“حماس” وتركيا وروسيا.. والنظام السوري

1

ما يدل على الإفلاس الروسي أكثر من الضغوط التي مارستها موسكو من أجل مصالحة حركة “حماس” مع النظام السوري، وهي ضغوط ترافقت مع جهود من أجل تقارب بين تركيا والنظام السوري.

توّجت المصالحة بين النظام السوري و”حماس” ببيان صدر حديثا عن الحركة، التي هي جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين في العالم. يتجاهل النظام السوري أنّه يتصالح عمليا، عبر “حماس”، مع الإخوان المسلمين الذين يعتبرهم من ألدّ أعدائه. يشير البيان الصادر عن “حماس” والقاضي باستئناف العلاقات بينها وبين النظام السوري إلى أنّ تلك الحركة لا تمتلك أيّ مبدأ من أيّ نوع باستثناء خدمة إسرائيل.

قال البيان: “أكّدت حركة حماس مضيّها في بناء وتطوير علاقات راسخة (مع النظام السوري)، خدمة لأمتنا وقضاياها العادلة وفي القلب منها قضية فلسطين لاسيما في ظل التطوّرات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تحيط بقضيتنا وأمتنا”. لم توضح “حماس” ما هي هذه التطورات المتسارعة، اللهمّ إلّا إذا كانت تتحدث عن حاجة روسيا إلى تعويم النظام السوري في ضوء الهزائم التي لحقت بها في أوكرانيا. إنّها هزائم لا يزال فلاديمير بوتين يحاول التخفيف من وقعها، على الرغم من أنّها بدأت تدقّ أبواب الكرملين.

اعربت “حماس” في بيانها أيضا عن تقديرها لـ”الجمهورية السورية قيادة وشعبا لدورها في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”. هل سألت “حماس”، قبل أن تخرج بمثل هذا النوع من المواقف المؤيدة للنظام السوري الذي قتل في تاريخه من الفلسطينيين أضعاف مضاعفة ما قتلت إسرائيل، عن مصير مخيّم اليرموك قرب دمشق أو عمّا حلّ بالفلسطينيين المعتقلين في السجون السوريّة منذ سنوات طويلة؟.

واضح أنّ تصرّف “حماس” يشبه إلى حدّ كبير تصرّف صغار الانتهازيين مثل الرئيس اللبناني ميشال عون وصهره جبران باسيل اللذين عقدا صفقة مع النظام السوري ولم يعد في بالهما اللبنانيون القابعون في السجون السوريّة منذ عشرات السنين.

الأكيد أنّ “حماس” تعمل، ظاهرا فقط، بموجب أجندة روسيّة ليست بعيدة عن الرغبات الإيرانيّة في الوقت ذاته. اعتذرت من النظام السوري عن طريق إبداء “تقديرها للجمهوريّة العربية السورية قيادة وشعبا” متجاهلة رأي الشعب السوري بنظام أقلّوي أخذ على عاتقه تطويع الفلسطينيين وتحويلهم ورقة لديه. ما لبثت هذه الورقة أن انتقلت إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران في أعقاب تحوّلها إلى اللاعب الأساسي والمحوري في سوريا بشكل تدريجي.

لا تعكس مصالحة “حماس” للنظام السوري، بالطريقة التي تمّت بها، سوى مدى الضعف الروسي وحاجة فلاديمير بوتين إلى إظهار أنّه لا تزال لديه أوراقه في حين أنّه صار في الحضن الإيراني. في النهاية، إن إيران هي التي لعبت دورا حاسما في جعل “حماس” ترضخ لمطالب النظام السوري في وقت لم يعد من فائدة تذكر للحركة خارج إطار الإستراتيجية الإقليميّة لـ”الجمهورية الإسلاميّة” ومشروعها التوسعي… وعدم اعتراض إسرائيل على ذلك!
رضخت “حماس”، لكنه من الصعب رضوخ تركيا التي لديها شروطها من أجل مصالحة النظام السوري. لا يمكن تجاهل أن تركيا، بعثت برئيس جهاز المخابرات فيها هاكان فيدان إلى دمشق أخيرا لعقد سلسلة من اللقاءات مع مسؤولي الأجهزة الأمنيّة التابعة للنظام السوري على رأسهم اللواء علي مملوك. كان ذلك بناء على إصرار روسي وبعد سلسلة من اللقاءات بين الجانبين عقدت في روسيا نفسها. هل لدى فلاديمير بوتين ما يكفي من النفوذ لحمل الرئيس رجب طيب أردوغان على الاعتذار من بشّار الأسد وعلى التخلي عن توسيع المنطقة الأمنية التركية في الأراضي السوريّة؟
يريد النظام السوري انسحابا تركيا من الأراضي السوريّة. هذا الأمر غير وارد في ضوء حسابات مختلفة لأنقرة التي تسعى إلى تطوير اتفاق أضنة الذي يسمح لها بالتدخل عسكريا في سوريا. أين تقف موسكو من ذلك كلّه وما قدرتها على التأثير على أردوغان الذي استفاق أخيرا على إعادة مدّ الجسور بين تركيا وإسرائيل وتبادل الزيارات ذات الطابع العسكري معها؟

يبدو الضعف الروسي العامل المشترك بين “حماس” وتركيا والرغبة في مصالحتهما مع النظام السوري. إنّه ضعف كشفته الحرب الأوكرانيّة التي قرّر فلاديمير بوتين خوضها بسبب جهله بالعالم وموازين القوى فيه أوّلا. مثلما لم يدرك الرئيس الروسي معنى شنّ حرب على أوكرانيا، البلد الأوروبي الذي يمتلك أهمّية إستراتيجية كبيرة، لا يدرك حاليا أنّ لا فائدة من تعويم النظام السوري. ليس هناك ما يمكنه تعويم نظام أقلّوي مرفوض من الأكثرية الساحقة من شعبه. الأهم من ذلك كلّه، أن “حماس” تنظيم لا يمكن الوثوق به. ما الذي تمثله “حماس” على الأرض باستثناء أنّها تؤمّن استمرار الانقسام الفلسطيني وتكريس قطاع غزّة إمارة إسلاميّة على الطريقة الطالبانيّة؟

باختصار شديد، إن “حماس” حاجة إسرائيليّة أكثر مما هي حاجة روسيّة، وهي أيضا حاجة إيرانيّة في ضوء رغبة “الجمهوريّة الإسلاميّة”، بين حين وآخر، في إظهار أنّ لديها ورقة فلسطينيّة مميّزة تمتلك صواريخ تحرّكها في إطار يخدم مشروعها التوسّعي.

يظلّ الموضوع التركي أكثر تعقيدا بمراحل. لا يعود ذلك إلى حجم تركيا وموقعها فحسب، بل إلى حسابات داخليّة وإقليميّة ودوليّة خاصة بها أيضا. لا تقتصر هذه الحسابات على العلاقة بروسيا، بل تتعداها إلى مستقبل العلاقات مع دول أوروبا ومع أميركا نفسها. تشمل هذه الحسابات الهمّين الكردي والاقتصادي الداخلي اللذين يقلقان أردوغان وحزبه، بل يمكن اعتبارهما بمثابة هاجس من هواجسه اليوميّة.

يلعب فلاديمير بوتين في الوقت الضائع ويتلهّى بالقشور. لن ينقذه تعويم النظام السوري في شيء. لا لشيء سوى لأن مشكلته في أوكرانيا وفي القرار الخاطئ الذي اتخذه والذي جعله يغرق في وحولها. لم تكشف أوكرانيا ضعف الجيش الروسي وأسلحته فقط. كشف قبل كلّ شيء أنّ بوتين لم يتعلّم شيئا من انهيار الاتحاد السوفياتي وأسباب موته!.

التعليقات معطلة.