1

هذه أهم ورقة متبقية للغرب يمكنه أن يلعبها في مواجهة روسيا

لا توحي تصرفات الرئيس بوتين أنه مستعد للتخلي عن آفاق استئناف العلاقات مع الدول الغربية

ماري ديجيفسكي كاتبة @IndyVoices  الأحد 24 يوليو 2022 0:02

روسيا تأمل العودة إلى الصفوف الأوروبية رغم انفتاحها على إيران وتركيا والصين (أ ب)

من الملاحظ أن كثيراً من الرسائل يتم تبادلها في الآونة الأخيرة حول العالم، وذلك جهد يشكر عليه زعيما كل من الولايات المتحدة وروسيا. ولكن وفيما أن المؤشرات الصادرة عن الولايات المتحدة كانت وفي أغلبيتها رسائل مباشرة، كانت تلك الرسائل الصادرة عن موسكو توحي بأن هناك كثيراً من الأمور المعقدة التي تجري هذه الأيام.

فيما يلوح موعد إجراء الانتخابات النصفية الأميركية في الأفق، قام الرئيس جو بايدن بجولة على بعض دول الشرق الأوسط في رحلة مثلت عودة إلى سابق عهد السياسات الأميركية [في تلك المنطقة]. فبعد فترة من الانقطاع تعود في جزء منها إلى مساعي الرئيس دونالد ترمب لإعادة تشكيل [تحديد] الأولويات الأميركية في الخارج، إضافة إلى جهود من سبقه مثل الرئيس باراك أوباما، والرئيس جورج دبليو بوش، لتحويل التركيز الأميركي بعيداً عن أوروبا والشرق الأوسط من أجل التركيز [الاستدارة إلى الشرق] على ما يجري في مناطق آسيا والمحيط الهادئ والصين، سعى الرئيس بايدن [في جولته الأخيرة] لتحويل مسار السياسات الأميركية وتوجيهها نحو المسارات التي كانت معتمدة في العقود الماضية.

في عامه الأول كرئيس للولايات المتحدة سار الرئيس بايدن على خطى كثير من اتجاهات السياسات الخارجية الأميركية التي عمل على إرسائها الرئيس ترمب، ومن ضمنها قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وهو كان مصيباً ومبرراً، ولكنه نُفذ على نحو سيئ، إضافة إلى النهج الخجول [المتساهل] في التعامل مع التدخل الروسي في سوريا. ولكن كل ذلك انتهى في تاريخ 24 فبراير (شباط) مع بدء الاجتياح الروسي لدولة أوكرانيا.

اقرأ المزيد

الولايات المتحدة الأميركية جددت التأكيد ومن دون تأخير التزامها الدفاع عن أوروبا عبر حلف الأطلسي. وكان لرحلة الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط- وهي الرحلة الأولى له إلى المنطقة منذ بلوغه سدة الرئاسة الأميركية، أن أعادت تأكيد الالتزام الأميركي بدعم إسرائيل، إضافة إلى طي الشقاق مع السعودية، بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018، معيداً التأكيد على استمرار الدعم الأميركي لتلك المنطقة.

وكان بايدن يسعى للحصول في مقابل ذلك على التزام تلك الدول زيادة إنتاج النفط من أجل تحقيق استقرار أسواق النفط العالمية والعمل على خفض الأسعار. في زمن الرئيس بوش، كانت إدارته ترغب ربما في العمل على خفض نطاق التدخلات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط عبر إنهاء الاعتماد الأميركي على الطاقة المستوردة من تلك المنطقة، وهو أمر لم يتم تقديره كثيراً خلال فترتيه الرئاسيتين، لكن الاجتياح الروسي لأوكرانيا والعقوبات الدولية [التي فُرضت على روسيا] التي تلت ذلك قامت بتغيير صورة أسواق الطاقة العالمية رأساً على عقب.

الأمر الوحيد الجديد، وعن طريق الصدفة، ويمكن اعتباره استمرارية لعهد ترمب، كان رحلة الرئيس الأميركي الجوية الفريدة والمباشرة بين الأراضي الإسرائيلية والسعودية، والتي ترتبت على الاتفاق الإبراهيمي الذي كان قد بدأ عملية كسر الجليد بشكل مبدئي بين إسرائيل ودول الخليج العربية. غير ذلك، فقد شكلت الزيارة عملية عودة إلى النهج القديم وإشارة إلى أن عملية فك الارتباط الأميركي مع قضايا المنطقة قد انتهت الآن. جولة الرئيس بايدن لم تكن مجرد فرصة للقول للناخبين الأميركيين إن رئيسهم كان يفعل كل ما هو متوقع من رئيس أميركي في الشرق الأوسط وأبعد منه، بل أيضاً، الغمز من القناة الروسية بأن الولايات المتحدة الأميركية قد عادت إلى المنطقة، إذا صح الحسبان بأنها غادرتها في يوم من الأيام.  

ولكن وفيما كانت الطائرة الرئاسية الأميركية الأولى تغادر واشنطن، أعلن في موسكو أن الرئيس فلاديمير بوتين كان في طريقه لزيارة إيران، وحطت طائرته هناك بعد مجرد يومين على عودة الرئيس بايدن إلى بلاده.

ما الرسائل التي يمكن لزيارة خارجية واحدة أن تبعث بها؟ فقد تضمنت زيارة بوتين إلى إيران مجموعة من الرسائل المختلفة. إذ تعتبر زيارة بوتين إلى إيران رحلته الخارجية الثانية فقط منذ بدء اجتياح أوكرانيا، وكانت الرحلة الأولى زيارة قام بها إلى كل من الجمهوريتين السوفياتيين السابقتين طاجيكستان وتركمانستان، حيث شارك بوتين في أعمال قمة دول بحر قزوين.

كان مثيراً في تلك الزيارة عاملان أساسيان هما التوقيت والوجهة. فربما ليست هناك أي دولة أخرى في العالم تسود علاقات الولايات المتحدة معها هذا المستوى من السوء مثل العلاقة مع إيران، فليس بين البلدين علاقات دبلوماسية منذ اندلاع “الثورة الإسلامية” هناك وأزمة الرهائن التي تلت، وروسيا تدرك ذلك تماماً. ولا بد من الإشارة إلى أن علاقات روسيا نفسها مع إيران لا يمكن اعتبارها علاقة تسير على أفضل ما يرام، لاعتبارها جاراً لا يمكن التنبوء بمواقفه. فموسكو تتعامل مع طهران بحذر، ولقد نجح الجانبان في التوصل إلى تسوية، وكان من شأن ذلك تلطيف العزلة الدولية التي تعيشها إيران مما ساعد طهران على تأمين الحصول على ما تحتاجه من الطاقة وسد أي عجز تعانيه أيضاً.

لكن ومن خلال زيارته إلى إيران لم يكن الرئيس بوتين يقدم “عدو عدوه” على أنه صديق، خصوصاً وأن روسيا تعتبر الحرب الأوكرانية “حرباً بالوكالة” يخوضها كل من حلف الأطلسي والولايات المتحدة ضدها. من خلال تلك الزيارة حاول بوتين أيضاً التأكيد على دور روسيا ووجودها على المستوى الإقليمي. وتضمنت زيارة الرئيس بوتين اجتماعاً مع كل من الرئيس الإيراني والمرشد الأعلى، لكن الأهم من ذلك كانت القمة الثلاثية التي عقدت مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث كان التوتر بين الدول الثلاث في سوريا في صلب المحادثات، إضافة إلى مسألة إمكانية التوصل لترتيبات لتسهيل عملية تصدير الحبوب الأوكرانية عن طريق البحر.   

الكثير وربما الكثير جداً يثار حول سياسة روسيا الخارجية واستدارتها نحو الشرق كرد على نبذها من قبل الدول الغربية بعد اجتياحها أوكرانيا. إلى حد ما، فإن بوتين لطالما اجتهد لموازنة علاقات بلاده بين الغرب والشرق. فإحدى أولى السياسات الخارجية التي انتهجها كرئيس لروسيا كانت العمل من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي لتسوية وضع حدود بلاده مع الصين [التي كان متنازع عليها]، وقامت روسيا بعقد صفقات لتوريد الطاقة إلى الصين منذ ذلك الوقت.

وبدلاً من القيام بانعطافة مفاجئة، كان هناك تطور تدريجي في تلك العلاقة. وعندما تحرك حلف الأطلسي نحو الشرق وقامت الدول الغربية بفرض العقوبات على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014، كانت روسيا مهتمة بإظهار حوزتها على البدائل لعلاقاتها مع الدول الغربية. هذا البحث [عن علاقات] أصبح أكثر إلحاحاً بالطبع منذ الاجتياح الروسي لأوكرانيا.  

ولكن ليس كل ما يلمع ذهباً. بداية فإن الاجتياح الروسي لأوكرانيا لم يضعف وضع موسكو المالي، كما لم ينجح في عزلها دبلوماسياً بحسب الحسابات الغربية. فقد كان للعقوبات التي فرضت على قطاع الطاقة الروسي مفعول معاكس على وضع المالية الروسية، وفيما لم تحصل موسكو إلا على دعم تأييد خجول لحربها، فإن مجموعة من الدول، بما فيها الصين والهند وغيرهما في الشرق الأوسط وأفريقيا، فضلت عدم التنديد بالخطوة الروسية أيضاً. فكثيرون من هؤلاء يرون أن النزاع هو مسألة إقليمية ويفضلون، ولأسباب مختلفة، أن يبقوا على علاقاتهم الطيبة مع روسيا.

هذا ولم تكن الانعطافة الروسية، وفي كل الأحوال نحو اختيار الدول غير الغربية مكتملة كما سعت [موسكو] إلى تصويرها. في طهران، كان الرئيس بوتين يناقش إضافة إلى أمور أخرى، ترتيبات قد تسمح لأوكرانيا بتصدير مخزونها من الحبوب عن طريق البحر. لماذا، وخصوصاً خلال الحرب المستعرة، يمكنك أن تطرح السؤال، قد تقوم روسيا بعدم استخدام كل الأسلحة المتوفرة في ترسانتها وبما فيها مخزونات الحبوب الأوكرانية؟ ولماذا أيضاً هي لم تقم حتى بقطع واردات الغاز والنفط عن الاتحاد الأوروبي حتى قبل أن تبدأ أوروبا بفرض عقوبات على موسكو، ولكنها قامت بذلك اليوم، على خلاف ما توقعه كثيرون، واستأنفت تزويد أوروبا بالغاز عن طريق أنبوب خط السيل الشمالي واحد؟

دعوني هنا أقوم ببعض التخمينات العشوائية. أولاً، إن روسيا ربما تترك مسألة قطع تصدير الغاز تماماً عن أوروبا خياراً محتملاً لاحقاً (ربما لاستخدامه ورقة في فصل الشتاء)، أو أن تستخدم ذلك كورقة مساومة في مرحلة الحل النهائي للمسألة الأوكرانية. ثانياً، إن روسيا تبدو متخوفة وبشكل صادق من أن يتم تحميلها مسؤولية نقص الغذاء على المستوى العالمي، بسبب قلقها ربما من أن حال عدم الاستقرار التي قد تنشأ قد تؤثر على دول تشتري منها وارداتها من الطاقة بنسبة أكبر من أي اعتبارات إنسانية لديها، وربما أيضاً لأن فساد مخزونات الحبوب في أوكرانيا قد يؤدي إلى تغيير المواقف بشكل مؤثر أكثر ضد روسيا في الأمم المتحدة.   

السبب الثالث، هو ربما لأن روسيا تعلم أن الحرب في أوكرانيا، قد سمحت بفضح حقيقة قوتها العسكرية، وقد أدت إلى ضرب مصداقيتها ومكانتها كدولة عظمى خارج المعسكر الغربي. ورابعاً، وفيما يبدو أن روسيا بصدد القيام بانعطافة نحو الشرق، ولكن الهدف من ذلك أن تثبت موسكو للدول الغربية أن لديها خيارات أخرى. في الواقع، لا يبدو أن روسيا مستعدة للقضاء على كل احتمالات استئناف العلاقات مع الدول الغربية وعودتها إلى سابق عهدها. فهي لا تزال تعتبر نفسها، وتود أن ينظر إليها على المدى البعيد على أنها قوة أوروبية. وفيما تتواصل الحرب الأوكرانية، ربما تكون هذه أهم أوراق المساومة المتاحة أمام الدول الغربية.

© The Independent

التعليقات معطلة.