدتها خمس سنوات فسوف يكون منشغلاً بإرثه كزعيم للمناخ.
أوروبياً، يحب الاتحاد الأوروبي أن يرى نفسه قائداً عالمياً في مجال العمل المناخي. في عام 2021 وافق أعضاء الكتلة وأقروا قوانين للحد من صافي انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 55% على الأقل من مستويات عام 1990 بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050. ويهدف اقتراح كُشف عنه أخيراً إلى خفض أكثر طموحاً بنسبة 90% بحلول عام 2040. حتى الآن خفضت أوروبا انبعاثاتها بنسبة 32.5% عن مستويات عام 1990، وعلى مدار أربعة أيام من 6 إلى 9 حزيران (يونيو)، سينتخب المواطنون الأوروبيون من 27 دولة 720 سياسياً للبرلمان الأوروبي لمدة 5 سنوات. وتشير استطلاعات الرأي إلى تحرك حاد نحو الأحزاب اليمينية الأقل تركيزاً على العمل المناخي، وهو اتجاه يمكن أن يحبط قيادة أوروبا في مجال المناخ ويؤخر الإجراءات العاجلة كما يقول الخبراء. إن هذا العام الانتخابي يمثل فرصة بقدر ما يمثل خطراً على العمل المناخي، ومع دخول الناخبين إلى مراكز الاقتراع فإنهم لا يقررون مستقبل بلادهم فحسب، بل يقلبون الموازين في المعركة العالمية ضد تغير المناخ، فالقرارات المتخذة يمكن أن تسرع الرحلة نحو غد أكثر اخضراراً أو تعرقل التقدم الذي نحن في أمسّ الحاجة إليه. في النهاية 2024 ليس مجرد عام انتخابي آخر إنه خيار بشأن مسار كوكبنا للأمام.