وفقًا لتقارير حديثة، يعتزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكشف عن خطة سلام في الشرق الأوسط في أوائل العام القادم. وتتأكد مصداقية هذه التقارير من خلال الزيارة غير المعلنة التي قام بها ثلاثة من كبار مساعدي البيت الأبيض، وهم جاريد كوشنر، وجيسون جرينبلات، ودينا باول، إلى المملكة العربية السعودية لمناقشة هذه الخطة، مع إعلان نائب الرئيس مايك بينس أنه سيزور القدس ورام الله والقاهرة الشهر المقبل.
وكان موقع «ميدل إيست آي» البريطاني نقل عن دبلوماسي غربي ومسؤولين فلسطينيين قولهم إن فريقًا أمريكيًّا بصدد وضع اللمسات الأخيرة على «الاتفاق النهائي» الذي اقترحه الرئيس الأمريكي للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.
وقال الدبلوماسي، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول له مناقشة الموضوع مع وسائل الإعلام، إن الاتفاق سيتضمن ما يلي:
• إقامة دولة فلسطينية تشمل حدودها قطاع غزة، والمنطقتين «أ» و«ب»، وأجزاء من المنطقة «ج» في الضفة الغربية.
• ستوفر الدول المانحة 10 مليارات دولار لإقامة الدولة وبنيتها التحتية بما في ذلك المطار، والميناء البحري في غزة، والإسكان، والزراعة، والمناطق الصناعية، والمدن الجديدة.
• تأجيل مناقشة وضع القدس وقضية اللاجئين العائدين حتى مفاوضات لاحقة.
• تشمل المفاوضات النهائية محادثات السلام الإقليمية بين إسرائيل، والدول العربية بقيادة السعودية.
اقرأ أيضًا: مترجم: وضعه ترامب وتقوده الرياض.. تفاصيل الاتفاق النهائي للسلام الفلسطيني-الإسرائيلي
رصدَ عامي أيالون، وهو سياسي إسرائيلي وعضو سابق في الكنيست عن حزب العمل وكان سابقًا رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الشين بيت)، رصد في مقال نشرته وكالة «بلومبرج» الأمريكية ثلاث عقبات تواجه خطة ترامب لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
وقال أيالون في المقال الذي شاركه في كتابته جلعاد شاعير، كبير المفاوضين الإسرائيليين في محادثات كامب ديفيد (1999-2001): «نأمل نحن الإسرائيليين، ممن تولوا المسؤوليات الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية في بلادنا، أن تنجح إدارة ترامب في جهودها للتوصل إلى اتفاق. ومن شأن عدم التوصل إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني أو عدم تحقيق أي تقدم نحو التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، أن يعرض أمن إسرائيل ومكانتها باعتبارها دولة ديمقراطية للشعب اليهودي للكثير من المخاطر».
وأضاف الكاتب أن تحالف الدول العربية المعتدلة وإسرائيل، الذي سيكون أكثر الوسائل الإقليمية فعالية لمواجهة إيران، سيكون غير ممكن دون تحقيق تقدم على المسار الإسرائيلي الفلسطيني.
ثلاث عقبات
ولتحقيق ذلك، أشار الكاتب إلى أن البيت الأبيض سيكون بحاجة إلى فهم إخفاقات الماضي والخطوات العكسية التي اتخذها حتى الآن، مشيرًا إلى ثلاث عقبات تواجه الإدارة الأمريكية لتحقيق التوصل إلى اتفاق وهي:
أولًا: إن رفض ترامب الإعلان عن دعم إدارته لحل الدولتين – بدءًا من «تعليقه الفاشل» في فبراير (شباط) الماضي، الذي قال فيه: «إنني أنظر إلى حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، وأحب الخيار الذي يحبه الطرفان» – له نتائج عكسية ويحتاج إلى تصحيح.
وقال الكاتب إن الإسرائيليين لن يقبلوا بحل الدولة الواحدة في المستقبل. إن هذا «الحل»، الذي يعيش فيه جميع سكان الأرض الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن معًا في كيان سياسي واحد، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى حرب أهلية، كما في سوريا، أو إلى نسخة شرق أوسطية من الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وسوف تؤدي كلتا النتيجتين إلى نهاية إسرائيل الدولة اليهودية الديمقراطية وتصاعد وتيرة العنف الإسلامي-اليهودي، وهو العنف الذي سيتمدد لينتشر خارج الساحة الإسرائيلية الفلسطينية، ليصبح أزمة أخرى ستواجه إدارة ترامب.
متظاهرون فلسطينيون – القدس.
بالإضافة إلى ذلك، فإن غالبية أعضاء الكنيست الإسرائيلي والإسرائيليين (والفلسطينيين) يفضلون حل الدولتين، على الرغم من أن واشنطن تركز على الرافضين لهذا الحل في تحالف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وفق ما أورده الكاتب.
ثانيًا: فشلت المحاولات السابقة للتوصل إلى اتفاق في المقام الأول بسبب اعتمادها الحصري تقريبًا على المفاوضات الثنائية. وأصبح الهدف على نحو ما هو مجرد جلوس الجانبين على طاولة المفاوضات.
وبدلًا من ذلك، يجب على فريق ترامب أن يعترف بأن التوصل إلى اتفاق سلام شامل غير ممكن في المستقبل القريب، وأن يستخدم نهجًا تدريجيًا: يتمثل في تحريك الطرفين نحو واقع إقامة دولتين، دون أن يغلق الباب أمام المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى اتفاق. وهذا يستدعي الضغط على الإسرائيليين والفلسطينيين لاتخاذ خطوات بناءة بشكل مستقل للحفاظ على شروط الحل القائم على وجود دولتين، وإحداث واقع قائم على دولتين بشكل تدريجي.
فعلى سبيل المثال، يجب على إسرائيل أن تعلن أنها ليس لديها مطالبات بالسيادة على المناطق الواقعة شرق الجدار الأمني الذي بنته في الضفة الغربية، رغم حاجتها إلى تواجد أمني، كما هو الحال في المناطق التي تمتد عبر نهر الأردن. ويجب على الفلسطينيين أن يفعلوا المزيد من أجل مكافحة الإرهاب والتحريض ضد الإسرائيليين وإنهاء حملتهم من أجل المقاطعة العالمية لإسرائيل.
ثالثًا: خلافًا لتأكيدات نتنياهو، تشكل المستوطنات عقبة رئيسية أمام التقدم. يجب على ترامب أن يتعلم من أحد أسلافه كيفية التغلب على هذه العقبة، ويرى الكاتب أن ذلك يتطلب تحديد الكتل الاستيطانية الرئيسية المتاخمة لخطوط الهدنة لعام 1949 (ما يسمى بالخط الأخضر) والأحياء اليهودية في القدس الشرقية، حيث يعيش نحو 80% من المستوطنين، ومن ثم التفريق بين هذه المناطق والمستوطنات المعزولة. وقد أدلى الرئيس جورج دبليو بوش بهذا التمييز في رسالته التي وجهها إلى رئيس الوزراء آرييل شارون عام 2004.
اقرأ أيضًا: «هآرتس»: هل تحقق خطة السعودية حلم ترامب بالسلام بين إسرائيل وفلسطين؟
إنجاز تاريخي
وقال الكاتب: «مما يؤسف له أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تحاول محو هذا التمييز. يجب على إدارة ترامب أن تقاوم هذه المحاولة وأن تتأكد من أن إسرائيل سترسم حدودها المستقبلية على أساس خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الرئيسية تحت السيادة الإسرائيلية، ووقف بناء المستوطنات في المناطق الواقعة شرق السياج الأمني في الضفة الغربية، وتوفير حقوق متساوية كاملة لجميع المقيمين داخل هذه الحدود، وإتاحة مساحة كافية لإنشاء دولة لملايين الفلسطينيين خارج حدودها».
الحائط الغربي والمسجد الأقصى – القدس.
وسيتطلب هذا النهج – بحسب الكاتب – نقل حوالي 100 ألف مستوطن في نهاية المطاف إلى مناطق داخل الحدود المقبلة. وهذا أمر لا يمكن التغلب عليه، كما يدعي مؤيدو المستوطنات. وبدلًا من ذلك، خلص مسح شامل للمستوطنين بتكليف من منظمة بلو وايت فيوتشر، وهي منظمة غير حزبية أسسها الكاتب بالاشتراك مع شاعير، وصدر في عام 2014، إلى أنه إذا تم تعويض المستوطنين، فإن نحو 30% منهم سينتقلون طوعًا حتى بدون اتفاق سلام، فيما سيقبل آخرون بإعادة التوطين بعد التوصل إلى اتفاق سلام.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن خطة الإدارة الأمريكية المقترحة يجب أن تسمح لإسرائيل بإبقاء قواتها العسكرية في الأراضي الفلسطينية حتى يتم التوصل إلى اتفاق. وأخيرًا، فإن الولايات المتحدة سوف تحتاج إلى حشد الدعم الإقليمي لهذه الخطة.
وقال الكاتب إن ترامب وفريقه يجب أن يعترفوا أيضًا بأن الوضع الإسرائيلي الفلسطيني الراهن لا يمكن الإبقاء عليه. ويحتاج ترامب إلى أن يضع نصب عينيه هدفًا واضحًا وموضوعيًا – إقامة دولتين لشعبين – ويهدف إلى تقريب الجانبين إلى هذا الواقع.
واختتم الكاتب بقوله: «يعد هذا التوجه أفضل فرصة لتحقيق بعض الاستقرار في الشرق الأوسط، مما يمكن من إقامة تحالف إقليمي قوي لمواجهة إيران، وضمان مستقبل إسرائيل دولة آمنة ويهودية وديمقراطية مع دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانبها. قد لا تكون هذه هي «الصفقة النهائية» التي يسعى إليها ترامب، ولكنها ستشكل إنجازًا تاريخيًا».