شاركت شخصيات يابانية وأجنبية عدة اليوم الثلاثاء في تكريم ذكرى رئيس الوزراء السابق شينزو آبي الذي قتل بالرصاص، في جنازة وطنية أثارت انقساماً في البلد بين آلاف تهافتوا لوداعه وآخرين تظاهروا احتجاجاً على المراسم.
وبدأت الجنازة بوصول أرملة رئيس الوزراء السابق أكي آبي في كيمونو أسود، حاملة رماد زوجها إلى مركز “نيبون بودوكان” حيث كان في استقباله رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، الذي أشاد به في تأبينه واصفاً إياه بـ “رجل شجاع” معدداً إنجازاته ومن بينها توطيد العلاقات الدبلوماسية مع عدد من البلدان.
وختم مبدياً “حزناً هائلاً” أمام صورة سلفه فوق منصة من الأزهار في وسطها إناء يحوي رماده، وخلفها العلم الياباني ومجموعة من الميداليات.
وتقاطر آلاف اليابانيين منذ الصباح إلى مركز بودوكان الذي تقام فيه مباريات فنون قتالية وحفلات موسيقية ورسمية في قلب العاصمة، لوضع باقات من الزهر وتكريم ذكرى آبي أمام صورة في خيمة أقيمت لهذه المناسبة.
وقال كوجي تاكاموري رجل الأعمال الذي قدم من جزيرة هوكايدو شمال، مع ابنه: “أردت أن أشكره، فعل الكثير من أجل اليابان”، مؤكداً أن “الطريقة التي قتل بها صدمة كبرى”، وأضاف “بصراحة، جئت أيضاً بسبب المعارضة الشديدة التي واجهتها هذه الجنازة الوطنية، فاليابانيون غير متحدين على هذا الحدث الذي أثار سجالات وتظاهرات”.
وتولى آبي رئاسة الحكومة فترة قياسية تخطت 8 أعوام ونصف على فترتين بين 2006و2007
و2012 و2020، وكان السياسي الياباني الأكثر شهرة في بلاده والخارج بفعل نشاطه الدبلوماسي المكثف وبفضل سياسة الإنعاش الاقتصادي التي اتبعها وعرفت باسمه “أبينوميكس”، وأثار اغتياله بالرصاص وسط تجمع انتخابي في 8 يوليو(تموز) الماضي، صدمة في اليابان والعالم بأسره.
غير أن آبي كان يواجه عداء كبيراً أيضاً بسبب وجهات نظره الليبرالية والقومية، وعزمه على مراجعة الدستور الياباني السلمي، وارتباطه بفضائح سياسية مالية، وساهم دافع قاتله الذي كان يعتقد أنه مرتبط بكنيسة التوحيد المعروفة بـ”طائفة مون” والمتهمة بضغوط مالية قوية على أعضائها، في تراجع صورة رئيس الوزراء السابق أكثر في نظر منتقديه.
وتتواتر معلومات منذ مقتله كاشفة حجم الروابط بين الطائفة وبرلمانيين يابانيين من الحزب الليبرالي الديموقراطي الذي كان يتزعمه آبي في الماضي، ويرأسه اليوم كيشيدا، وسط تراجع شعبية رئيس الوزراء منذ الصيف.
وأثار قرار كيشيدا السريع والأحادي تنظيم جنازة وطنية احتجاجات المعارضة التي تعتبر أنه كان يجب بحث المسألة في البرلمان والمصادقة عليها، وقاطعت عدة أحزاب معارضة المراسم.
وهذا النوع من التكريم للمسؤولين السياسيين نادر في اليابان بعد الحرب، وكانت السابقة الوحيدة في 1967.
ومن المسائل التي أثارت الاستياء كلفة المراسم المقدرة بما يوازي 12 مليون يورو، مع التدابير الأمنية المشددة التي اتخذتها الحكومة بعد ما واجهته من انتقادات عند اغتيال آبي بسبب الثغرات في جهاز حمايته، فعمدت إلى نشر 10 آلاف شرطي لمواكبة الجنازة.
وانتظمت في الأسابيع الماضية تظاهرات سلمية احتجاجاً على المراسم جمعت أحياناً الآلاف، وأقيم تجمع جديد اليوم أمام البرلمان.
وحاول رجل إحراق نفسه قرب مكاتب رئيس الوزراء في الأسبوع الماضي احتجاجاً على الجنازة، وفق ما ذكرت وسائل الإعلام المحلية، وكشفت استطلاعات الرأي الأخيرة أن حوالي 60% من اليابانيين يعارضون هذه المراسم الوطنية.
وحضر حوالي 4300 شخص بينهم 700 مسؤول أجنبي الجنازة غير الدينية التي تستمر نحو ساعة ونصف الساعة، وبعد عزف النشيد الوطني ودقيقة صمت، ألقيت كلمات تأبين، من كيشيدا، ومساعد آبي السابق يوشيهيدي سوغا، الذي خلفه رئيساً للوزراء في 2020-2021.
ولم يحضر إمبراطور اليابان ناروهيتو وزوجته ماساكو لأهما رمز وطني محايد سياسياً، غير أن آخرين من العائلة الإمبراطورية شاركوا فيها.
ومن الضيوف الأجانب المشاركين نائب الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، ورئيسا وزراء الهند ناريندرا مودي، وأستراليا أنتوني ألبانيزي، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، فيما مثل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بلاده، أما الصين التي تقيم علاقات فاترة مع اليابان، فلم ترسل مسؤولاً حكومياً بل أوفدت ممثلاً عنها.