محلية

ضحايا “المخبر السري” في العراق: سنوات بانتظار محاكمات عادلة

29 سبتمبر 2021

على الرغم من إقرار السلطات العراقية في أكثر من مناسبة خلال السنوات الماضية بتسبب ما يعرف بنظام “المخبر السري” الذي أقر في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006 ـ 2014) كأحد أساليب تحصيل المعلومات الأمنية آنذاك بانتهاكات إنسانية وقانونية واسعة، إلا أن آلاف المواطنين من ضحايا هذا النظام ما زالوا في السجون، فيما يطالب ذووهم السلطات بإعادة محاكمتهم، أو السماح لهم باستئناف الأحكام التي صدرت بحقهم بناءً على معلومات “المخبر السري” التي لا تخلو في حالات عدة من الكيدية.

ويقضي نظام “المخبر السري”، الذي ابتدع في عهد نوري المالكي كأحد أساليب تحصيل المعلومات الأمنية، بمنح مكافآت مالية للأشخاص الذين يقدمون معلومات أمنية، وعادة ما تتبنى قوات الأمن هذه المعلومات في التحرك ضد الأشخاص الذين يستهدفهم المخبر السري. وقد تسببت وشايات من عملوا في إطار هذا النظام في زج عشرات الآلاف من الأشخاص في السجون، علماً بأنه تم تقديم معلومات غير صحيحة في كثير من الأحيان، طمعاً بالمال أو بسبب عداوات أو مشاكل شخصية.

وأقر مجلس القضاء الأعلى عام 2014، في بيان رسمي له، عقب أشهر من تشكل حكومة حيدر العبادي خلفاً لحكومة المالكي، بتسبب هذه الآلية بمشاكل عدة وإلحاق الظلم بالمواطنين. وقال رئيس المجلس آنذاك، مدحت المحمود، إن 498 مخبراً سرياً في بغداد وحدها تمت إحالتهم للقضاء بتهمة البلاغ الكاذب، متحدثاً عن “رفض أن يكون القضاء جسراً للسياسيين”.

مسؤول قضائي: مجلس القضاء على استعداد لإعادة محاكمة من تمت إدانتهم سابقاً بناءً على وشايات المخبر السري

وأمس الثلاثاء، قال مسؤول قضائي عراقي في بغداد، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “مجلس القضاء على استعداد لإعادة محاكمة من تمت إدانتهم سابقاً بناءً على وشايات المخبر السري، أو من يدّعي أن اعترافاته انتزعت منه تحت التعذيب”. وأضاف أنه “في حال تم التوافق على تنفيذ هذه الخطوة سياسياً، لن تكون هناك مشكلة بالنسبة للقضاء في توفير لجان مختصة داخل السجون لمراجعة القضايا”، مقراً في الوقت ذاته بأن “الفترة الماضية شهدت حالة فوضى أدت لوجود أحكام قضائية غير صحيحة أو مبالغ بها بحق أبرياء”. وأوضح أنه “من الممكن تشكيل لجنة قضائية برلمانية لمراجعة وضع السجناء وتسلّم التظلمات أو حتى الأدلة والدفوعات التي تثبت براءتهم، لكن الموضوع منوط برئيس الجمهورية أولاً من الجانب الدستوري، وبالإرادة السياسية للمضي بهذه الخطوة”.تقارير عربية

“شركس العراق”.. أقلية تبحث عن تمثيلها الأول في البرلمان المقبل

من جانبه، قال رئيس حزب “الخيار العربي”، النائب السابق عبد الكريم عبطان، إن “نظام المخبر السري يمثل واحدة من القضايا الوقحة التي ما زالت آثارها شاخصة لغاية الآن”. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد” أنه “في دول العالم، يتم الاعتماد على أشخاص موثوقين وأمناء في مسألة التعاون الأمني، لكن بالنسبة للحالة العراقية، فإن معلومات المخبر السري كانت عبارة عن وشايات بسبب عداوات شخصية أو طمعاً بتحصيل المال نظراً للمكافآت التي يحصل عليها المخبرون مقابل أي معلومات يقدمونها”. واعتبر أن “قرار إحالة نحو 500 من المخبرين السريين إلى القضاء بتهمة تضليل العدالة يجب أن يكون دافعاً لإعادة فتح قضايا كثير ممن تضرروا بسبب وشايات المخبر السري”، مؤكداً أن “هناك أعداداً كبيرة من المواطنين في السجون نتيجة وشايات هؤلاء المخبرين، ويمكن التعامل مع قضاياهم (المواطنين) من جانب إنساني وحقوقي، بتوفير محاكمات لهم ومراجعة الإفادات التي دفعت بهم لأن يكونوا ضحايا الظلم”.

بدوره، أكد عضو البرلمان العراقي، صادق عبد الرسول، “ضرورة تسهيل إعادة المحاكمات في قضايا المخبر السري، كي يكون هناك إنصاف في الأحكام، لأن الحكم يجب أن يبنى على اليقين وليس على الشك”. ودعا عبد الرسول، في حديث مع “العربي الجديد”، القضاء العراقي إلى “النظر بقضايا ضحايا المخبر السري، والتحقق من الإكراه والضغط الذي تعرض له المتهمون أثناء التحقيق”، مشدداً على “ضرورة وجود قرائن أخرى ترافق القضايا غير الإكراه”. ولفت إلى أنه “توجد لجان لمتابعة هذه القضية، لكن عملها ليس بالمستوى المطلوب ولا توازي أعداد السجناء”، مبيناً أنّ “المنازعات السياسية تسببت أحياناً في زج أبرياء في السجون”.

عبد الرسول: المنازعات السياسية تسببت أحياناً في زج أبرياء في السجون

في السياق ذاته، قالت المديرة الإقليمية لـ”مركز الرافدين الدولي للعدالة وحقوق الإنسان”، حنان عبد اللطيف، إن “السلطات العراقية ما زالت تماطل بشأن التوقيع على اتفاقية مناهضة التعذيب، على الرغم من أن ذلك مثبت في الدستور العراقي النافذ في البلاد”. وأوضحت في حديث مع “العربي الجديد” أنهم في “مركز الرافدين الدولي للعدالة وحقوق الإنسان”، “وثقوا المئات من الحالات الموجودة في السجون لمعتقلين أدينوا بتهم وجرائم بناءً على وشايات المخبر السري أو بانتزاع اعترافات منهم تحت التعذيب المفرط، الذي يتعرض له المعتقلون بشكل ممنهج ومعروف داخل أقبية الأجهزة الأمنية”. وتابعت عبد اللطيف: “كانت هناك للأسف جرائم تعذيب واعتداء جنسي وحرمان من الماء، كما سجلت حالات قتل بين الضحايا داخل مراكز التحقيق”.

واعتبرت المتحدثة ذاتها أنّ “الحل الأمثل والسريع لمعالجة هذه الأزمة الإنسانية والأخلاقية هو إجراء محاكمات جديدة لكل من ثبت تعذيبه أو من أُدخل السجن بمعلومات المخبر السري، وتوفير الاستشارة القانونية المجانية للضحايا من خلال محامين مستقلين”.

وكأحد الأمثلة على ضحايا نظام المخبر السري، قال أحمد المشهداني، وهو من سكان منطقة المشاهدة شمالي بغداد، إن شقيقه “اعتقل من قبل قوة أمنية عام 2013، بسبب وشاية من مخبر سري”، موضحاً في حديث مع “العربي الجديد” أنه “صدر بحقه حكم بالسجن لمدة عشر سنوات، ولم يطلق سراحه على الرغم من أن المخبر السري تم اعتقاله بتهم تقديم بلاغات كاذبة وأدين بالسجن أيضاً. كما لم تتم الموافقة حتى على إعادة محاكمة شقيقي”.

لا توجد أرقام رسمية حول ضحايا نظام “المخبر السري” في العراق

ولا توجد أرقام رسمية حول ضحايا نظام “المخبر السري” في العراق، لكن سياسين وحقوقيين يتحدّثون عن عشرات الآلاف من الذين تم الزج بهم في السجون بسبب المعلومات التي قدمها مخبرون سريون، خاصة بين عامي 2008 و2014. كما أن هذه الآلية ذاتها ما زالت متبعة ولم تنته أساساً، إذ مُنح قادة وأمراء الأولوية والفرق العسكرية بالجيش صلاحية التعاون مع متعاونين محليين لجلب وتوفير المعلومات لقاء مكافآت، وهو ما يمثل وجهاً آخر للمخبر السري الذي تترتب على معلوماته اعتقالات عادة ما يتخللها تحقيق تستخدم فيه مختلف وسائل التعذيب والضغط النفسي.

ويقترب عدد السجناء في العراق من عتبة المائة ألف، منهم أكثر من 70 ألف موزعون على 9 سجون تابعة لوزارة العدل، بينما يتوزع العدد المتبقي على سجون تعرف بالمؤقتة تتبع وزارات الداخلية والدفاع، إضافة إلى سجون تتبع أجهزة أمنية أخرى مثل جهازي المخابرات والأمن الوطني.

وقالت وزارة العدل العراقية في 6 سبتمبر/أيلول الحالي، إن “عدد المحكومين بقضايا الإرهاب يزيد عن 50 ألف سجين، منهم 25 ألف محكومين بالإعدام“. وبحسب تصريح أوردته وكالة الأنباء العراقية الرسمية “واع”، للمتحدث باسم الوزارة أحمد لعيبي، فإن “90 في المائة من أحكام الإعدام تلك لم تنفذ لعدم اكتسابها الدرجة القطعية، أو أن بعض المحكومين لم يصدر مرسوم جمهوري بإعدامهم”. وأضاف أن “أي حكم يكتسب الدرجة القطعية ويصدر به مرسم جمهوري يتم تنفيذه، لكن أحياناً يستجد أمر أو نقص في الأوراق التحقيقية أو يخضع الحكم للتمييز، وتبقى القضية معلقة”.