وقعت أحداث غاية في الغرابة بين طالبان والولايات المتحدة منذ أودت طائرة أمريكية مُسيَّرَة بحياة زعيم القاعدة أيمن الظواهري في يوليو (تموز) الماضي في أحد المنازل في العاصمة كابول، زُعِمَ أنه مملوك لأحد مساعدي سراج الدين حقّاني الوزير الطالباني والقائد في شبكة حقّاني التي تعدّ فصيلاً قويّاً من فصائل حركة طالبان.
فبدل تفاقم التوتر بين الجانبين، سجل اختراقان دبلوماسيان. فقد اشتبكت قوات طالبان مع باكستان على الحدود الفاصلة بين البلدين. وفي تلك الأثناء، تَوَاصلَ حقّاني علناً مع الهند رغم حقيقة أن انتحاريين مُنتمين إلى شبكته فجّروا أنفسهم بحسب التقارير الصحافية في السفارة الأفغانية في نيودلهي في الماضي.
صعود استثنائي لأتباع شبكة حقّاني
على مدار أكثر من 15 عاماً، صُوِّرَ أتباع شبكة حقّاني في الولايات المتحدة والهند على أنهم وكلاء يتبنون أعمال العنف لصالح وكالة الاستخبارات الباكستانية، ووكالة الاستخبارات الرئيسة للجيش، ويضطلعون بمهمِّة فرعية قوامها دعم الجهاد العالميّ. غير أن الأحداث الأخيرة أكَّدَت الأدلة الكثيرة التي جمعها علماء ومحللون وصحافيون بكدٍ واجتهاد على مرّ السنين، وترسم معالم الصعود الاستثنائي لأتباع شبكة حقّاني من العدم إلى سوء السمعة ومنها ربما الآن إلى الاحترام والتوقير في بعض الدوائر، وذلك بحسب الكاتب والمحلل السياسي يوهان تشاكو، في مقال له نشرته صحيفة “ذا ناشونال”.
وتدلل هذه الأدلة على نحو مُقْنِع، بحسب تشاكو، على أن أتباع شبكة حقّاني لم يخضعوا لأحد من قبل قط، وإنما حرصوا كل الحرص على استقلالهم الإستراتيجي عن طريق التحالف مع عدد كبير من الأطراف الفاعِلة التي غالباً ما تربطها علاقات خصومة وتنافس.
وأحجمَ أتباع شبكة حقّاني عن التهديد بالانتقام من الصاروخ الأمريكي الذي أدى إلى مقتل الظواهري في 31 يوليو(تموز) من العام الجاري. وهذا دليل على تحوُّل الأولويات لديهم، برأي الكاتب، وإشارة إلى أنهم يُقدِّرون العلاقة القائمة بينهم وبين واشنطن أكثر من تقديرهم لالتزامهم الأيديولوجيّ نحو الجهاد.
وفي تلك الأثناء، في اليوم نفسه الذي قُتل فيه الظواهري باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، أجرى سراج الدين حقّاني مقابلة رفيعة المستوى في القناة الإخبارية الهندية News18 قطعَ فيها على نفسه وعداً بتأمين الشركات والأعمال الهندية وتعزيز العلاقات بين فِرق لعبة الكريكت، إذ إنه عاشق كبير لهذه الرياضية.
وفي 19 سبتمبر، أطلق أتباع شبكة حقّاني سَرَاح المهندس الأمريكي مارك فريريكس الذي اختُطِفَ في يناير (كانون الثاني) 2020 في مقابل بشير نورزائي الذي يُعدُّ أحد أباطرة تجارة المخدرات الأفغان ومموِّل حركة طالبان.
وعندما نستدعي الأحداث، نجد أن الإشارة الأكثر جلاء كانت المقالة التي نشرها في فبراير (شباط) 2020 في صحيفة “نيويورك تايمز” سراج الدين حقّاني نفسه، وأعربَ فيها عن رغبته في “إقامة علاقات وديّة مع جميع البلدان”، وأن تدعم الولايات المتحدة إعادة إعمار أفغانستان وتطويرها فور أن تنسحب قواتها منها.
وأضح الكاتب أن تصرفات أتباع شبكة حقّاني تتماشى عموماً مع هذا الفكر. ومن بين التفسيرات المطروحة لهذه التطورات أن أتباع شبكة حقّاني حرروا أنفسهم من قبضة تنظيم داعش. غير أن الأدلة التي جمعت من 97 ألف مستند حصدها الأمريكيون من غارتهم على بن لادن تقصُّ قصةً مختلفة للغاية تجبرنا على التشكيك في الفرضيات السابقة.
نشرت تلك المستندات تحت عنوان “أوراق بن لادن”، وكشفت عن قدرات أتباع شبكة حقّاني المبهرة على كسب ثقة الجيش الباكستاني والقاعدة في آنٍ واحد، حتى بعد أن اشتدت العداوة بين الطرفين في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر(أيلول). وبالمثل، فقد حافظ أتباع حقّاني على علاقاتهم الوطيدة بباكستان وحركة طالبان باكستان، حتى في الوقت الذي اندلعت فيه اشتباكات بين هذين الطرفين مرة تلو الأخرى منذ 2007 فصاعداً.
نفوذ باكستان
ولفت الكاتب النظر إلى أن النفوذ الذي تمارسه باكستان على شبكة حقّاني على هيئة دعم مادي ورعاية طبية وملاذ آمن لم يكن كافيّاً لأن يجعل أتباع الشبكة يتخلون عن حركة طالبان باكستان. على العكس من ذلك، فقد اضطرت باكستان إلى أن تغض الطرف على ذلك بينما ركّزت على الهدف المشترك المتمثل في انتصار طالبان الذي من المفترض أن يحمي باكستان من أي قوة معادية تستغل قدرة كابول على إثارة حفيظة طائفتي البشتون والبلوش ضد إسلام أباد. ونستخلص من ذلك أن أتباع شبكة حقّاني اتخذوا قراراتهم دوماً بناءً على الاحتياجات الإستراتيجية لموقفهم المُتطور.
وبصفتهم متمردين قاتلوا الأفغان الشيوعيين والسوفييت – ولاحقاً الأمريكيين وعملاءهم الأفغان – أعطى أتباع شبكة حقّاني أولوية للعلاقات طويلة الأجل التي ستكفل لهم الدعم الموثوق خلال العديد من التقلبات والمنعطفات في فترات الحرب.
وإذ انتقلوا من الحرب والاقتتال إلى الحكم، أصبح أتباع حقّاني بحاجة إلى شراكات دولية مثمرة ومستقرة لا تستطيع الجماعات المسلحة العالمية أن تقدمها لها.
إن الغرب والهند ليسا الطرفين الوحيدين اللذين أساءا فهم أتباع شبكة حقّاني، يقول الكاتب، فرغم أن أتباع شبكة حقّاني وحركة طالبان ضحّوا بتنظيم القاعدة بلا صخب، فقد جددوا التزامهم تجاه حركة طالبان باكستان، إذ أطلقوا سراح آلاف الأسرى بعد أن تقلدوا الحكم.
تحصين الحدود
والآن، تعمل باكستان على تحصين حدودها والاستعداد لعلاقة المواجهة التقليدية بين إسلام أباد وكابول، كما لو أن التحالف الذي دام جيلين مع أتباع شبكة حقّاني وغيرهم لم يحدث أبداً.
والواضح بالقدر ذاته، برأي الكاتب، هو أن الولايات المتحدة على الأقل أحاطت علماً بالحاضر إذ أقرّت بأن أتباع شبكة حقّاني وطالبان لا يمكن اختزالهما في قوالب تقليدية ولا التلاعب بهما.
ودعا الكاتب في نهاية مقاله المجتمع الدوليّ إلى إعادة التقييم المُستمرة والمُتقنة التي أثبت أتباع شبكة حقّاني أنهم بارعون فيها للغاية.