عندما قرر الهجرة غير الشرعية مع أسرته الصغيرة، لم يتخيل مصطفى ميستو، كما يروي أقرباؤه، أن الموت سيكون لهم بالمرصاد. كان سائق سيارة الأجرة يحلم بأن يطعم أطفاله ويعلمهم بعد الضيق في لبنان.
مصطفى، أحد ضحايا قارب الموت الذين عثرت عليهم السلطات السورية الخميس، بعد غرق مركبهم الذي انطلق من شمال لبنان وعلى متنه عشرات المهاجرين، غالبيتهم من اللبنانيين واللاجئين السوريين.
في باب الرمل، أحد أفقر أحياء مدينة طرابلس في شمال لبنان، تبكي العائلة على مصابها، بعدما علمت أن مصطفى قضى غرقاً مع أطفاله الثلاثة، بينما نجت زوجته.
ويقول جهاد المانع، قريب مصطفى: “لم يذهب في نزهة الى الخارج أو لقضاء إجازة نهاية الأسبوع. لم يكن حلمه الحصول على جنسية أخرى بل أن يسجل أولاده في مدرسة ويطعمهم”.
ولم تتضح ملابسات غرق المركب المحمل بما بين 100 و150 شخصاً، وعثر على جثث 73 منهم على الأقل حتى الآن، واُنقذ 20، فيما لا يزال آخرون في عداد المفقودين.
وتعدّ حصيلة الضحايا الأعلى منذ أن نشطت ظاهرة الهجرة غير الشرعية من لبنان، التي بدأها لاجئون سوريون وفلسطينيون يبحثون عن بدايات جديدة، قبل أن ينضم اليهم لبنانيون، غالبيتهم من شمال لبنان، أنهكتهم الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة.
وغادر مصطفى مع عائلته، بعدما دفع بين 3 و5 آلاف دولار لكل شخص لمهربين، كما يروي المانع. وجمع المبلغ المطلوب بعدما باع سيارته واستدان من إخوته وباعت والدته مصاغها.
ولم تتمكن العائلة من معرفة الوجهة التي كان سيسلكها القارب قبل غرقه. وينتقد أفرادها بشدة المسؤولين خاصةً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المتحدر من طرابلس، والذي تحاول عبثاً التواصل معه منذ الفاجعة.
ويسأل المانع بانفعال: “أين المعنيين؟ لا نعلم إذا كان أولادنا موتى أم أحياء”.
منذ شيوع نبأ غرق المركب، يتوافد الأقرباء والأصدقاء الى منزل العائلة المفجوعة، بينهم عمر ميستو، صديق مصطفى منذ الطفولة.
ويقول: “الفقر والوضع المعيشي جعلا مصطفى يغادر لبنان”.
وينقل عنه قوله باستمرار: “سأغادر حتى لو كنت سأموت. إما أن أصل أو أموت”.
وبدأت عائلات في لبنان الجمعة تشييع قتلاها، بينهم عائلة التلاوي، التي غادر ابنها وسام التلاوي مع زوجته وأطفالهما الأربعة على متن المركب، لتبلغ العائلة بنجاته، بعد وفاة ابنتيه، 5 و9 أعوام ولا تزال زوجته مع طفلين آخرين في عداد المفقودين.
وتسلمت العائلة، وفق أحمد، شقيق وسام، جثة الطفلتين وشيعتهما في مسقط رأسيهما في منطقة عكار، أما وسام فيعالج في مستشفى الباسل في طرطوس السورية، مع 19 آخرين ممن تم إنقاذهم من البحر.
ويقول أحمد عبر الهاتف: “استيقظنا الخميس ولم نجد شقيقي، العامل في شركة تنظيفات”.
ويضيف “لم يقو على تأمين قوت يومه وتعليم أطفاله، فكلفة تسجيل كل ولد في المدرسة تبلغ 10 ملايين ليرة”.
وينتقد بشدة غياب السلطات اللبنانية. ويسأل بغضب: “أين الدولة؟ لم نتلق اتصالا من أي جهة بعد، ولم يكلف مسؤول نفسه بالذهاب إلى سوريا لمتابعة الملف”.