العراق وأمريكا.. من الغزو والاحتلال ..إلى الشراكة الاستراتيجية.. إلى المجهول!
بقلم: د. عبدالإله بن سعود السعدون
الجمعة ٣٠ يوليو ٢٠٢١ – 02:00
يتوقع كثير من المحللين السياسيين والمعنيين بالشأن العراقي انفراجة واسعة في المشهد السياسي في الشارع العراقي إثر نتائج الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي المنبثق عن الاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين الشريكين التي عقدت في عام 2008م وعلى أثرها انسحبت القوات القتالية الأمريكية من أرض الرافدين عام 2011م بعد نهاية إسهامها في مقاتلة عصابة داعش.
وجاءت زيارة الرئيس مصطفى الكاظمي لواشنطن يوم الإثنين السادس والعشرين من شهر يوليو الجاري بناءً على دعوة رسمية من الرئيس الأمريكي جو بايدن التي وصفها الإعلام الإقليمي والعالمي بالتاريخية لأهميتها في رسم خريطة طريق جديدة للعلاقات الاستراتيجية المستقبلية السياسية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين.
لقد أدار الدكتور فؤاد حسين وزير الخارجية بنجاح واضح الجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي العراقي والأمريكي، والوصول إلى نتائج إيجابية ترعى مصالح العراق في المجالات الاقتصادية واحترام السيادة العراقية في مجال الوجود العسكري القتالي الأمريكي في القواعد العراقية المنتشرة في مطار أربيل في كردستان العراق وقاعدة بلد في محافظة صلاح الدين وقاعدة عين الأسد ومشاركة الوجود العسكري الأمريكي لدعم القوات العراقية في القضاء على داعش الإرهابية. وشكلت زيارة الكاظمي التاريخية لواشنطن التي بدأت يوم الإثنين السادس والعشرين من يوليو الجاري تتويجا للجهود الإيجابية للجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي، وقد أعلن الدكتور فؤاد حسين وزير الخارجية العراقي أنه تم الاتفاق مع الجانب الأمريكي على جدولة انسحاب القوات الأمريكية من الأراضي العراقية في نهاية العام الحالي، كما تم الاتفاق على أسس التعاون اللوجستي وإدامة وجود الطائرات والدبابات التابعة للقوات المسلحة العراقية من الصناعة الأمريكية من قبل قوات استشارية أمريكية بحسب بنود اتفاقية التعاون اللوجستي والاستراتيجي بين العراق والولايات الأمريكية التي تم توقيعها عام 2008م وتضمنت بنودا ضخمة من التعاون الاقتصادي والثقافي والسياسي، لكن نتيجة للضغوط الإيرانية على الحكومات العراقية المتعاقبة بضرورة إخراج القوات الأمريكية المقاتلة من الأرض العراقية، ولتحقيق هدفها هذا حركت أذرعها من المليشيات الولائية المسلحة لإثارة صنوف من التحرش العسكري العابث لتهديد الوجود الأمريكي في القواعد العراقية بالقصف الصاروخي وأخيرا تسيير الطائرات المسيرة لقصف القواعد العراقية لتخويف القوات الأمريكية تنفيذا لمبدأ الحرب بالوكالة ولمصلحة إيران، ونسيان المصلحة الوطنية العراقية العليا في الاستفادة من العلاقات الاستراتيجية الأمريكية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، ومن المستغرب أن هذه المليشيات المنفلتة عسكريا التي لا تدين بالولاء للوطن العراقي وحكومته الوطنية تناست أن الإدارة الأمريكية بغزوها للعراق عملت على تفكيك مؤسسات الدولة العراقية بإلغاء الجيش العراقي والقوات العراقية الأمنية وإلغاء الدستور وإهانة السيادة الوطنية بإعلانها قواتها قوات احتلال عسكري؟
أما المرحلة الثانية التي مازال يعاني شعبنا العراقي من نتائجها السلبية إلى يومنا هذا بتسليم السلطة لأعوان إيران على طبق من ذهب وفتح منافذ البلاد أمام تسلل عملاء إطلاعات وقوات فيلق القدس للسيطرة على مقاليد القرار السياسي العراقي وتسخير كل خيرات العراق الاقتصادية لدعم اقتصاديات إيران المنهارة ولهذا كله الآن تحاول طهران جاهدة عرقلة أي تعاون عسكري أو اقتصادي سياسي عراقي أمريكي خشية تراجع نفوذها داخل السلطة العراقية بسحب البساط من تحت إيران وأعوانها في المشهد السياسي العراقي وتصحيح ما انحرف في العملية السياسية وإنهاء سيطرة الأحزاب المذهبية على الوزارات التي تأسست بحسب خطط المحاصصة الحزبية والطائفية.
ينشد أبناء الشعب العراقي الثائر التصحيح للمسيرة السياسية متأملين نتائج إيجابية من زيارة الرئيس الكاظمي لواشنطن بما يعود على المواطن الصابر من الأمن والعيش الكريم ووضع نهاية لعمليات الاغتيالات الغادرة التي تنفذها قوى منفلتة إجرامية تتلقى أوامرها من خارج الوطن العراقي.
وتعمل القوى الموالية لإيران في المشهد السياسي العراقي ومعها المليشيات المسلحة الولائية على إخراج القوات الأمريكية عن الأرض العراقية بأي شكل كان لتنفرد هذه القوى التي تتلقى التوجيه المباشر من طهران بالسيطرة على القرار السياسي العراقي في الداخل وتنفيذ رغبة النظام الإيراني في إبعاد القوات الأمريكية عن حدودها وبالطبع لا إيران ولا أعوانها من الساسة العراقيين يهمهم مستقبل الشعب العراقي وسيادته الوطنية ورفاهية شعبه الصابر.
ويسعى نظام الملالي في إيران إلى تفكيك الدولة العراقية بكل مؤسساتها الدستورية والقضاء على وحدة الشعب بنصوص دستور بريمر الطائفي المعتمد على تقسيم الشعب العراقي الموحد إلى مكونات مذهبية عرقية من دون وضع خطط اقتصادية وانعدام وجود سياسة خارجية واضحة أدى كل ذلك إلى تحول نفوذ إيران إلى دولة داخل دولة العراق تتسلط المليشيات على مقدرات الشعب العراقي مع مجموعة من السياسيين الفاسدين رفضهم الشعب الغاضب بالتظاهر على وجودهم ضمن ما يسمى بالعملية السياسية العرجاء التي أوصلت العراق إلى الإفلاس السياسي والمالي بسرقات المال العام من دون رقيب أو حسيب أو ضمير يحاسبهم من داخلهم!.
ومن أجل التغيير الشامل لهذا التكوين السياسي الفاشل سلك (ثوار تشرين) السبيل السلمي، مطالبين بإجراء انتخابات مبكرة على أمل أن تأتي ببرلمان متجدد بأغلبية شبابية وطنية جديدة تعي مكامن الفساد وترمم ما خربته الأحزاب المذهبية وفسادهم المتأصل والمتغلغل في كل مؤسسات الدولة.
يرى الكثير من الساسة والإعلاميين في داخل العراق وجواره أن حكومة الكاظمي من أكثر الحكومات اهتماما بالوضع السياسي والاقتصادي في الداخل وقد سعت بجدية صادقة إلى إبعاد الساحة العراقية عن النزاعات الإقليمية والدولية والنأي بالنفس عن كل الأحلاف والتكتلات الإقليمية وأرست قواعد وجسورا أخوية صادقة مع محيطها العربي وتعتبر من أنجح الوزارات التي توالت على السلطة في العراق منذ الغزو الأنجلو أمريكي عام 2003م فقد تعهدت بإجراء الانتخابات المبكرة القادمة ومن المؤمل إجراؤها في العاشر من أكتوبر القادم والتي ستعطي أبناء الشعب العراقي الفرصة لتوجيه أصواتهم الانتخابية نحو الكتل الوطنية العابرة للطائفية والحزبية الضيقة وفرز شخصيات وطنية هدفها من العمل السياسي خدمة الوطن والمواطن وتأسيس دولة مؤسسات تعتمد المواطنة الركيزة الأساسية لخدمة الوطن والعمل بجد وإخلاص من أجل وضع خطط الإعمار والتشغيل وتهيئة فرص العمل لعديد من الشباب العاطلين عن العمل من أبناء الوطن والاهتمام بالزراعة والصناعة وتنشيط وتنويع الاقتصاد الوطني.
كذلك من الملفات المهمة التي ناقشها الرئيس الكاظمي مع بايدن التوجه إلى تنشيط الاقتصاد بالمشاركة الأمريكية بتنفيذ الورقة البيضاء والتي تحوي التصور العراقي لتنشيط اقتصاديات بلاده عن طريق الإسهام الأمريكي في الدعم المالي والتكنولوجي ونقل المعرفة إلى داخل الاقتصادات العراقية في الطاقة والزراعة والثقافة والتعليم والعمل على دعم الجانب العراقي في مباحثاته مع مسؤولي البنك الدولي لتمويل مشاريع استراتيجية تنوي حكومة الكاظمي تنفيذها في العراق في مجال الطاقة والموارد المائية والسدود والصحة والنقل.
كان من أهداف هذه الزيارة المهمة تحقيق أسس الأمن الداخلي الذي تحتاج إليه ظروف العملية الانتخابية والخشية من اختراق الأمن الانتخابي من قبل المليشيات المسلحة المنفلتة والخارجة عن سلطة القانون.
لقد استبشر كثير من القوى السياسية بنجاح مسار الحوار الرابع للشراكة الاستراتيجية العراقية الأمريكية فقد أعرب رئيس الجمهورية السيد برهم صالح بأن نجاح المسيرة التفاوضية التي أشرف عليها رئيس الوزراء الكاظمي تعبير لجهد حقيقي صادق يصب في مصلحة الشعب العراقي وشاركه نفس الارتياح عدد كبير من المسؤولين ورؤساء الكتل السياسية لنتائج الزيارة التاريخية التي قام بها رئيس الوزراء الكاظمي لواشنطن. وتثمن القوى المشاركة في العمل الانتخابي بنتائج الزيارة والدعم الأمريكي لشفافية النتائج المرتقبة لها وأعلنت تأييدها لمساعي الكاظمي في تنفيذ وعوده في قيام الانتخابات المبكرة في موعدها المعلن وجهوده لخدمة الشعب.
إن العمل بجد من أجل المحافظة على وحدة التراب الوطني ضرورة بعد أن عصفت به ويلات الطائفية والاغتيالات المستهدفة لكل من يعارض التدخل الإيراني بالشأن الداخلي العراقي وتعديات المليشيات المسلحة التي تدين بالولاء للخارج التي تشكل حاليا العائق المخيف لكل عملية إصلاح من أجل التغيير، وأولها نزاهة الانتخابات القادمة، التي أصبحت أداة لاغتيال كل مرشح وطني للانتخابات القادمة ومتابعة توجيه صواريخ العمالة نحو البعثات الدبلوماسية الأجنبية في المنطقة الخضراء، ما سيؤثر على أمن العراق القومي لو أصابت هذه الصواريخ الطائشة أعضاء من السفارة الأمريكية أو أي دولة أجنبية، ما يسبب ردودا مخيفة لكل مؤسسات الدولة العراقية نتيجة جنون مليشيات ولائية وعميلة لملالي قم وطهران، ما يدعو الآن إلى أن يهتم كل مواطن مخلص للعراق وعلمه الوطني بكل جد بالتغيير سلميا عن طريق الانتخابات ويحجب صوته عمن تسببوا في سلبه وظلمه وهجرته وتهجيره من الفاسدين وعملاء الأجنبي أيا كانت جهته.
إن المتظاهرين ومعهم كل القوى الوطنية التي تؤمن بالسيادة المطلقة للشعب العراقي في تحديد قراره السياسي نحو المصالح العليا للعراق وطنا وشعبا والمستقل بقراره والعامل نحو خير وازدهار العراق الدولة وإعادة مكانتها الإقليمية والدولية إذا استطاعت كل هذه القوى المخلصة التوحد في جبهة وطنية واحدة فلن تقف في طريق مسيرتها الوطنية أي مليشيا مسلحة تخدم مصالح الأجنبي أياً كان. ولابد أن تجرى الانتخابات بإشراف عربي وإقليمي ودولي وإلا ستكون البندقية والدولار السياسي هما من يوجه الناخب مكرها نحو مرشح الأحزاب الطائفية ومليشياتهم المنفلتة وسيبقى المشهد السياسي بنفس الوضع مع تغيير وجوه الفاسدين.
إن المواطن العراقي يتطلع بأمل كبير إلى تحقيق نتائج مشجعة لهذه العلاقة الاستراتيجية مع الشريك الأمريكي بدلا من سيناريوهات المجهول المطروحة لتحقق له الأمن والأمان والحياة الكريمة في وطنه المخطوف الذي كان يهتف خلال تظاهراته لاسترجاعه وإعادة العراق التاريخي إلى موقعه ومكانته. وتخطي حاجز التحدي الصعب وتقليم أظفار كل من يحمل السلاح ضد المواطن العراقي المخلص لبلاده وسيادته الوطنية.