صحيح أن المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي توقفت مطلع هذا الشهر. لكن يمكن استئنافها سريعاً في الأسابيع المقبلة إذا قررت إيران إظهار المرونة. لهذا السبب، على الكونغرس الأمريكي التحرك لمواجهة مناورة محتملة من قبل الإدارة الأمريكية وفق تحليل ماثيو زويغ من مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات وغبريال نورونها من المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي.
وكتبا في صحيفة “ذا هيل” أنه بينما تحاول تسويق الاتفاق النووي المرتقب بين مشرعي الكونغرس المشككين بجدواه، لمحت إدارة بايدن إلى أن مفاوضات فيينا لم تنتج اتفاقاً جديداً بل مجرد عودة للأطراف إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي لاتفاق 2015 النووي). قد يكون هذا التلميح جهداً محسوباً لتفادي تصويت الكونغرس على الاتفاق والذي نص عليه قانون مراجعة الاتفاق النووي مع إيران والمعروف اختصاراً باسم إينارا.
في مايو (أيار)، تعهد الممثل الخاص في وزارة الخارجية روب مالي بتحويل أي اتفاق مع إيران ليراجعه الكونغرس. ينص إينارا على أنه وخلال خمسة أيام على التوصل إلى أي اتفاق مع إيران يرتبط ببرنامجها النووي، يجب على الرئيس تحويل كامل الاتفاق إلى الكونغرس. قد تأمل إدارة بايدن تفادي تصويت المشرعين عبر الزعم بأنها في طور مجرد العودة إلى اتفاق 2015 الذي سبق أن خضع للمراجعة القانونية. سيكون ذلك تقصيراً في أداء الكونغرس لواجب رقابي مهم وفقاً للباحثين.
تدارك حيلة أوباما
أوضح الكاتبان أن مشرعي قانون إينارا استبقوا حيلة من السلطة التنفيذية. أقر الكونغرس القانون سنة 2015 حين كان الاتفاق النووي في مراحله التفاوضية الأخيرة. بمجرد أن أوضحت إدارة أوباما نيتها الالتفاف حول الكونغرس وعدم تحويل الاتفاق للمصادقة عليه كمعاهدة، طالب مشرعون من كلا الحزبين بأن تكون لهم كلمة مسموعة حول الموضوع ملاحظين حجم الالتزامات الأمريكية بموجب الاتفاق. وصوتت غالبية ساحقة على قانون إينارا مؤلفة من 98 سيناتوراً و 400 نائب.
بذل الكونغرس جهداً مضنياً لتحديد كلمة “اتفاق” بشكل موسع لمنع إدارة بايدن من الالتفاف على المشرعين. وتعني هذه الكلمة أي اتفاق “مرتبط ببرنامج إيران النووي يشمل الولايات المتحدة، يلزم الولايات المتحدة بالتحرك، أو تلتزم بموجبه الولايات المتحدة أو بخلاف ذلك توافق على التحرك، بصرف النظر عن الشكل الذي يتخذه”. على الرئيس تحويل الاتفاق إلى الكونغرس بصرف النظر عما إذا كان ملزماً قانوناً أو إذا كان مجرد التزام سياسي. وأضاف الكاتبان أن على الإدارة تحويل جميع المواد المرتبطة بأي اتفاق، ومن ضمنها الملاحق والإضافات التفسيرية أو التعديلية أو الإلغائية والاتفاقات الجانبية والمواد التطبيقية والوثائق والتوجيهات والتفاهمات أكانت ذات طابع تقني أم لا وأي اتفاقات مرتبطة.
أسباب خوف الإدارة
تشير الأنباء إلى أن الاتفاق المحتمل يشمل تعديلات كبيرة طرأت على اتفاق 2015. يجب ألا يكون ذلك مفاجئاً لأن إدارة ترامب انسحبت منه منذ أكثر من أربعة أعوام بالتالي لا تستطيع واشنطن وطهران إعادة الأمور إلى ما كانت عليه. من وجهة نظر قانونية، إن العودة مجدداً إلى اتفاق معدل بشكل جوهري يعادل فعلياً “التوصل إلى اتفاق” بموجب قانون إينارا. خلال الفترة التي يراجع فيها الكونغرس الاتفاق الجديد ويصوت عليه، ليس بإمكان الإدارة تخفيف العقوبات بفعل إجراءات فرضها الكونغرس. وهذا أحد أسباب نية البيت الأبيض الالتفاف حول القانون. ويبدو أن الإدارة وجدت أسلوباً آخر: وفق تسريب صوتي عن كبير المفاوضين الإيرانيين، سترفع الإدارة أو تعلق ببساطة ثلاثة أوامر تنفيذية مرتبطة بإيران قبل تحويل الاتفاق إلى الكونغرس.
وأعاد الباحثان بناء التفاصيل مستخدمين وثائق إيرانية وأمريكية عامة فوجدا أن ذلك سيؤدي إلى رفع أكثر من 170 عقوبة عن بنوك إيرانية مهمة وإرهابيين ومتهربين من عقوبات أجنبية. يشمل ذلك تخفيفاً للعقوبات عن المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي وجنرالات بارزين في الحرس الثوري مسؤولين عن تفجيرات ثكنات المارينز في بيروت سنة 1983 وتفجير مكتب الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية سنة 1994.
التحرك القانوني وإيجابياته
إذا أبرمت إدارة بايدن الاتفاق من دون دراسة الكونغرس فبإمكان المشرعين رفع دعوى ضد الرئيس. وفقاً لدراسة صادرة عن خدمة الأبحاث التابعة للكونغرس سنة 2014، والتي استندت إلى توجيهات المحكمة في قضية رينز ضد بيرد، يملك أعضاء الكونغرس الصلاحية القانونية لمقاضاة السلطة التنفيذية في حال عانوا من “ضرر مؤسسي” يرقى إلى إلغاء التصويت في الماضي أو المستقبل. بالنظر إلى أن إينارا يحدد آلية التصويت على الاتفاقات النووية ويوفر تصويتاً عاجلاً، قد تجد المحكمة أن الالتفاف على القانون يرقى إلى إلغاء التصويت.
وإذا رفع أعضاء من الكونغرس دعوى ضد الإدارة للاستحصال على حكم بوقف تنفيذ أوامرها فقد يؤخر ذلك تخفيف العقوبات ويبرز عيوب الاتفاق ويثير الاهتمام ببنوده التي قد تتردد الإدارة في إعلانها. وقد يبرهن أنه أداة إبطاء مفيدة تسمح بالمحاسبة الكاملة عن التنازلات المخفية والاتفاقات الجانبية التي يشاع أنها ستحصل مثل دفع مبلغ 7 مليارات دولار مقابل الإفراج عن أربع مواطنين أمريكيين، وهي إشاعة نفتها الإدارة.
ماذا لو فشل جهد الكونغرس؟
أضاف الباحثان أن الإيرانيين يولون اهتماماً وثيقاً بالمشاعر في الكونغرس حتى أنهم يشيرون إلى اعتراضات المشرعين كأسباب لعدم معاودة الانضمام إلى الاتفاق النووي. حتى لو فشل الجهد فسيكون قد وجه رسالة استثنائية إلى النظام ومجتمع الأعمال الدولي مفادها أن الاتفاق لن ينجو مع أي إدارة جمهورية مستقبلية. في نهاية المطاف، إن الشركات التي تتجنب المخاطرة، لا السياسيين، هي التي تتخذ قرارات الاستثمار. من شأن التصويت ورسالته أن يعرقلا بشدة أي استثمار اقتصادي في إيران وقد يبرهنان أنهما ناقوس الموت لهذه المفاوضات المضللة وسيعدان الأرضية أمام الإدارة المقبلة لاتخاذ نهج أقوى.