فيصل العساف

1

دروس لا بد منها في المحافظة على الدولة

استبشر السعوديون خيراً عندما تم إعفـــاء وزيــر وأحيل على التحقيق بسبب بعض المخالفات، لكن ذلك لم يمنعهم من طرح أكثر الأسئلــة إلحاحاً، عن الأسماء «الأكبر» وهل يكون حسابهــم فقط على الله؟! وما كان لهذه المقالة أن ترى النور بهذا الشكل لولا ما حدث مطلع الأسبوع الماضي (الرابع من تشرين الثانــي/ نوفمبر)، التاريخ الذي سيخلد في عقول الفاســـدين، كمـا لن يغيب عن ذاكرة السعوديين.
من غير المقبول لبلد مثل السعودية، الدولة التي تتزعم العالم الإسلامي وتحتل مكانة مرموقة على الخريطة الدوليــة، من حيث القوة والتأثير، أن تكون في مرتبــة متقدمة -نسبياً- بين الدول الأكثر فساداً، لذلك فـإن الإرادة الملكية التي أعلنـــت الحرب على المفسدين، سواء كانوا أمراء أم مسؤولين رفيعين، قررت أن تؤصـــل لقاعدة مهمة ترفع شعار «كائناً من كان». بكل وضوح، لم يكن أشــد السعوديين تفـــاؤلاً بقطع دابر الفساد ليتخيل مجرد تخيل بـــأن حاملـــي الأسماء التي تم الإعلان عن إيقافهـــم أخيراً، سيكونون يوماً مـــن الأيام تحــــت طائلة الحساب! بالنسبة إليّ، فــإن عودة الأمـــوال المنهوبة إلى خزانة الدولة لا تقارن على الإطلاق بدلالة هذا الحدث الضخم وانعــكاساته الإيجـــابية اللاحقـة على المجتمع.
هذا الزلزال العنيف الذي هزّ المملكة بكل المقاييس، قلب مفاهيم «الطبطبة» على المفسدين رأساً على عقب، ما دفع السعوديين إلى التطلــع مستبشرين نحو المستقبل، وهم يرونه خالياً من حسابات «أصحاب النفوذ». ولكن، طلعت الأصوات إياها تتمنى لو تم ذلك سراً، عبر تفاهمات تمكن الدولة من تحصيل الحقوق المسلوبة. هذا الكلام يتم طرحه باستفاضة هذه الأيام، وهو يشبه تلك الأطروحات التي تلاحق السعودية في جميع خطواتها، الداخلية والخارجية.
ويتــذكر السعوديون جيداً كيف كانت بلادهم توصــم بـ «التراخي» عن الاضطلاع بواجباتها فــي ما يخص القضايا الإقليمية، حتى إذا خرج المـارد من قمقمه، وأثخن في ذراع إيران الحـــوثي، وامتدت أياديه لتشمل الدول العربية والعـــالم، فإذا بالأصوات إياها تُظهر حقيقتها الناقمــــة، في محاولة يائسة لزرع أشواك التثبيط في طريق السعودية، التي لا تلوي على أحد.
التأسيس لمرحلة جديدة كان يتطلب كل هذا الحــــزم فــي كبح جماح الفساد والمفسدين، فالسعــوديــة التـــي تفتح ذراعيها للمستثمرين من أنحاء العــالم كافة، لم تكن تلك الدولة الجاذبة، بسبب الوهن الذي استشرى في مفاصـــل الدولة بأيدٍ لم تكن خفية على الإطلاق، واستغلت إما مكانتها الاجتماعية أو الحكومية التـــي تسنمتها، ضاربة عرض الحائط ما يخالف مصـــالحها، في مشهد مؤلم كان يعبث حتى في جـــذور الانتماء للوطن، مادام يقرع طبول التفريق بين المواطنين، وذلك الشيء الذي يشبهه في الشكل، لكنه في مرتبة أعلى بسبب المحاباة!
باختصار، إن ما حدث ذلك المساء، يشبه قــــراءة فصل جميل في واحد من كتب التاريخ، عــــن دروس المحافظة على الدول، في سيرة مكللة بالجد والبذل، لملك مسدّد وولي عهد مجدد.

التعليقات معطلة.