مدحت المحمود… استبدال قاضي السياسيين العراقيين
تقارير عربية
زيد سالم
25 مارس 2021
شغل المحمود منصب رئيس المحكمة الاتحادية العليا منذ 2005 (حيدر هادي/الأناضول)
-أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق، أمس الأربعاء، عن اختيار رئيس ونائب رئيس جدد للمحكمة الاتحادية العليا في البلاد. ويأتي ذلك بعد إقرار البرلمان الخميس الماضي، تعديل قانون المحكمة الاتحادية، والذي يوجب اختيار رئيس وأعضاء جدد للمحكمة التي يتوقع أن تكون أولى مهامها الجديدة، هي المصادقة على نتائج الانتخابات البرلمانية المقرر إجراءها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وبحسب بيان مقتضب صدر عن مجلس القضاء الأعلى، فقد عقد كل من رئيس مجلس القضاء فائق زيدان، ورئيس المحكمة الاتحادية العليا مدحت المحمود ورئيس الادعاء العام سالم محمد نوري ورئيس هيئة الإشراف القضائي جاسم محمد عبود، اجتماعاً أمس الأربعاء نتج عنه اختيار رئيس ونائب الرئيس وعدد من أعضاء المحكمة الاتحادية العليا”. وبحسب البيان الذي لم يذكر أسماء رئيس أو أعضاء المحكمة الذين تم اختيارهم، فإنه سيتم إرسال التشكيل الجديد للمحكمة الى رئيس الجمهورية برهم صالح، لإصدار المرسوم الجمهوري بتعيينهم في مناصبهم”.وفي بيان منفصل، أشار الموقع الرسمي لمجلس القضاء الأعلى في العراق إلى تكريم رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا بمناسبة قرب إحالتهم على التقاعد، في تأكيد آخر على أن القاضي مدحت المحمود الذي يشغل المنصب منذ عام 2005، تم اختيار بديل عنه، بعد سنوات من إثارته الجدل بسبب أدائه.
ومنذ عام 2005، يستقر مدحت المحمود (85 عاماً) في منصب رئيس المحكمة الاتحادية، الذي أقر تحت سلطة الاحتلال الأميركي ورئاسة إياد علاوي للحكومة العراقية المؤقتة آنذاك. وعُيّن المحمود بعد احتلال العراق عام 2003، بنحو 3 أشهر في منصب رئيس محكمة التمييز، ومن ثمّ رئيس مجلس القضاء الأعلى. ولكن مع استمرار سلطة الاحتلال المؤقتة بإصدار أوامرها خلال المرحلتين المؤقتة والانتقالية، تمّ تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا، على أن يكون رئيسها هو رئيس مجلس القضاء الأعلى، وهو ما جعل المحمود يتسلم المنصب بشكل تلقائي عام 2005.
واجه المحمود اتهامات مباشرة وغير مباشرة، بالانحياز السياسي لطرف دون آخر
وخلال أكثر من 15 عاماً من وجود المحمود في منصب رئيس المحكمة الاتحادية، وقعت مشاكل وأزمات سياسية كبيرة، واجه المحمود فيها اتهامات مباشرة وغير مباشرة، بالانحياز السياسي لطرف دون آخر، خصوصاً لصالح رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، من خلال إصدار مذكرات قبض بحق خصوم سياسيين أو تعطيل ملفات وقضايا فساد مختلفة عبر صلاحياته. لكن أبرز الأزمات التي خلفها المحمود كانت عام 2010، عقب قراره تقديم تفسير جديد للنص الدستوري المتعلق بالكتلة الكبرى داخل البرلمان التي يحق لها تشكيل الحكومة. إذ أدى فوز قائمة إياد علاوي بالانتخابات إلى تقديم المحمود تفسيراً دستورياً يقول إنّ الكتلة التي يحق لها تشكيل الحكومة، هي الكتلة الكبرى التي تنجح في جمع أكبر عدد مقاعد بالجلسة الأولى من انعقاد البرلمان، وليس تلك التي تفوز بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات. وهو ما انتهى فعلياً، بحرمان علاوي من حق تشكيل الحكومة، والإبقاء على المالكي رئيساً للوزراء لولاية ثانية، تسببت بأزمات داخلية كبيرة في العراق، وانتهت باجتياح تنظيم “داعش”، لمساحات واسعة من البلاد عام 2014.
هذه التفسير الذي عرف فيما بعد ببدعة مدحت المحمود، تسبب أيضاً بأزمة سياسية كبيرة بين، كتلتي “الفتح”، بزعامة هادي العامري، و”سائرون”، بزعامة مقتدى الصدر، في انتخابات عام 2018 الأخيرة. ولكن في النهاية، تقاربت وجهات النظر بوساطة إيرانية، ولدت عنها حكومة عادل عبد المهدي التي استقالت لاحقاً بفعل اندلاع تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول عام 2019.
تقارير عربيةمراجعة جديدة للخطط الأمنية في العراق بهدف مواجهة الهجمات المتسلسلةوبحسب القانون الجديد للمحكمة الاتحادية العليا في البلاد، والتي خولها الدستور فض النزاعات القانونية بين الرئاسات الثلاث، ونقض القوانين والتشريعات المتعارضة مع الدستور، وإلغاء القرارات غير المتوافقة مع الدستور أيضاً، والتصديق على نتائج الانتخابات، تم اختيار رئيس وأعضاء جدد للمحكمة الاتحادية. وبحسب أحد أعضاء اللجنة القانونية في البرلمان، فإنّ “التأثير السياسي سيكون حاضراً في توزيع مناصب أعضاء المحكمة على الأحزاب والكتل السياسية”.
في السياق، اعتبر النائب المستقل في البرلمان العراقي، باسم خشان، القضاء في العراق بأنه “قضاء مواءمة، إذ غالباً ما يتدخّل من أجل وضع حلول وسط ترضي الأطراف السياسية والمتصارعين في الحكومة، وتحديداً في ما يتعلق بالمشاكل بين بغداد وأربيل، إضافة إلى تفسيرات دستورية مثل مفهوم الكتلة الكبرى”. وأضاف أنّ “المحكمة الاتحادية عانت كثيراً في السابق من النفوذ السياسي، وهذا الأمر تسبب بمشاكل لها مع مجلس القضاء الأعلى، وهو ما أثر على عمل الدولة. وقد اعترف بذلك كثير من السياسيين من ضمنهم هادي العامري، الذي أكد مرة أنّ الكتل السياسية تضغط على القضاء، من أجل تمرير بعض القرارات القضائية المرتبطة بمصالح الأحزاب. ولكن بطبيعة الحال، فإنّ مدحت المحمود يعتبر من القضاة العراقيين البارزين، وله مكانة مهمة في تاريخ القضاء العراقي”.
وائل الحازم: مدحت المحمود كان يعمل على تأخير بعض القضايا والبتّ بها
من جهته، أشار السياسي العراقي وائل الحازم، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ “مدحت المحمود كان يعمل على تأخير بعض القضايا والبتّ بها، وذلك في سبيل حلها سياسياً لا قضائياً. وبالتالي، هذا الأمر يشرح آلية عمله خلال السنوات الماضية، كونه لم يقبل بأن تشتبك القوى السياسية فيما بينها، وكان دائماً ينتظر الحلول السياسية كي يصل إلى حلول قضائية، وهذا الأمر كان واضحاً في مواقف المحكمة الاتحادية من مفهوم الكتلة الكبرى”.
بدوره، أشار الخبير القانوني البارز في العراق، طارق حرب، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ “التعديل الأخير الذي أجري على قانون المحكمة الاتحادية عبر البرلمان العراقي، يمنح أربع جهات قضائية صلاحية تحديد أسماء رئيس المحكمة الاتحادية والأعضاء الثمانية؛ وهي المحكمة الاتحادية نفسها ومجلس القضاء الأعلى والادعاء العام والإشراف القضائي، وكل هذه الجهات تستقر في مبنى واحد هو مبنى مجلس القضاء”.
وأوضح حرب أنّ “الكتل السياسية والأحزاب العراقية شهدت خلال الفترة الماضية خلافات فيما بينها بشأن تعديل قانون المحكمة الاتحادية، كونها حريصة على أن يكون لها موطئ قدم في المحكمة، لا سيما وأنها تعرف الأوضاع السياسية المتدهورة وأن وجودها بات مهدداً بسبب فشلها في إصلاح الأحوال في العراق”.