محمد شريف أبو ميسم
تبدو العاصمة السعودية “الرياض” هذه الأيام وكأنها غرفة عمليات لادارة الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط مؤخرا، اذ شكل اعلان الحرب على التطرف على هامش التبشير بمشروع “نيوم” الذي سيمتد الى داخل الأراضي الاردنية والمصرية بشارة خير للباحثين عن الوسطية والاعتدال بعد أن تم الاعلان عن تشكيل هيأة للتدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية
فيما كان الاعلان عن اعادة العلاقات بين العراق والسعودية بداية مشجعة للمتفائلين بشأن المستقبل السياسي والاقتصادي والامني للمنطقة برمتها مدعوما بمشروع “نيوم” الذي سيكون مدعاة للاستقرار الأمني والتطور الاقتصادي لعموم بلدان المنطقة.
بيد ان استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري التي أعلن عنها من الرياض وعدم عودته الى بيروت، جعلت من الشأن السعودي محط اهتمام كل عربي أو مقيم في دول الشرق الأوسط، ليس لانها سابقة لم تألفها الأحداث السياسية في العالم فحسب، بل لأنها تزامنت مع حملة غير مسبوقة من الاعتقالات لامراء ووزراء ومسؤولين سعوديين بدعوى محاربة الفساد. هذه الأحداث التي جعلت من الشأن السعودي يتشابك مع الشأن الشرق أوسطي، لم تتوالد عن فراغ، اذ ان الرياض كانت وما زالت اللاعب الرئيس فيما دار ويدور في عديد من دول ما سمي بالربيع العربي وفي سوريا واليمن والعراق مرورا بالخصومة والقطيعة من الجارة قطر، الأمر الذي يؤكد ان ثمة متغير يلوح في الافق ويعلن عن مرحلة جديدة ستشهدها المنطقة.
اذ ان اعلان الحرب على التطرف في الداخل السعودي بعد سلسلة الاجراءات الثقافية التي تتقاطع مع فتاوى المؤسسة الدينية يعد مؤشرا على ولوج المملكة لمرحلة جديدة لا خيار لها فيها.. مرحلة وصفها ابن سلمان بالعودة الى الاسلام المعتدل والانفتاح على العالم بهدف تحقيق النجاح باسلوب الاحتواء الاقتصادي بعد فشل اسلوب ثقافة الهيمنة بالاساليب الأخرى.
وهذا التحول يؤكد وعي صنّاع القرار في الرياض، بما كان يعد لدول الخليج والمملكة تحديدا قبل الشروع بنقل الصناعة من دول الشمال الى دول الجنوب في اطار شرق أوسط كبير، اذ ان المملكة كانت مرشحة لعرض المشهد الاخير من مسرحية الربيع العربي، الا ان سياق الأحداث الأخيرة التي كشفت عن ملامح مشروع “نيوم” تشير الى احتمالات ابرام صفقة تاريخية تم بموجبها الغاء عرض هذه المشهد الاخير من المسرحية مقابل التزام ولي العهد محمد بن سلمان بتحقيق أهداف أصحاب المشروع دون المرور بمرحلة الفوضى الخلاقة في منطقة
الخليج.
بيد ان تداعيات ما سمي بحملة مكافحة الفساد في العربية السعودية وما يقال بشأن احتجاز رئيس الوزراء اللبناني كشفت عن احتمالات جديدة لمسار التحولات يبدو ظاهرها القضاء على الخصوم وحلفائهم لصالح القيادة الشابة في الرياض، وباطنها الاعداد لمرحلة الصراعات مع عمالقة المال السعوديين لصالح الولايات المتحدة بما يجعل جميع مفاتيح المتغيرات بيدها، اذ بات من الممكن أن تشرع بصناعة الفوضى في أية لحظة ما لم يلتزم أصحاب القرار في هذه الدول بما تمليه عليهم صاحبة المشروع الشرق أوسطي ، وثانيها أن تكون الاصلاحات التي شرعت بها الحكومة السعودية على المستوى الاجتماعي والثقافي والاجرائي بداية لمرحلة تعقبها حزمة من الاصلاحات السياسية التي تنسجم وتتناغم مع المطالب الديموقراطية التي جاء بها المشروع الشرق اوسطي في دول ما سمي بالربيع العربي والتي سيكون لرأس المال فيها الدور الأكبر في تشكيل البنية السياسية وفق مقاسات الدولة التعددية التي تظهر فيها الأحزاب السياسية لتمارس دورا يمنح المواطن حق الاختيار في التمثيل السياسي ويمنح سلطة رأس المال حقا شرعيا وقانونيا في ادارة شؤون البلاد ازاء القوى الثيوقراطية التي قد تتخذ من العقائد ملاذا لها بهدف تجيير الشارع لصالحها.
الأمر الذي يرجح مضي القائمين على مشروع التغيير في تحجيم وتحييد دور المؤسسة الدينية في الحياة السياسية التي ستشهد في المرحلة المقبلة مع بوادر ظهور تشكيل أحزاب سياسية ومنح المزيد من الحريات للمرأة ولأصحاب الرأي وحرية الصحافة في نطاق ضيق مقابل حصول المملكة على ضمانات تحد من النفوذ الايراني في الدول التي حاولت المملكة أن توقف التمدد الايراني فيها وفق سياسة الاحتواء الاقتصادي أو الاقصاء والعزل في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي سيستخدم النفوذ الاقتصادي في تجيير المواقف السياسية لصالح الرساميل التي ستدخل أسواق بلدان الشرق
الأوسط.