اسم الفيلم هو Wag The Dog من إخراج باري ليفنسون وتمثيل كل من داستن هوفمان وروبير دينيرو وآخرين، ويحكي كيف قام منتج سينمائي من هوليوود باختلاق حرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وبلد صغير غير معروف عند الأمريكيين للتغطية على ملف فساد جنسي، تورط فيه الرئيس الأمريكي.
عند عرض الفيلم سنة 1997، قارنه الكثيرون بالواقع السياسي الأمريكي، لأن الرئيس وقتها بيل كلينتون كان محاصرا بالفضيحة الجنسية لوينسكي، ولم يتردد في استئناف الحرب على العراق، للتمويه.
هذا ما يجري الآن في الوطن العربي في ملف سعد الحريري، حيث تميل الآراء إلى رغبة السعودية، وأساسا ولي العهد محمد بن سلمان، اختلاق رواية المواجهة بين السعودية وإيران للتغطية على الملف الشائك لسعد الحريري.
وتفسر الكثير من وسائل الإعلام الدولية ملف احتجاز سعد الحريري في الرياض برغبة رئيس الحكومة اللبنانية البقاء في السعودية، ضمن ما تعد له الرياض من المواجهة السنية – الشيعية في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وإن إجباره على الاستقالة جاءت لتحويل لبنان إلى بؤرة للمواجهة في انتظار الحرب بين السعودية وإيران، أو شن إسرائيل الحرب على حزب الله، وقيام البنتاغون بمهاجمة إيران. وقد حاول سعد الحريري تعزيز هذه الرواية، من خلال الحوار الذي أجرته معه قناة «المستقبل» ليلة الأحد، ولكن ظهر مثل ممثل مبتدئ لا يتقن دوره، وليس هذا مرد عدم تخرجه من مدرسة عريقة في تكوين الممثلين، بل لأنه كان تحت الضغط.
عسكريا، لا يمكن للعربية السعودية شن حرب ضد إيران في الوقت الراهن، وهي الدولة التي فشلت بعد قرابة ثلاث سنوات في حسم حرب ضد بلد منهك اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا، وهو اليمن. فكيف ستحسم الحرب مع دولة قوية عسكريا وهي إيران، وفي وقت يتقدم فيه الشيعة في لبنان وسوريا والعراق.
لا يمكن للسعودية شن حرب على إيران وهي غير المستقرة داخليا، بعد اعتقال الأمراء، وتوجد في محيط غير مستقر بعد الحرب على اليمن والأزمة مع قطر، ثم ابتعاد عدد من حلفاء الرياض عن أي مغامرة عسكرية وفي مقدمتهم، باكستان والمغرب والأردن. في الوقت ذاته، الحديث عن دفع السعودية لإسرائيل بضرب حزب الله، هو عدم معرفة أبسط أسس الفكر العسكري الإسرائيلي: متى تعلن إسرائيل الحرب؟ ومتى تبحث عن سلام مفروض؟ وفي مقال الأسبوع الماضي المعنون بـ «حرب باردة بين إسرائيل وحزب الله وواشنطن وإيران»، استعرضنا الأسباب العسكرية لماذا لا تجعل إسرائيل تهاجم حزب الله. الواقع أن السعودية لا تستطيع توظيف إسرائيل، ولكن إذا قررت الأخيرة شن حرب ضد حزب الله، ستوظف السعودية لتحمل التكاليف المالية وتوفير الدعم الديني والسياسي في العالم الإسلامي. كما استعرضنا الأسباب التي تدفع البنتاغون إلى عدم مهاجمة إيران وأن تصريحات الرئيس دونالد ترامب مجرد شعارات بدون تنفيذ. لقد اتخذت المؤسسة العسكرية الأمريكية قرارا بعدم الدخول في أي حرب في الشرق الأوسط، إلا في حالات استثنائية بكل ما تحمله كلمة استثناء من حمولة المعنى. والقرار يفرض على الرئيس الأمريكي الحالي والمقبل.
بينما يتحدث الكثيرون عن الهدف السياسي وراء فرضية احتجاز الحريري بقاموس المواجهة بين الشيعة والسنة، هناك رواية أخرى وليست بالضرورة سياسية، فقد تم استدعاء الحريري على عجل لا لنقاش التمدد الإيراني، بل لتسوية المستحقات المالية للشركة العملاقة التي يديرها «أوجيه» والتي تعرف مشاكل مالية منذ وصول محمد بن سلمان. وكم تبقى المفارقة غريبة للغاية أن وصوله إلى الرياض تزامن مع مسلسل اعتقال الأمراء السعوديين المعارضين لولي العهد محمد بن سلمان، ومنهم أمراء من وزن ثقيل مثل متعب بن عبد الله والوليد بن طلال، بل حتى بندر بن سلطان راسبوتين العائلة الملكية.
لو كان استدعاء الحريري إلى الرياض جاء بعد ضرب صاروخ باليستي يمني – إيراني مطار خالد بالقرب من الرياض، لكان مبرر توظيف إيران وحزب الله مقبولا، كما أن سعد الحريري لم يكن سيتأخر ولو ثانية واحدة لو طالبته الرياض بتقديم استقالته من رئاسة الحكومة في بيروت، وليس بالضرورة من الرياض.
في الوقت ذاته، لو كان الرجل غير محتجز على خلفيات ملفات غير سياسية، لما التقى السفير الفرنسي في الرياض، وهو بحضرة مسؤولين سعوديين، ولكانت الرياض قد رخصت له بلقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليلة الخميس الماضي، عندما حل ماكرون في الرياض في زيارة مفاجئة. الجريدة الفرنسية الرقمية الذائعة الصيت Mediapart كتبت في تقرير لها من بيروت أن احتجاز الحريري جاء لعلاقة مفترضة بين شركته «أوجية» في استثمار بل وتبييض أموال الأمراء المعتقلين في فندق ريتز في الرياض. وتبرز في فقرة مهمة نقلا عن مصادرها الخاصة «لقد استمعت لجنة مكافحة الفساد في الرياض لسعد الحريري، ونبهته إلى أنه يتم الاستماع إليه كشاهد بصفته مواطنا سعوديا، وليس كرئيس حكومة لبنان بعد استقالته».
في التاريخ العربي، هناك حالة ابن الخطيب الذي كان يعرف بذو الوزارتين، وسعد الحريري هو ذو الجنسيات الثلاث، لبناني وسعودي وفرنسي، ولهذا هناك تدخلات متعددة من فرنسا التي تعتبره مواطنا فرنسيا، ومن لبنان الذي تعتبره رئيس حكومة البلد، وهو يوجد في السعودية بصفته مواطنا سعوديا في ملف غامض. كل المعطيات تشير الى فرضية احتجاز الحريري، ولا يمكن وقوع كل هذا الصخب والجدل بدون مبرر، ويبقى افتعال أزمة الشيعة والسنة أو تمدد إيران، فيلما أمريكيا ولكنه رديء الإخراج أو تلك التي توصف بأفلام صنف بكاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»