مقالات

بخصوص التّمايز والتّشابه بين الإسلام السّياسي “الشّيعي” و”السنّي”

22-01-2022 | 05:10 المصدر: النهار العربي

ماجد كيالي

ماجد كيالي

اجتماع في بيروت بين نصر الله واسماعيل هنية في حزيران (يونيو) 2021.

A+A-مع نهاية القرن الماضي انهارت الأيديولوجيتان القومية واليسارية اللتان سادتا في العالم العربي لحقبة من الزمن، الأولى، بسبب عجزها إزاء إسرائيل، كما تبين في هزيمة أو نكبة حزيران (يونيو 1967)، وبحكم تحولها مجرد غطاء للأنظمة الديكتاتورية الحاكمة التي تبنتها (سوريا والعراق وليبيا). والثانية، حصلت نتيجة لتداعيات انهيار الاتحاد السوفياتي (السابق)، في مطلع تسعينات القرن الماضي، وبحكم هشاشة الأحزاب اليسارية التي تبنّتها. بيد أن ذلك الانهيار صاحبه صعود تيار الإسلام السياسي الذي ملأ الفراغ الحاصل في البلدان العربية، أو حاول ذلك، مع تأكيد أن ذلك التيار لم يكن من طبيعة واحدة، بل كان متنوعاً، كمثل التنوع الذي عرفته التيارات القومية واليسارية. إذ مثلما ثمة إسلام سياسي معتدل ومدني ودعوي ومعاصر، ثمة إسلام سياسي متطرف وجهادي ومقاتل وسلفي، علماً أن تيار الإسلام السياسي لا يقتصر على ما يُعرف بالإسلام السياسي “السني”، على ما جرت العادة خطأ، بل هو يشمل الإسلام السياسي “الشيعي” أيضاً. وفي الحقيقة، فإن التمييز بين الإثنين يضعنا بين إسلام سياسي “شيعي” يبدو أكثر حركة وتأثيراً ونفوذاً وعمقاً في مجتمعاته، وإسلام سياسي “سني” يبدو أكثر ضجيجاً، ويحظى بأضواء مسلطة، في نظرة سلبية وعدائية، أكثر بكثير من الأول.  أيضاً، ما ينبغي إدراكه، لجهة التمييز، أولاً، أن قوة الإسلام السياسي “الشيعي”، تتأتى من عوامل متعددة، أولها استناده إلى دولة مركز، هي إيران، فيما لا دولة مركز للإسلام السياسي “السني”، لا مصر ولا السعودية، ولا تركيا، ولا إندونيسيا، ولا أي دولة. ثانياً، الإسلام “الشيعي” لديه تراتبية أو هيكلية تنظيمية، بخصوص المراتب الدينية، والمقلدين، وهذا لا يتوفر للإسلام “السني”، ما يضفي قوة ومشروعية دينية على الكيانات السياسية للأول (كمثال “حزب الله” في لبنان)، فيما يضعف الكيانات السياسية للثاني أو يشتّتها، ويثير شبهات حول شرعيتها. ثالثاً، أن الإسلام “الشيعي” لديه إمام، هو المرشد الأعلى أو “الولي الفقيه” (خامنئي)، وهو في الواقع بمثابة “خليفة” في المنظور “السني”، فيما لا إمام في الإسلام “السني” ولا زعيم، ولم يعقد الولاء لأحد في الحقب الماضية. رابعاً، أن العصبية، أو ما يُسمى المظلومية، عند الطائفة “الشيعية” تغذت عبر التاريخ، في حين أن “السنّة” لا يعرفون أنفسهم كطائفة، ولا يدركون ذواتهم كطائفة، وليس لديهم مظلومية تاريخياً كسنّة باستثناء حالات وحقب قليلة ربما. خامساً، أن الإسلام السياسي “الشيعي”، في البلدان العربية، يستند إلى موارد منتظمة وكبيرة تأتيه من الدولة المركز، فيما يفتقد الإسلام السياسي “السنّي” موارد منتظمة، وإن وجدت فهي تخضع لمزاجيات ولتوظيفات متباينة ومختلفة. سادساً، وأخيراً، الإسلام السياسي “الشيعي” بات يعقد ولاءه لميليشيات طائفية مسلحة، في حين أن الأمر لم ينجح مع الإسلام السياسي “السنّي”، الذي تعددت ولاءاته وتوظيفاته وتضاربت مصالحه، كما شهدنا في الحالتين السورية والعراقية. في هذا الإطار يجدر التذكير بخطاب لحسن نصر الله، الأمين العام لـ”حزب الله”، قال فيه: “الإمام الخامنئي سيدنا وقائدنا وإمامنا وحسين هذا الزمان”. بيد أن هذا الافتراق، أو التمايز، بين الاثنين، كنتاج لصراعات السياسة والسلطة، لا ينفي وجود مشتركات، إذ هما يتماهيان بإحالتهما كل شيء إلى المقدس، للتهرب من المسؤولية والمساءلة، ولتنزيه أفعالهما، بادعاء العصمة، علماً أن السياسة هي شغل البشر، وتخضع للمصالح والأهواء والمزاجيات والانحيازات الثقافية. هكذا، فإن المشكلة مع تيار تديين السياسة وتسييس الدين، لدى تيارات الإسلام السياسي “السني” و”الشيعي” (كما المسيحي أو اليهودي بكل فرقهما)، سعي كل واحد منهما الى الإحالة إلى الدين أو إلى الذات الإلهية، وهو هنا لا يتعدى على حقوق البشر ويجعل من نفسه مقدساً، فقط، بل أيضاً يحاول مصادرة الذات الإلهية، واعتبار نفسه أو جماعته أوصياء على الدين، علماً أن كل طرف، حتى في إطار الدين، أو المذهب ذاته، يكفّر الآخر، أو يخرجه عن صحيح الدين، أو يخرجه من إطار الفرقة الناجية.  ولعل ذلك الوضع بالذات بالنتيجة هو الذي يدفع تلك التيارات الى تقويض شرعيتها، أكثر مما تفعل بها التيارات الأخرى، وهذا ما اختبرناه في التجربة مع “حزب الله” و”عصائب الحق” و”زينبيون” و”فاطميون” و”جبهة النصرة” وأخواتها من الفصائل العسكرية السورية المتغطية بالدين، التي تقاتلت في ما بينها، أكثر مما قاتلها أي أحد آخر، والتي قوّضت شرعيتها أكثر مما قوّضها أي طرف آخر، علماني أو يساري أو قومي. في المحصلة، فإن ظاهرة انفجار التيارات الإسلامية المقاتلة والتكفيرية والمتطرفة وتفسّخها، والتي أتت على شكل “القاعدة” أو “داعش” أو أي من أخواتهما، لا تقتصر على التيارات الإسلامية التكفيرية والعنفية “السنّية”، إذ تشمل الجماعات الإسلامية الميليشيوية “الشيعية”، أيضاً، وهو ما يحصل هذه الأيام في العراق وفي لبنان وسوريا واليمن، مع فصائل “حزب الله”، و”عصائب الحق” و”زينبيون” و”فاطميون” والحوثيين وغيرها. ليس ثمة مخرج هنا لتيارات الإسلام السياسي (وهذا ينطبق على التيارات القومية واليسارية والعلمانية والليبرالية) سوى اعتبار نفسها حزباً دنيوياً مدنياً، يخضع للمساءلة والمحاسبة وللدستور والقانون، بغضّ النظر عن خلفيّته الفكرية، ولا حل إلا بدستور يكفل الحقوق والحريات والمساواة لجميع المواطنين، من دون أي تمييز، لا بسبب الدين ولا لأي سبب آخر، بمعنى دستور يحمي الدين وينزّهه عن استغلال البشر وأهوائهم ومصالحهم الضيقة، ويحمي حقوق المتديّنين والعلمانيين، أو أي كان، سواء كان هذا الطرف في السلطة أم خارجها، في الأكثرية السياسية أم في الأقلية السياسية، لكن كل ذلك يتطلب أساساً قيام تيارات الإسلام السياسي المعتدل والمدني والدعوي بنزع شرعية التيارات المتطرفة والجهادية والسلفية والعنفية والمتعصبة، بدل التصالح معها أو مجاملتها بدعوى “أخوّة المنهج”، لأن ذلك تمخض عن كارثة كما تبين في التجربة في سوريا والعراق ولبنان واليمن. باختصار، الإسلام السياسي، سنياً أو شيعياً، وبالعكس، هو ظاهرة سياسية تخضع لأحكام البشر، وأمزجتهم، ومصالحهم، واجتهاداتهم، ويجب عدم إضفاء أي قداسة عليها، ولا قبول ادعاء أي تماه بينها وبين الدين، ولا بينها وبين المتدينين، ويفترض التعامل معها مثلها مثل أي أحزاب سياسية، بما لها وما عليها، وكله تحت طائلة القانون، ومبادئ الدستور وحقوق المواطنة.