جرائم الشرف أو غسل العار.. ما زالت تخلق انقساماً
2021-08-16 10:23:00
بغداد/ ليث جواد
لا يزال الجدال قائما بشأن جرائم الشرف أو ما تسمى بجرائم غسل العار، فهناك من يراها بأنها عملية تنظيف للمجتمع من أشخاص زناة لم يصونوا عهود الشرف، وآخرون يرون بأنها أصبحت وسيلة لتصفية حسابات داخل الأسرة، إذ يؤكد متخصصون أن معظم هذه الجرائم لا يتم الإبلاغ عليها بصفة جرائم قتل، إنما حالات انتحار.
ويقول قاضي محكمة تحقيق الرصافة فراس حميد عودة لـ(القضاء) إن “جرائم الشرف تعد من اشد الجرائم خطورة على المجتمعات لكونها تمس الأسرة التي هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع وبوقوعها يؤدي إلى تفكك الأسرة وانهيار بناء الدولة”.
وأضاف أن “الشرف له معنى عظيم في المجتمع العراقي بشكل خاص، فهو العلو والرفعة والمكانة العالية وهو يختلف بالتعريف من مجتمع لآخر ومن دولة لأخرى لذا فان الاحكام الخاصة بجرائم القتل بدافع الشرف يمكن حصرها في الجرائم التي يرتكبها الرجل ضد المرأة بحجة اتهامها بالزنا”.
وأوضح عودة أن “جريمة القتل عقوبتها الإعدام في القانون العراقي، إذا توافر احد الظروف المشددة المنصوص عليها قانونا مثلا القتل مع الإصرار أو كان المقتول من أصول القاتل او السجن المؤبد أو المؤقت في جريمة القتل العمد المجردة من الظروف المشدد”.
لكن القاضي ينوه إلى أن “غالبية القوانين الوضعية قد منحت مرتكب جريمة القتل بدافع الشرف والذي هو صورة من صور جرائم القتل العمد منحته ظرفا قضائيا أو عذرا قانونيا مخففا بحجة أن الجاني أثناء تنفيذه للجريمة يكون تحت ضغط نفسي كبير يدفعه لارتكاب جريمته دون أدنى تفكير”.
وأكد عودة أن “قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 تناول جريمة القتل أو العاهة المستديمة بدافع الشرف في المادة 409 والتي نصت على ان يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته او احد محارمه في حالة تلبسها بالزنا أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال أو قتل احدهما أو اعتدى عليهما او على احدهما اعتداء أفضى إلى الموت أو عاهة مستديمة، ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده أحكام الظرف المشدد”.
وتابع القاضي قوله انه “من خلال استقراء النص أعلاه نجد أن المشرع العراقي وضع نصا خاصا للقتل أو الإيذاء الذي ينتج عنه عاهة مستديمة والذي يكون باعثا لجريمة شرف بدلا من النصوص القانونية التي تخص جريمة القتل أو جريمة الإيذاء في الباب الأول للجرائم الماسة بحياة الإنسان وسلامة بدنه”.
ولفت إلى أن “لفظة المحارم التي ذكرت بالقانون جاءت بصورة مطلقة دون بيان الحرمة هل هي أبدية أم مؤقتة وبحسب ما جاء بالنص فانه يسري مثلا حتى على من يقتل شقيقة زوجته في حال تلبسها بالزنا عند قيام الزوجية”.
واوضح ان “عبارة الفراش التي وردت في النص هي الاخرى نرى لا مبرر لها ويمكن استبدالها بعبارة أخرى (حالة التعري) كما ان مفهوم النص لا يسري على من اعتدى على احد الطرفين اعتداء لا يؤدي إلى عاهة مستديمة وان الرأي الفقهي والقانوني بالعراق مستقر على ضرورة تطبيق عذر الاستفزاز للزوج في حالات جرائم الشرف نظرا لأهمية تلك النصوص في فرض الردع العام بحيث تحد من انتشار الرذيلة والتي تدفع كل شخص في التفكير في تداعيات جريمة الزنا قبل ارتكابها” .
وأشار عودة إلى أن “الفاعل لا يستفيد من النص المذكور آنفا في غير الحالتين المذكورتين فيه فلا يجوز القتل او الإيذاء بحجة وجود شكوك في تصرفات تلك المرأة أو وجود إشاعات أن سلوكها غير قويم أو حتى الادعاء بظهور مقدمات الزنا من المجنى عليها كأن يدعي الزوج أو القريب على سبيل المثال بأنه وجد زوجته أو قريبته في حالة مريبة مع رجل آخر ففي مثل هذه الحالة يعاقب الفاعل بعقوبة القتل العمد أو العاهة المستديمة حسب الفعل الذي قام به”.
ولفت إلى “عدم وجود إحصائيات بعدد جرائم الشرف في العراق بل بالعالم العربي اجمعه بسبب عدم الإبلاغ عن معظمها أو بسبب التحايل على القانون كأن يتم قتل المجنى عليها عن جريمة شرف ويتم الإبلاغ فيما بعد عن بأنها حالة انتحار فضلا عن وجود جرائم قتل تقع بسبب الميراث ويتم الادعاء من ذوي المجنى عليه بان الوفاة كانت نتيجة انتحار أو تم قتلها بدافع الشرف”، لافتا الى انه “غالبا ما يتم كشف حقيقة الجريمة من قبل القضاء بطرق الإثبات المختلفة مثل الإقرار الاستماع للشهود الأدلة المادية المرفوعة من محل الحادث التقرير الطبي التشريحي الذي يبين سبب الوفاة تقرير الخبراء والفنيين وغيرها” .
من جانبه ذكر الباحث الاجتماعي حسن حمدان لـ(القضاء) أن “المجتمع يدفع من خلال أدواته الضاغطة المتمثلة بالعادات والتقاليد والقيم إلى القيام بقتل المرأة في حال المساس بشرفها للتخلص من العار والفضيحة الاجتماعية وفي بعض الاحيان دون التأكد من الواقعة وهل فعلا وقعت ام لا”.
وأضاف أن “المجتمع يعتبر عملية القتل جاءت لتنظيف المجتمع من الحالات السيئة وتطهير الأسرة في حين أن الشرع والقانون يقفان بالضد من هذه الجرائم لصعوبة إثباتها إلا أن العرف العشائري مؤيد وداعم لها مع شديد الأسف”.
وأشار حمدان إلى “ضرورة إيجاد حلول لهذه المشكلة وهذا لا يتم ما لم تتوحد المؤسسات ذات الطابع الديني والمدني من اجل تثقيف المجتمع بضرورة التخلص مما يسمى بغسل العار لأنها تتعارض مع المفهوم الديني والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان لان الدين ينظر إلى الواقعة بأنها لا تثبت إلا بوجود شهود عدول أربعة يرون حالة الزنا”، وتابع أن “الفقه الإسلامي وضع عقوبات على الشهود بحيث إذا شهد ثلاثة ولا يشهد الرابع معهم يتعرض الثلاثة إلى الجلد ويجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة وهذا ان دل على شي فأنه يدل على خطورة هذه المسألة”.
مضيفا أن الإسلام أعطى حق القصاص في هذه المسألة إلى القاضي بعد التأكد من صحة الواقعة ولم يعطيها إلى إنسان عادي”.
موضحا انه “يجب أن تتعامل العوائل مع هذه الأمور عن طريق الكتمان ومنع انتشار الفضيحة وعدم تداولها ونقلها بين أفراد المجتمع أو الرحيل عن المنطقة للخلاص من الفضيحة “.