هواجس متعاظمة لأكراد كركوك من عودة “التّعريب المغلّف”
17-07-2022 | 06:50 المصدر: النهار العربي
أحد مداخل مدينة كركوك.
A+A-طوال الأسابيع الماضية، تصاعدت شكاوى القوى السياسية والمنظمات المدنية الكردية ضمن محافظة كركوك العراقية من محاولات التغيير الديموغرافي التي تشهدها المحافظة، بالذات مدينة كركوك نفسها. معظم الاتهامات توجه إلى سلطة الحكم المحلي في المحافظة بعدم معاملتها أبناء المحافظة بالسوية نفسها ووفق القوانين المرعية، وإثارة ضغوط على الأكراد، سواء على مؤسساتهم السياسية والاقتصادية والبيروقراطية، أم على أحيائهم ومناطق سكنهم.
ثلاثة حوادث بارزة ظهرت للعلن خلال هذه الفترة، أشار كل واحد منها إلى المجريات في المحافظة، المتنازع عليها بحسب المادة 140 من الدستور العراقي، والتي تشهد مزيداً من الاستقطاب راهناً. يشير الكرد إلى الإحصاءات الرسمية حول العقارات في المحافظة، حيث شُيّدت 63 ألف وحدة سكنية داخل المدينة خلال السنوات الخمس الماضية، شكلت حياً جديداً باسم “حيّ بدر”، الأغلبية المطلقة من سكانه هم من النازحين والوافدين الجدد من منطقة الحويجة جنوب غربي المدينة ذات الغالبية العربية.
وإضافة إلى اتهام السلطات المحلية بتهيئة الأرضية القانونية والتخطيطية لتحويل الأراضي في تلك المناطق والأحياء إلى أمكنة جذابة لتشييد المنازل، بالذات الأراضي التي تعود ملكيتها للوزارات والمؤسسات الحكومية، على العكس مما تفعله مع باقي أحياء المدينة، تحديداً ذات الأغلبية الكردية، فإن السلطات المحلية تسهل عمليات نقل استمارات التموين والتعليم والسجل المدني إلى داخل المدينة.
الحدث الثاني تمثل بصدور حكم محكمة جنايات محافظة كركوك التي حكمت غيابياً على أربعة أعضاء في مجلس المحافظة بالسجن لمدة 15 عاماً، لأنهم لم يسلموا السيارات التي في حوزتهم إلى السلطات الحكومية.
المحكومون الأربعة هم من أعضاء “قائمة التآخي” الكردية التي تشكل أغلبية أعضاء مجلس محافظة كركوك، لكن منذ حوادث خريف عام 2017، فإن العديد من أعضاء القائمة غادروا المحافظة، خشية ما قد يواجههم من عواقب، بالذات لأنهم اشتركوا في “استفتاء الاستقلال” الذي نُفذ في إقليم كردستان في شهر أيلول (سبتمبر) من عام 2017. “حالة استثنائية” دائمة!الباحثة والناشطة الكردية بيمان ساري شرحت لـ”النهار العربي” كيف أن المشهد العام في المحافظة يُظهر وجود تناغم بين مختلف الجهات الساعية إلى تغيير البنية الأساسية في المحافظة من جديد، من خلال تأبيد الحالة الاستثنائية الراهنة. وتقول: “ما يجب أن يكون معروفاً تماماً هو أن السلطة المحلية الحاكمة للمحافظة راهناً هي سلطة غير شرعية، ومن المفترض أن تكون موقتة، بحسب القوانين العراقية نفسها. فالمحافظ الحالي عينه رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي بقرار تنفيذي، كوكيل موقت لمنصب المحافظ، ولم يُنتخب من مجلس المحافظة، وتالياً ثمة إسقاط للمبدأ الجوهري للتوافقية في المحافظة المتنازع عليها، أي التوافقية ضمن مجلسها، الذي هو بمثابة برلمان المحافظة ومركز العمل السياسي وتطبيق القانون العام ضمنها”.
مؤتمر لـ”الجبهة العربية الموحدة” في كركوك، تموز (يوليو) 2019. تضيف ساري: “يواجه الأكراد في محافظة كركوك ما يحدث معهم في المشهد العراقي العمومي. فالسلطة الحاكمة في كلا المستويين، تشعر أن مجموع الحقوق والمكاسب التي حصل عليها المواطنون الأكراد أثناء السنوات الماضية، يمكن قضمها بالتقادم، وعبر العديد من الأدوات، السياسية والقانونية والاقتصادية وحتى العسكرية، بحيث يعود العراق فعلياً كدولة عربية ذات نظام مركزي”.
الحدث الثالث تمثل بإعلان أعضاء لجنة “المناطق الكردستانية خارج إدارة إقليم كردستان” استيلاء السلطات المحلية في محافظات كركوك ونينوى وديالى على قرابة 27 ألف دونم من الأراضي الزراعية للمواطنين الأكراد في هذه المحافظات الثلاث، بالذات في محافظة كركوك حيث تعتمد السلطات المحلية على الأوراق التي كانت قد أصدرتها سلطات النظام العراقي الأسبق، في ذروة عمليات التعريب المعلن التي كانت تمارسها خلال الثمانينات من القرن المنصرم، من دون أي عودة إلى – أو قبول بـ – الأوراق الثبوتية التي يملكها المواطنون الكرد قبل ذلك. “المشكلة حزبية”الناشط المدني ضمن مدينة كركوك درويش الدليمي قال لـ”النهار العربي” إن “المشكلة في المحافظة سياسية بالدرجة الأولى، وبالذات حزبية، ومن دون إيجاد مخارج لذلك، ستبقى تنتج أشكالاً من العنف والاستقطاب ضمن المدينة. فحالياً ليس ضمن محافظة كركوك أي شكل من الممارسة السياسية، ثمة تجميد تام، والقوى ضمن المحافظة إما منزاحة وذات حسابات متعلقة بالسلطة المركزية، أو ما يناظرها في إقليم كردستان. ضمن هذا الوضع، فإن المصلحة العليا لأبناء المحافظة مهمشة تماماً. هذا الأمر الذي يدفع الأوضاع الداخلية الى مزيد من التأزم، بسبب تراجع مستويات الخدمات والتنمية والبيئة الاجتماعية والاقتصادية الآمنة. هذا التراجع يدفع القوى السياسية لأن تمارس سياسات شعبوية وإجراءات غير مسؤولة، يدفع السكان المحليون أثمانها، بالذات من حيث علاقاتهم في ما بينهم”.