إذًا أمامنا أيام قليلة وندخل شهر أكتوبر 2022، حيث ستكون هذه الفترة بداية لأكثر الشهور المكلفة اقتصاديا والمؤثرة بشريا والضاغطة من الناحية النفسية على معظم الدول المتأثرة بشكل مباشر أو غير مباشر بالحرب الأوكرانية الروسية..
في المقال الأخير الذي تناولت فيه استشراف مآلات وسيناريوهات الحرب الروسية الأوكرانية والذي حمل عنوان: قراءة استراتيجية لسيناريوهات نهاية الحرب الروسية الأوكرانية من الحل الدبلوماسي إلى مستنقع الجوع والصقيع وردت الفقرة الآتية “السيناريو الثاني (تشاؤمي) وهو الأقرب إلى الحدوث، سيتحقق عبر دخول الحرب إلى معركة تكسير العظام وحرب الإرادات واستغلال الشتاء القادم، واللعب على استمرار ورقة الضغوط الاقتصادية الدولية، وهذا السيناريو سيبدأ في شهر أكتوبر 2022 وأقرب وقت لنهايته هو نهاية شهر فبراير 2023 والذي سينتهي بنفس أسلوب السيناريو التفاؤلي” (1 )
بحسب السيناريو السابق ستلعب روسيا أو ستستمر بالمعنى الأدق في اللعب على الأوراق الرابحة الآتية: الحرب النفسية القائمة على نشر الخوف والرعب بين سكان أوروبا عموما وأوكرانيا على وجه الخصوص حول معظم ما يمكن استغلاله للضغط على حكومات بلدانهم حيال أي حل يمكن أن يكون في صالح روسيا. وبالفعل فإن هذه الورقة بدأت بالتحقق ولو بشكل مبدئي، من بينها استغلال الشتاء القادم إلى أوروبا وأوكرانيا، وهو إحدى أبرز تلك الأوراق الرابحة لدى الروس، خصوصا أن هذا الفصل يعد من أشد فصول السنة كلفة مادية وتهديدا صحيا وإنسانيا على البلدان التي تعتمد على الغاز والنفط الروسي إلى الآن على أقل تقدير، وهذا الاتجاه لا يقل خطورة على روسيا نفسها طبعا.
إذًا أمامنا أيام قليلة وندخل شهر أكتوبر 2022، حيث ستكون هذه الفترة بداية لأكثر الشهور المكلفة اقتصاديا والمؤثرة بشريا والضاغطة من الناحية النفسية على معظم الدول المتأثرة بشكل مباشر أو غير مباشر بالحرب الأوكرانية الروسية، وطبعا هذه الظروف القاسية لن تستثني العديد من دول العالم التي تتداخل مصالحها واحتياجاتها مع تحوُّلات ومتغيرات هذه الحرب.
وبحسب أغلب المؤشرات والقراءات التحليلية وما يرشح من أحداث على أرض الواقع، فإن الحرب لن تتوقف قبل الدخول إلى حرب استنزاف من مختلف الاتجاهات البشرية والمادية والنفسية؛ وكل الخوف أن يتم استغلالها لأجندات سياسية بعيدة المدى من قبل بعض المنتفعين من الحرب مثل الولايات المتحدة الأميركية، والتي على ما يبدو من أكثر الرابحين من هذا الصراع.
من الجانب الروسي فإن الفرص ضئيلة للتوقف أو التهدئة في الفترة القصيرة القادمة، والتي ستعتمد على الحرب النفسية بشكل رئيسي، بالإضافة إلى اللعب على ورقة تراخي الجانب الغربي وتراجع الدعم لأوكرانيا في محاولة للضغط على هذه الأخيرة، أما بالنسبة لأوكرانيا فهي ـ بلا شك ـ وإن كانت الحرب بالنسبة لها حرب وجود، فإن هذا الأمر لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية بينما تعتمد على الدعم الغربي والأميركي والذي ـ بلا شك ـ لا بُدَّ أن يصل إلى نقطة نهاية.
باختصار، أمام روسيا وأوكرانيا خصوصا والدول التي تتداخل مصالحها مع نتائج وآثار الحرب فترة لا يجب أن تطول لأكثر من شهر 10 (أكتوبر)، يجب أن يتخذ فيها قرار عملي للتراجع وبأي شكل من الأشكال، وإلا فإن القرار الذي سيتخذ لاحقا سيكون نتاج شتاء قارص ستتكبد فيه جميع الدول خسائر طائلة في الموارد البشرية والمادية، ولعل النتائج حينها ستعيد ترتيب النظام الدولي بشكل كامل.
مراجع
1 ـ – صحيفة الوطن، سلطنة عمان، منشور بتاريخ: 17 يوليو 20200 على الرابط: https://alwatan.com/details/473190
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية