هل تخبرنا الرياضيات أن الحرب النووية حتمية؟

1

لفت الأستاذ المتميز في جامعة هارفارد جوزف ناي إلى أن قياس احتمالات اندلاع حرب نووية شغل الخبراء منذ عقود. وكتب في موقع “بروجكت سينديكيت” أن العالم والروائي البريطاني سي. بي. سنو خلص سنة 1960 إلى أن الحرب النووية هي “يقين رياضي” خلال عقد من الزمن.

يمكن أن يكون ذلك مبالغة، لكن اعتقد كثر أن توقع سنو سيكون مبرراً إذا وقعت حرب خلال مئة عام. في الثمانينات، ردد ناشطو التجميد النووي مثل هيلين كالديكوت أفكار سنو محذرين من أن بناء الأسلحة النووية “سيجعل الحرب النووية يقيناً رياضياً”.

تقليب العملة
غالباً ما يشير مناصرو إلغاء الأسلحة النووية أنه لو قام شخص برمي قطعة نقود معدنية مرة واحدة فإن فرصة الحصول على الرأس هي 50%؛ لكن إذا تم رميها 10 مرات، ففرصة الحصول على الرأس مرة واحدة على الأقل ترتفع إلى 99.9%. إن فرصة 1% لاندلاع حرب نووية خلال الأعوام الأربعين المقبلة ستصبح 99% بعد 8 آلاف عام. عاجلاً أم آجلاً، ستنقلب الاحتمالات ضد البشرية. حتى ولو تم تخفيض المخاطر إلى النصف في كل سنة، لا تستطيع البشرية قط الوصول إلى الصفر.

استعارة مضللة
إن استعارة تقليب العملة مضللة حين ترتبط باحتمالات استخدام الأسلحة النووية لأنها تفترض احتمالات مستقلة، بينما تشبه التفاعلات البشرية بشكل أكبر نرداً مغشوشاً وفقاً للكاتب. ما يحدث في رمية يمكن أن يغير الاحتمالات في الرمية التالية. لقد كان هنالك احتمال أقل لاندلاع حرب نووية سنة 1963 مباشرة بعد أزمة كوبا، بالتحديد لأن احتمالاً أعلى برز سنة 1962. إن الشكل البسيط لقانون المتوسطات لا ينطبق بالضرورة على التفاعلات البشرية المعقدة. في المبدأ، بإمكان الخيارات البشرية الصحيحة أن تقلص الاحتمالات.

ما أظهرته أزمة كوبا
أوضح ناي أن احتمال حدوث حرب نووية يعتمد على احتمالات مستقلة ومترابطة. قد تتناسب حرب عرضية بحتة مع نموذج تقليب العملة، لكن حروباً كهذه نادرة. علاوة على ذلك، إذا ظلت النزاعات العرضية محدودة فقد تطلق تحركات مستقبلية من شأنها أن تحد أكثر من احتمال حرب أكبر. وكلما طالت الفترة ازدادت فرصة تغير الأمور. في ثمانية آلاف عام، قد يكون أمام البشر مخاوف أكثر إلحاحاً من الحرب النووية. ببساطة لا يعلم المراقبون ما هي الاحتمالات المترابطة. لكن بالاستناد إلى تحليل فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية يمكن افتراض أن الاحتمال السنوي ليس في النطاق الأعلى من التوزيع.

خلال أزمة صواريخ كوبا، يُزعم أن الرئيس الأمريكي جون كينيدي قدر احتمال اندلاع حرب نووية بنسب تتراوح بين 33 و 50%. لكن ذلك لا يعني بالضرورة حرباً نووية غير محدودة. خلال مقابلات مع مشاركين في تلك المرحلة بمناسبة ذكراها الخامسة والعشرين، علم المراقبون أنه بصرف النظر عن التفوق الهائل في الترسانة النووية الأمريكية، تمكن أدنى احتمال للحرب النووية من ردع كينيدي. ولم تكن النتيجة انتصاراً أمريكياً صرفاً. لقد شملت التسوية الإزالة الهادئة لصواريخ أمريكية من تركيا.

نزع أحادي الجانب للسلاح النووي؟
استخدم البعض حجة اليقين الرياضي للدفع باتجاه نزع سلاح نووي أحادي الجانب. لكن لا يمكن إلغاء المعرفة النووية كما أن تنسيق الإلغاء بين تسع دول نووية مختلفة آيديولوجياً أو أكثر سيكون صعباً للغاية على أقل تقدير. بإمكان الخطوات الأحادية غير المتبادلة أن تجعل المعتدين أكثر تجرؤاً مما يزيد احتمالات نهاية غير سعيدة.

أضاف ناي أن المراقبين لا يملكون فكرة عما سيعنيه قبول المنفعة والمخاطر بالنسبة إلى أجيال المستقبل البعيد أو ما الذي سيقدره الناس كقيمة بعد 8 آلاف عام. في حين أن الالتزام الأخلاقي للجيل الحالي يجبره على التعامل مع النجاة بتأن كبير، لا تتطلب هذه المهمة الغياب الكامل للمخاطر. ستكون المخاطر دوماً مكوناً لا يمكن تفاديه في الحياة البشرية.

مفارقة
يعتمد الردع النووي على مفارقة الاستخدامية. إذا كانت الأسلحة غير مستخدمة على الإطلاق فهي لا تردع. لكن إذا كانت مستخدمة بشكل كبير فقد تندلع الحرب النووية بكل دمارها. بالنظر إلى مفارقة الاستخدامية والاحتمالات المترابطة والمتعلقة بالتفاعلات البشرية، لا يمكن السعي إلى جواب مطلق عما يشكل “ردعاً عادلاً”. ليس الردع النووي صواباً بالكامل أو خطأ بالكامل. يجب أن يكون قبول الردع مشروطاً. تقترح تقاليد الحرب العادلة التي ورثها البشر طوال قرون ثلاثة شروط ذات صلة يجب تلبيتها: سبب عادل ومتناسب، وقيود على الوسائل، ودراسة حكيمة متأنية لجميع العواقب.

يستمد ناي خمسة مبادئ نووية من هذه الشروط. من حيث الدوافع، يجب فهم أن الدفاع عن النفس سبب عادل لكن محدود. بالنسبة إلى الوسائل، يجب عدم اعتبار الأسلحة النووية أسلحة عادية على الإطلاق ويجب خفض الأذى الذي يطال الأشخاص الأبرياء إلى الحد الأدنى. وبالنسبة إلى العواقب، يجب خفض مخاطر الحرب النووية في المدى القريب ومحاولة تقليص اعتماد الدول على الأسلحة النووية بمرور الوقت. إن قنبلة في الطابق السفلي تنطوي على بعض المخاطر لكن ليس بمقدار المخاطر الذي ينطوي عليه نشر القنابل على الخطوط الأمامية.

هذا ما قاله مصمم أول قنبلة هيدروجينية
لقد ذكّرت حرب أوكرانيا العالم بأنه ما من طريقة لتفادي عدم اليقين والمخاطر. إن هدف تقليص لا إلغاء دور الأسلحة النووية بمرور الوقت يبقى مهماً كما كان دوماً. إن مصمم القنبلة الهيدروجينية الأولى ريتشارد غاروين وجد أنه “إذا كان احتمال حرب نووية هذه السنة هو 1%، وإذا استطعنا تقليصه إلى 80% فقط عما كان عليه خلال السنة السابقة، فعندها سيكون الاحتمال التراكمي لحرب نووية في جميع الأوقات 5%”. وختم ناي مقاله كاتباً: “نستطيع عيش حياة أخلاقية مع ذلك الاحتمال”.

التعليقات معطلة.