عبدالله الأيوبي
تركيا وإيران تعبثان بسيادة العراق
تأتي الهجمات الإيرانية الأخيرة على بعض المناطق في إقليم كردستان العراق تواصلا لمسلسل تشارك في فعالياته كل من تركيا وإيران اللتين تشتركان في تقديم الحجة والذريعة اللتين من خلالهما تحاولان تبرير هذه الاعتداءات، فالدولتان تتذرعان بحجة محاربة الجماعات الكردية المسلحة، الإيرانية منها والتركية، اللتين تقول الدولتان أنها تتمركز في مناطق شمال العراق (كردستان)، فتقومان بين الفينة والأخرى بتنفيذ مثل هذه الاعتداءات من دون وضع أي اعتبار لحرمة السيادة العراقية وللمشاكل والأوضاع الصعبة التي يمر بها هذا البلد العربي بعد انهيار الدولة العراقية بعد جريمة الغزو الأمريكي في مارس من عام 2003 والتي حولت العراق إلى ساحة خصبة لمختلف الجماعات الإرهابية، وجردت الدولة العراقية من أي إمكانيات للدفاع عن مصالحه الوطنية والحفاظ على سيادته وحرمة أراضيه.
فإيران، كما هي تركيا أيضا، لديهما مشاكل مزمنة مع مواطنيهما من أبناء الأقلية الكردية وقد عجزتا حتى الآن عن وضع حد لهذه المشاكل وإنهاء الصراع الدموي الذي تعانيان منه مع أبناء هذه الأقلية، وما تقومان به في العراق لا يعدو كونه محاولة لتصدير هذه المشاكل على بلد يكفيه ما يعاني منه من مشكلات وأزمات مختلفة، خاصة بعد جريمة الغزو، فحل هذه المشاكل لا يتأتى على حساب مصالح الجيران وسيادتهم الوطنية، كما تفعل تركيا في سوريا مثلا أو ما تقوم به إلى جانب إيران في العراق، فالهروب إلى الأمام عن مواجهة هذه المشاكل لن يقود إلى حلها، بل على العكس من ذلك من شأنه أن يعقدها ويطيل أمدها ويؤزم علاقات الدولتين مع جيرانهما.
فأصل المشكلة التي تعاني منها كل من تركيا وإيران مع أبنائهما من الأقلية الكردية، ليس في وجود أعداد منهم في إقليم كردستان العراق، ولا حتى في وجود عدد من المسلحين في المناطق الكردية العراقية، لأن مثل هؤلاء المسلحين هم أصلا موجودون داخل البلدين (تركيا وإيران) ويمارسان أعمالهم المناهضة للدولتين من داخل أراضيهما، أضف إلى ذلك، فإن وجود عدد من المسلحين الأكراد، الأتراك والإيرانيين، في عدد من مناطق شمال العراق، هذا الوجود ليس مدعوما ولا حتى مقبولا من جانب الحكومة العراقية، وإنما خارج إرادتها، نظرا إلى ما يعانيه العراق من مشاكل وضعف أمني للدفاع والحفاظ على مصالحه الوطنية.
أما تبرير هذه الاعتداءات المتكررة على السيادة الوطنية العراقية وتهديد أمن واستقرار المواطنين العراقيين، بحجة «حق الدول في الدفاع عن أمنها الوطني»، فإنها حجة غير مقبولة من منطلق أن هذا الحق لا يجب أن يكون على حساب حق الدول الأخرى في حماية والحفاظ على أمنها الوطني، فهذا الحق لا يجب أن يكون معياره قوة هذه الدولة أو تلك وقدرتها على ممارسته، وإنما المعيار الفاصل في هذا الأمر هو القانون الدولي الذي يحرم ويجرم التعدي على سيادة الدول ومصالحها الوطنية، فما تفعله إيران وتركيا في العراق، هو اعتداء صريح على السيادة العراقية ومصالح العراق الوطنية.
فتركيا وإيران تواصلان اعتداءاتهما على الأراضي العراقية تحت الحجة سالفة الذكر، لعلمهما وقناعتهما في عدم قدرة العراق على الدفاع عن سيادته الوطنية، بعد ما جردته جريمة الغزو الأمريكي من هذه القدرات، فهذه العربدة التركية والإيرانية في الأراضي العراقية سيكون لها مردود عكسي على المدى البعيد فيما يتعلق بالعلاقات المستقبلية مع بغداد، إلى جانب، وهذا هو الأهم، أنها، أي الاعتداءات لن تزيل الأسباب التي تتحجج بها أنقرة وطهران، أي “مواجهة التهديدات الأمنية” التي تمثلها وجود تشكيلات عسكرية كردية مناهضة للبلدين داخل إقليم كردستان العراق.
لمواجهة أي تهديد أمني تتعرض له أي دولة من خارج حدودها، لا يمكن الوصول إليه من خلال خلق مشاكل مع دول الجوار قد تقود إلى صدامات لا يحمد عقباها، بل على العكس من ذلك، فإن الحل الأنجع لمثل هذا الوضع يتمثل أولا في البحث عما إذا كانت هناك أسباب داخلية تقف وراء بروز مثل هذا التهديد، وإن وجدت فإن حلها يجب أن يكون في مقدمة الأولويات، إضافة إلى العمل على نسج علاقة حسن جوار وسلام مع الجيران، فالجغرافيا السياسية تفرض نفسها أيا كانت الظروف الموضوعية القائمة، فالكثير من دول العالم تسعى إلى مثل هذه العلاقة لأن ذلك هو أقصر الطرق وأنجعها لدرء خطر التهديد الذي يمكن أن يأتي من الحدود المشتركة للدول، فتركيا وإيران بحاجة إلى تصفير مشاكلهما مع العراق لأن ذلك يصب في مصلحتهما الوطنية أما الاستمرار في مواصلة نهج التدخل والاعتداءات على السيادة العراقية فلن يحقق النتيجة المطلوبة، بل على العكس سيرفع من فاتورة الخسائر البشرية والاقتصادية للجميع.