منوعات

الجواهري حاضر في الذاكرة الثقافية العراقية والعربية

محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)

مرّت مؤخراً الذكرى الـ 24 لرحيل الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري، الذي رحل في دمشق في الـ 27 من يوليو من العام 1997، إلا أنه لا يزال حاضراً بقوة في وجدان الذاكرة الثقافية العراقية والعربية، فلماذا؟ 
ربما تكون أنسب مقدمة للحديث عن الجواهري في رحيله، بعد طباعة أعماله الشعرية الكاملة قبل نحو شهر من قبل وزارة الثقافة العراقية، وخروج «ديوان الجواهري» بطبعة جديدة منقحة، ما يعني أن حضوره بين فترة وأخرى في الوسط الثقافي والاجتماعي لا يزال مؤثراً، بدليل أن معظم نسخ الدويان بيعت في أكثر من طبعة خلال فعاليات معرض بغداد الدولي للكتاب في نسخته الـ 22، ما يعكس أنه لم يزل في أوجه، وكأنه لم يغادرنا.
عاش الجواهري، الشاعر القلق المتمرد، عمراً مديداً، رافق فيه ولادة الدولة العراقية، وكتب عن كل ما مرّت به من صراعات، فضلاً عن مشاركته شعرياً وأدبياً في معظم الأحداث العربية والعالمية، ما جعل قصيدته مؤرخة للوقائع الكبيرة في التّاريخ العربي، لتبدو قصيدته العمودية الواعية محركاً للأحداث. ونحن نتحدث عن الجواهري، علينا ألا نغفل «الكاريزما» التي كان يتمتع بها جماهيرياً، وخاصة في مهرجاناته الشعرية، فمعاصروه تحدثوا عن عنفوان شخصيته وتمردها ومزاجها الحاد، وهي مواصفات شعرية تمنح صاحبها هيبة ورهبة، وهذا ما منحه طاقة إيجابية، تضاف إلى قصائده الذهبية، وشعره المنبري الذي لم يفقد ألقه حتى الآن، بمراجعة وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تتوقف عن بث قصائده وسط حفاوة قلّ نظيرها.
ولا يمكن النظر إلى الجواهري من زاوية واحدة، فالرجل ظاهرة منفردة بخصوصيتها التي تضافرت فيها عناصر العمر الطويل والكاريزما الشخصية وفداحة التحولات الفكرية مع اتساق فني، فجدلية الجواهري، أنه حافظ على إطار قديم بروح متحوّلة متوثبة وعصرية، وفي المقاربة الفنية يبدو الشعر العمودي في العراق تحديداً أسيراً لروح الجواهري في موضوعاته وأشكاله وتراكيبه وصوره، باستثناء بعض المحاولات التجريبية في إطار الصورة والمفارقة الشعرية المحدودة التي لا يخفي أصحابها محبتهم وعشقهم للجواهري، صاحب النبرة الحزينة في إلقاء الشعر، لنقول إن ما تبقى من الجواهري هو كلّه، ولا نبالغ إذا قلنا إنه سيد الجيل الشعري الذي عاصره، وكل الأجيال التي كتبت بعد رحيله.