اخبار امنية

اصطياد “القاعدة” و”داعش” في مناطق الاحتلال التركي: رسائل أميركيّة أم تضليل؟

30-10-2021 | 07:10 المصدر: النهار العربيعبدالله سليمان علي

طائرات أميركية مسيرة شنت الغارات على “القاعدة” و”داعش”

A+A-كثفت، أخيراً، الطائرات الأميركية من دون طيار غاراتها على مناطق في شمال وشمال شرقي سوريا التي تحتلها تركيا، ضد أهداف يعتقد أنها تابعة لتنظيمي “القاعدة” و”داعش”. وإذا كانت القيادة المركزية الأميركية قد اعتادت على ملاحقة عناصر “داعش” وقادتها في مناطق الاحتلال التركي، فإن ما كرّس صورة هذه المناطق باعتبارها أصبحت تشكل ملاذاً آمناً لجميع الإرهابيين على مختلف انتماءاتهم، هو احتضانها المستجد لقادة “القاعدة” بعدما كانوا محصورين في منطقة خفض التصعيد في إدلب. وفي غارة هي الأولى من نوعها، استهدفت طائرة مسيّرة أميركية، قبل عشرة ايام تقريباً، من قال بيان القيادة المركزية الأميركية إنه قياديّ بارز في تنظيم “القاعدة”. وقال البيان: “أسفرت ضربة جوية أميركية في شمال غربي سوريا عن مقتل القيادي البارز في تنظيم القاعدة عبد الحميد المطر”. وشدد البيان على أن “تحييد هذا القائد البارز للقاعدة سيعطل قدرة التنظيم الإرهابي على مواصلة التخطيط وتنفيذ هجمات عالمية تهدد المواطنين الأميركيين وشركاءنا والمدنيين الأبرياء”. ووقعت الغارة بالقرب من بلدة سلوك في الريف الشمالي لمحافظة الرقة، في منطقة تسيطر عليها القوات التركية وحلفاؤها من الفصائل المسلحة السورية، وهي المرة الأولى التي تصطاد فيها طائرة أميركية قيادياً من “القاعدة” خارج منطقة خفض التصعيد في إدلب، وتحديداً في نطاق جغرافي تحتله القوات التركية منذ خريف عام 2019. ولم تمض سوى أيام قليلة على هذه الغارة التي حظيت باهتمام خاص من المراقبين السوريين، لتفكيك ما انطوت عليه من شفرات ورسائل، في توقيت حساس تمر به منطقة شرق الفرات، حتى قامت طائرات أميركية أخرى يوم الإثنين الماضي بتنفيذ غارة جديدة أسفرت عن مقتل أبو حمزة الشحيل في منطقة قريبة من مدينة رأس العين في ريف الحسكة، وهي بدورها منطقة احتلتها القوات التركية ضمن عملية نبع السلام. وجاءت الغارتان الأميركيتان بالتزامن مع قيام أنقرة بتسخين الأجواء في منطقتي ريف حلب الشمالي وشرق الفرات، استعداداً لتنفيذ عملية عسكرية جديدة واظب المسؤولون الأتراك على التهديد بها منذ أسابيع عدة. وقاد ذلك إلى الاعتقاد أن تكثيف الطائرات الأميركية غاراتها في تلك المناطق يهدف إلى تأكيد الموقف الأميركي الرافض لأي عملية عسكرية جديدة، من شأنها أن تخرق اتفاقات وقف إطلاق النار، وذلك بعدما كانت واشنطن قد وضعت العراقيل في وجه التهديدات التركية من خلال إعلانها أنها لا تنوي الانسحاب من سوريا، الأمر الذي فهم على أنه رسالة موجهة إلى أطراف عدة، من بينها أنقرة، مفادها أن أي تحرك عسكري تركي سيكون من دون غطاء أميركي.  لكنّ الرسالة الجديدة التي انطوت عليها الغارات الأميركية ضد شخصيات وقيادات من تنظيمي “القاعدة” و”داعش” موجودة ضمن مناطق الاحتلال التركي، هي أنه إذا كانت أنقرة تتذرع بمحاربة الإرهاب من أجل تنفيذ عملية عسكرية ضد “قوات سوريا الديموقراطية” التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني، فإن عليها أن تنتبه إلى أن مناطق سيطرتها أصبحت ملاذاً آمناً تأوي إليه قيادات وشخصيات من تنظيمات إرهابية مصنفة على قوائم الإرهاب الدولي، مثل “القاعدة” و”داعش”. وكأن الغارتين الأخيرتين أرادتا خلق معادلة في وجه التهديدات التركية بأن الإرهاب واحد، وأن أي طرف إقليمي يسعى الى مواجهته عليه عدم التمييز بين تنظيم وآخر، بحيث يكون تنظيم ما في قلب الاستهداف التركي، بينما تحصل تنظيمات أخرى على تسهيلات تتيح لها التحرك والاختباء في مناطق سيطرة القوات التركية، وهي المعادلة نفسها التي تحاول أنقرة مواجهة واشنطن بها بسبب ملاحقتها تنظيم “داعش” من جهة، وتحالفها في الوقت نفسه مع تنظيم تعتبره أنقرة إرهابياً هو حزب العمال الكردستاني وامتداده السوري “قوات سوريا الديموقراطية”. وقد لا يكون ثمة خلاف على مبدأ “الرسالة” التي تريد واشنطن توجيهها في هذا التوقيت، لكبح جماح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المتعطش لأي عملية عسكرية جديدة من شأنها أن ترفع أسهم شعبيته التي شهدت هبوطاً كبيراً أخيراً، غير أن معطيات عديدة، فضلاً عن التضارب الذي حصل حول المعلومات المتوافرة عن القياديين اللذين استهدفتهما الطائرات الأميركية، من شأنها أن تجعل مضمون هذه الرسالة غير واضح، أو على الأقل يؤدي إلى التقليل من تأثيرها. أولاً بالنسبة إلى عبد الحميد المطر المعروف بلقب أبي عبد الله الرقّاوي الذي استهدفته طائرة أميركية يوم الجمعة، بذريعة أنه يهدد الأمن الأميركي، فإن المعلومات المتوفرة عن الرجل ليس فيها ما يشير إلى امتلاكه قدرات وإمكانات يمكنه استغلالها بهدف ضرب مصالح أميركية داخل سوريا أو خارجها. وكان الرقاوي ينتمي في السابق إلى “هيئة تحرير الشام” بقيادة أبي محمد الجولاني، لكنه انشقّ عنها وانضم إلى تنظيم “حراس الدين” التابع لتنظيم “القاعدة” العالمي. ولم يكن يعتبر من قيادات الصف الأول في “حراس الدين”، بل كان مجرد قائد ميداني عادي، بل على العكس من ذلك وردت معلومات شبه مؤكدة أنه ترك تنظيم “حراس الدين” واختار العودة إلى مسقط رأسه في الرقة لتمضية حياته الطبيعية. ولا يمكن التغاضي عن عودة المطر إلى الرقة، باعتبارها خطوة تمويهية من ضمن المساعي التي يبذلها “حراس الدين” للتوسع والتمدد خارج منطقة خفض التصعيد في إدلب، لمواصلة استراتيجيته الجديدة القائمة على أساس “استهداف خلف خطوط العدو”، أي تنفيذ عمليات انتحارية ضمن مناطق سيطرة روسيا وإيران والجيش السوري، وهو ما حصل فعلياً من خلال استهداف القاعدة الروسية بالقرب من عين عيسى العام الماضي، واستهداف حافلة لضباط من الحرس الجمهوري قبل بضعة أشهر، وتبنى “حراس الدين” المسؤولية عنهما. غير أن ما سبق ينبغي ألا يتعارض مع المعلومة الأساسية المعروفة عن الرقاوي، وهي أنه أصبح خصماً عنيداً للجولاني منذ إعلان الأخير انفكاكه عن تنظيم “القاعدة”، حتى أن تسريبات من داخل جهاز الأمن العام التابع لـ”هيئة تحرير الشام” في إدلب، ذكرت اسم الرقاوي من بين أسماء لقيادات وعناصر وضع الجولاني مكافأة مالية لمن يقتل واحداً منها. وذكر حساب “مزمجر الثورة السورية” على تلغرام، المعروف بمناهضته للجولاني، أن “جهاز الأمن العام وضع مكافأة مالية كبيرة لمن يقتل صاحب أحد الأسماء الآتية: أبو الفضل الليبي، أبو عبد الرحمن الليبي، سهل الجزراوي، أبو عبد الرحمن المكي الجزراوي، أبو أحمد الرقاوي، أبو عبد الله الرقاوي”.فهل هي مجرد صدفة أن تقوم طائرة أميركية باستهداف خصم للجولاني، أم أن هناك قنوات لتبادل المعلومات على خط إدلب – واشنطن يستخدمها الجولاني وأتباعه لتمرير معلومات مغلوطة إلى الجانب الآخر، لاستغلال إمكاناته بهدف تصفية خصومه الداخليين؟ أما بالنسبة الى أبي حمزة الشحيل، فقد تضاربت المعلومات حوله كثيراً، اذ اعتبره بعضهم قيادياً بارزاً في تنظيم “داعش”، وأكدوا أن الشحيل كان يشغل منصب عضو مجلس الشورى في التنظيم. وقال آخرون إن الشحيل لم تكن له أي علاقة بتنظيم “داعش”، وكان مجرد تاجر سلاح استغل الأزمة السورية لتنشيط تجارته وتحقيق أرباح فلكية جراءها. بينما قال قسم ثالث إن الشحيل كان مبايعاً لتنظيم “داعش” بالسر، وكان يستغل علاقته بفصائل “الجيش الوطني” الممول من تركيا بهدف تسهيل عمليات “داعش” في المنطقة، وتهريب قياداته وعناصره إلى إدلب بالقرب من الحدود السورية – التركية، حيث تم اغتيال أبي بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق قبل عامين. واللافت أن استهداف الشحيل جرى بينما كان في مقر قائد الفرقة 20 التابعة لـ”الجيش الوطني السوري” في منطقة العداونية في ريف مدينة رأس العين، وهو ما من شأنه أن يشكل فضيحة للقوات التركية المنتشرة في سوريا، لأن ذلك يعني أن قيادات “داعش” أصبحت تتخذ من مقارها أو مقار حلفائها أماكن للاختباء والتخفي عن أعين الراصد الأميركي. وما يعزز ذلك أن قوات أميركية نفذت في صيف عام 2019 إنزالاً جوياً في بلدة الشحيل في ريف دير الزور، بهدف اعتقال أبو حمزة الشحيل أو قتله، لكن المهمة في حينها أخفقت وتمكن الشحيل من الفرار لتغيب أخباره إلى أن استُهدف أخيراً. ويمكن الاستخلاص من ذلك أن الشحيل فرّ من الإنزال الجوي إلى مناطق الاحتلال التركي، حيث وجد الحماية والأمان طيلة عامين. ومع ذلك، فإن الشحيل، واسمه الحقيقي صباحي إبراهيم المصلح، لم يعد يعتبر من الأهداف الدسمة التي تستحق أن تحلق طائرات أميركية لساعات من أجل اصطياده، إلا لناحية واحدة هي أنه بات مع أفراد عائلته من خصوم “قوات سوريا الديموقراطية”، وممن يعملون ضد سيطرتها في دير الزور والرقة، ولعلّ هذا ما دفعه إلى الالتحاق بالفرقة 20 باعتبارها ذراعاً تركية لمواجهة هذه القوات ومحاربتها. وبما أن شقيق صباحي معتقل منذ سنوات في سجون “قوات سوريا الديموقراطية”، فإن من شأن ذلك أن يطرح تساؤلات وشكوكاً حول الجهات التي تعتمد عليها القوات الأميركية لتوفير معلومات عن الأهداف التي تقوم بضربها داخل الأراضي السورية، وهل أصبحت الطائرات الأميركية مجرد أداة تستخدمها بعض الأطراف لتصفية خصومها وتعزيز سيطرتها، وأين هي استراتيجية محاربة الإرهاب في سياق كل ذلك؟