باتت موريتانيا اليوم، تتمتع بأهمية استراتيجية في ظل اكتشافات الغاز الطبيعي من جهة، وموقعها الذي يشكل حلقة وصل بين المغرب العربي وغرب أفريقيا وإطلالتها على المحيط الأطلسي فضلاً عن عوامل أخرى، وفق تقرير لصحيفة العرب اللندنية.
وتأمل البلاد التي يبلغ عدد سكانها نحو 4.6 مليون نسمة ثلثهم فقراء، أن تساهم هذه العوامل في إخراجها من قائمة الدول الـ25 الأكثر فقراً في العالم، ورفعها إلى قائمة الدول الأكثر ثراء في القارة السمراء على الأقل، خاصة أن عدد سكانها يساوي عدد سكان الكويت المصنفة في المرتبة 31 ضمن قائمة أغنى دول العالم.
تحتاج موريتانيا إلى قفزة تنموية سريعة، فعدد السكان قليل واحتياطات الغاز كبيرة والاستثمارات تتدفق على البلاد بشكل متزايد، وفوق ذلك تتمتع البلاد باستقرار سياسي وأمني، وجرى تسليم السلطة بسلاسة في 2019، ومنذ 12 عاماً لم تشهد البلاد أي هجوم إرهابي يستحق الذكر، ويتجلى تصاعد الأهمية الإستراتيجية لموريتانيا بعد أن فتحت بريطانيا لأول مرة سفارة لها في العاصمة نواكشوط عام 2018،.
وتكمن الأهمية للغاز الموريتاني في الدور الذي قد يلعبه في تعويض جزء من النقص الذي يعانيه العالم وخاصة أوروبا من الغاز الروسي.
الوضع الحالي في موريتانيا مشابه لما كانت عليه دول الخليج قبيل اكتشاف النفط، الذي حوّلها من دول فقيرة إلى غنية من حيث نصيب الفرد من الناتج الداخلي، كما شهدت نهضة عمرانية مبهرة.
لكن ليست كل تجارب النفط في الدول العربية قليلة السكان ناجحة، فعند النظر إلى ليبيا التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا وسكانا لا يصل عددهم 7 ملايين، إلا أنها لم تحقق نفس النجاح الذي حققته دول الخليج.
فغياب الاستقرار السياسي والأمني منذ 2011، وسوء التخطيط التنموي، والانخراط في الأزمات الدولية بشكل سلبي في عهد معمر القذافي (1969 – 2011)، لم يُمكن ليبيا من تحقيق نموذج تنموي يمكن البناء عليه.
وموريتانيا أمام مفترق طرق مصيري لتحقيق قفزتها التنموية، فاحتياطات الغاز المكتشفة هامة (تبلغ 100 تريليون قدم مكعب)، تضعها في المرتبة الثالثة أفريقيا بعد نيجيريا (207 تريليون قدم مكعب)، والجزائر (159 تريليون قدم مكعب).
كما يفوق احتياطي الغاز الموريتاني نظيره الليبي (نحو 55 تريليون قدم مكعب)، وحتى المصري (63 تريليون قدم مكعب).
لكن موريتانيا لا تمتلك الأموال الكافية لاستثمار المليارات من الدولارات في استخراج الغاز وبناء مصانع تسييله وتخزينه وتصديره عبر موانئ وسفن خاصة، مثلما فعلت قطر منتصف التسعينات.
لذلك تضطر موريتانيا للاعتماد على الاستثمارات الأجنبية للشركات المتعددة الجنسيات، خاصة البريطانية والأمريكية والفرنسية.
حيث من المنتظر أن يتم بيع أول شحنة غاز موريتاني نهاية 2023، في ظرف دولي غاية في الحساسية، حيث تسعى الدول الأوروبية للاستغناء كليا عن صادرات الغاز الروسي التي بلغت العام الماضي أكثر من 150 مليار متر مكعب.
رغم امتلاك ليبيا أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا وعدد سكانها لا يصل 7 ملايين نسمة، إلا أنها لم تحقق نفس النجاح الذي حققته دول الخليج.
وإذا استمر نفس التوجه الأوروبي في الأعوام المقبلة، فسيلعب الغاز الموريتاني دوراً استراتيجياً في تعويض جزء من نظيره الروسي، وضمان أمن الطاقة الأوروبي، ما يوفر للبلاد ليس فقط مداخيل كبيرة بالعملة الصعبة، بل سيزيد من أهميتها الجيوسياسية بالنسبة إلى أوروبا والعالم.
ويمثل التحدي الأكبر بعد استخراج وتصدير الغاز، كيف يمكن للحكومة الموريتانية الاستفادة من مداخيله في القضاء على الأمية (52%) والفقر (31%)، وتشييد بنية تحتية وعمرانية حديثة، وتنويع الاقتصاد.
الموقع الإستراتيجي لموريتانيا الرابط بين دول المغرب العربي والمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا جعلها محل تنافس بين الجزائر والمغرب، باعتبارها الطريق الأقرب والأكثر أمنا لتصدير سلعها نحو دول غرب أفريقيا والمطلة على المحيط الأطلسي وخليج غينيا.
ومنذ سنوات، يصدر المغرب سلعه براً نحو غرب أفريقيا عبر موريتانيا، وفي العشرين من سبتمبر (أيلول) الجاري انعقدت الدورة الثانية للمنتدى الاقتصادي المغربي – الموريتاني بمدينة الدار البيضاء، بحضور نحو 140 رجل أعمال موريتاني.
بينما وقّعت الجزائر وموريتانيا 26 اتفاقية في الرابع عشر من سبتمبر (أيلول)، بعدما تم افتتاح أول معبر حدودي بينهما في 2018 فقط.
كما قرر البلدان تشييد طريق بين مدينتي تيندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، وتتولى الجزائر تمويله وإنجازه وتوفير مختلف الخدمات على طوله بما فيها الإضاءة بالطاقة الشمسية، ومحطات الوقود.
لكن الأهم من ذلك دعوة الجزائر موريتانيا لبناء خط أنابيب يربط حقول الغاز الموريتانية بشبكة أنابيب الغاز الجزائرية بما يسمح بتصديره إلى أوروبا.
ولم تعلن نواكشوط بعد عن الطريقة التي سيتم بها تصدير غازها إلى أوروبا، لكن من المرجح أن يتم تصديره مسالاً في المرحلة الأولى، خاصة وأن تشييد أنبوب غاز عبر الجزائر أو المغرب يتطلب فترة طويلة لا تقل عن عامين في أحسن الأحوال.
وتمثل مكافحة موريتانيا للإرهاب تجربة فريدة من نوعها في مجموعة الساحل الخمس، إذ أنها الوحيدة في المنطقة التي انتصرت في معركتها مع المجموعات المسلحة والمتطرفة وعلى رأسها تنظيم القاعدة في المغرب.
وتعرضت موريتانيا في الفترة بين 2005 و2010 لعدة هجمات إرهابية أوقعت عدداً كبيراً من القتلى، ورغم عدم امتلاك الجيش إمكانيات كبيرة، إلا أنه وجّه لتنظيم القاعدة ضربات قوية عبر فِرق متخصصة في القتال بالصحراء.
وسرعان ما انتقل الجيش الموريتاني من صد الهجمات المباغتة إلى الهجوم على معاقل التنظيم الإرهابي في الصحراء وحتى خارج حدودها وبالضبط في شمال مالي، بموافقة باماكو.
ونجح الأمن الموريتاني في استقطاب السكان المحليين بالمناطق الحدودية، وبذلك جفف الحاضنة الشعبية للتنظيم في البلاد.
وكانت هذه المرة الأولى التي تقوم فيها دولة من منطقة الساحل بمطاردة الجماعات المسلحة خارج حدودها، رغم أن مالي سبق لها وأن طلبت من الجزائر، باعتبارها أقوى دول الميدان (موريتانيا، النيجر، مالي والجزائر) استهداف الجماعات الإرهابية داخل محافظاتها الشمالية، لكن الجزائر تمسكت بعقيدتها العسكرية في عدم القتال خارج أراضيها.
وفي الوقت الذي اجتاحت الانقلابات ثلاث دول في مجموعة الساحل (مالي، بوركينا فاسو، تشاد)، ونجت النيجر من انقلاب عسكري فاشل، نجحت موريتانيا في تحقيق انتقال سياسي صعب، عندما فاز محمد ولد الغزواني برئاسة البلاد في انتخابات لم يترشح لها محمد ولد عبدالعزيز، الذي قاد انقلاباً عسكرياً في 2009.
هذا الارتباط الأمني بفرنسا لم يمنع موريتانيا من توقيع اتفاقيات عسكرية مع روسيا في يونيو (حزيران) 2021، في سعي لتنويع شركائها مع مراعاة التوازنات الدولية والإقليمية.
كما أن التعاون مع الشركات الغربية في قطاع الغاز يقابله تصدير معظم إنتاج موريتانيا من الحديد الخام إلى الصين.