بغداد/ تبارك عبد المجيد
“آني بريئة” هذه آخر الكلمات التي رددتها فاطمة بصرخات متعالية أثناء قيام أخيها بقتلها.
الفتاة فاطمة (وهو اسم مستعار)، من سكنة قضاء بيجي شمالي محافظة صلاح الدين، شعرت بوعكة صحية تطلبت مراجعتها طبيبة وبعد فحصها تبين ان الفتاة حامل، ولهذا السبب تم قتلها، لكن الصدمة كانت عندما اكتشف ان التشخيص لم يكن دقيقا، وان الفتاة كانت تعاني من ورم في معدتها.
وفي سياق المحافظة على الشرف، بمحافظة بغداد، قتلت طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات، من قبل ذويها لأنها تعرضت للاغتصاب من منتسب في وزارة الداخلية، الذي قام باغتصاب طفلة أخرى تبلغ من العمر 7 سنوات.
اما في ميسان، فبعد رفض الفتاة التنازل عن حصتها في الورث عند طلب الأخ بأن تتنازل له، قام برمي مادة النفط الأبيض عليها محاولا حرقها، ليدعي فيما بعد على انها جريمة الحفاظ على الشرف.
إضافة الى الكثير من القصص للناجيات من عمليات الاغتصاب من قبل عصابات داعش الارهابية التي تم قتلهن لجلبهن العار لعوائلهن.
تعرف سارة جاسم وهي مدافعة عن حقوق المرأة والطفل مصطلح الشرف من وجهة نظرها على انه “مجموعة من القيم الأخلاقية التي تتمثل في الصدق والإخلاص والأمانة تندرج معه العديد من الصفات الحسنة التي تتجمع لتسمو بالإنسان وترفعه لمرتبة التقدير والاحترام بغض النظر عن جنسه، لكن لايزال الذكر يربط شرفه بجسد المرأة (اخته، امه، زوجته، ابنته)، حتى لو كان خائنا او زانيا او سارقا فجميع هفواته يمكن ان تغتفر ولكن لا يمكن ان يغفر له المجتمع أخطاء احدى محارمه”.
وتشير جاسم، إلى أن “هذه الجرائم البشعة التي تدرج تحت مسمى قضايا “الشرف” أصبحت وسيلة لتصفية حسابات داخل الأسرة، وأن معظم هذه الجرائم لا يتم الإبلاغ عليها بصفة جرائم قتل، إنما حالات انتحار”.
لا يزال الجدال قائما بشأن جرائم الشرف أو ما تسمى بجرائم غسل العار، فهناك من يراها بأنها عملية تنظيف للمجتمع من أشخاص لم يصونوا عهود الشرف، وآخرون يرون بأنها جرائم مدعومة من قبل القانون العراقي حسب المادة (409) من قانون العقوبات التي لا تتجاوز الثلاث سنوات لمرتكبيها.
المادة 409 تهديد حقيقي للنساء
تنص المادة (409) من قانون العقوبات العراقي والتي تتحدث عن القتل تحت مسمى جرائم الشرف “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن الثلاث سنوات من فاجأ زوجته او أحد محارمه في حالة تلبسها بالزنا او وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلها في الحال او قتل أحدهما او اعتدى عليهما او على أحدهما اعتداء افضى الى الموت او الى عاهة جسيمة ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده احكام الظرف المشددة”.
تقول مديرة قسم التعديلات القانونية في منظمة حرية المرأة في العراق، اسراء سلمان في حديث مع (المدى): ان هذه المادة تخالف المعاهدات الدولية التي وقع وصادق عليها العراق كذلك تخالف نصوص القرآن بكل وضوح والدستور العراقي، الامر الذي جعلنا العمل على الطعن بتلك المادة والتوجه الى المحاكم الشرعية لحماية حق النساء في الحياة.
تذكر السلمان أسباب مشاركتها في تقديم الطعن: نلاحظ من نص المادة انها تتكلم عن عنصر المفاجأة الذي بدونه لا تكتمل المادة، ودائما ما يتم تجاهل هذه الفقرة في القضايا. بعد ذلك نرى ايضا انه لم يفصل نوع المحارم هل هي محارم دائمة التي هي الام والاخت والابنة وابنة الاخ والاخت…، او محارم مؤقتة والتي هي المطلقة الى ان تنتهي العدة وأم الزوجة وأخت الزوجة، وتضيف، ان “من تحاول الدفاع عن نفسها عند تعرضها للقتل وسببت إصابة للرجل افضت الى الموت فأنها تحاكم بأحكام مشددة”، مشيرة الى ان “العقوبة التي تقع على عاتق الجاني هي ثلاث سنوات قابلة للتخفيف تحت بند المادة (128) من قانون العقوبات والذي على اساسه يتم تخفيف العقوبة او إعفائه تحت بند ( الجريمة لبواعث الشرفية)، وهذا البند يرجع تفسيره الى اجتهاد القضاة”.
وبحسب رأي القاضي رحيم العكيلي بتفسير هذا البند يقول ان “الجريمة لبواعث الشرفية هي التي تعني بالدفاع عن النفس، مثلا عند محاولة شخص اغتصاب امرأة فتم قتل هذا الشخص في هذه الحالة يتم إعفاؤه من العقوبة لكونها جريمة لبواعث شريفة”.
وتستغرب السلمان من وجود بعض المواد القانونية التي تخالف المادة 14 من الدستور العراقي التي تنص على انه “العراقيون متساوون امام القانون بغض النظر عن الجنس ….”، تعتبر الزنا جريمة تحتاج الى عقوبة فقط للنساء حيث ان امرأة اذا فاجأت زوجها في فراش الزوجية مع امرأة اخرى وقامت بقتله او قتلها فأنها تحكم بعقوبات مشددة وذلك تحت بند المادة 406 من قانون العقوبات، كما ان القانون العراقي يتعامل مع زنا الزوج كزنا فقط إذا كان في بيت الزوجية اما إذا كان خارج البيت فلا يعتبر زنا وهو ما نصت عليه المادة (377) من قانون العقوبات “يعاقب بالحبس الزوج إذا زنا في منزل الزوجية”، الامر الذي جعل هنالك تمييزا جندريا واضحا للعقوبات.
أصبحت كثير من جرائم القتل الموجهة للنساء ينتهي بها الى الغلق اما بعدم الإخبار عنها من قبل الاهل أو بفبركة الشهادات والأقوال قضائيا مع اخفاء الأدلة أو تزييفها بغية تضليل القضاء سيما وأن الشهود الوحيدين هم الاهل أو الأقارب الذين سيتكتمون على الحقيقة كما أن الأعراف الاجتماعية تمنع من غير الأقارب الإخبار عن واقعة القتل خشية الاستهداف العشائري.
يقول احمد حسين وهو طبيب في احدى مستشفيات بغداد في حديث إلى (المدى)، إن المستشفى يستقبل العديد من حالات الشنق والحرق او الطلق الناري وغيرها من وسائل القتل ونسبة منها تصنف ضمن جرائم غسل العار ولكنه في جميع الأحوال يتم إدراجها على انها حالة انتحار وعادة ما يتفهم الاطباء الاوضاع والاعراف العشائرية فيما لو كتب في شهادة الوفاة غير ذلك”.
وينوه الى انه “لا توجد هنالك احصائيات رسمية ودقيقة بسبب، دفع الرشوة لدوائر الطب العدلي لتزوير شهادة الوفاة او خوف شهود العيان من الاعتراف للجهات المعنية بسبب الملاحقة العشائرية التي هي أقوى من القانون”.
تعتبر اسراء سلمان ان “المستشفيات تتعامل ببرود تام مع جثث النساء وتعتبرها ارقاما فقط في الطب العدلي، فتجد تلك الجثث طريقها الى المقابر بهدوء تام بدون اي حزن او اي اجراء فعلي حقيقي”، وتضيف انه “في العديد من المناطق الجنوبية لا تصل تلك الجثث الى المستشفيات، فيتم دفنها بقبور مجهولة في التلال الاثرية تحت علم السلطات وتسمى تلك التلال (بتلال المخطئات)”.
محافظة ذي قار جنوبي العراق، تشتهر بوجود العشرات من تلك التلال في المدن الأثرية المنتشرة في عموم المحافظة، وتوجد بشكل كبير في مملكة لكش شرقي مدينة الناصرية مركز المحافظة، وقرب قضاء البطحاء من جهة الغرب، وبالقرب من أطلال مدينة لارسا، التي تبعد بنحو 10 كلم عن مدينة أور الأثرية.
بمرور الزمن، أصبحت تلك التلال مدافن، يتخذها السكان لدفن الأطفال حديثي الولادة، لكنها لاحقا أصبحت مدافن سرية وغير معلنة للنساء ممن يُقتلن غسلا للعار أو ما تعرف بجريمة الشرف، ولأن هذه الأماكن شبه مهملة وبعيدة عن الأنظار يجري الدفن فيها، وبحسب اعتقادهم فإن المرأة المقتولة لا تستحق الدفن في مقبرة وادي السلام في النجف، حيث اعتاد سكان جنوبي العراق الدفن فيها”.
تعتقد سارة جاسم ان: الحلول ممكنة، في حال تظافرت الجهود الوطنية لإيقاف نزيف قتل النساء، ويجب ان تكون تلك جهود جبارة لهذا الملف لا أن يتم إهماله وهذا يحتاج أيضا الى تشريعات قانونية تتضمن الغاء المادة 409 من قانون العقوبات التي تبيح القتل تحت مسمى غسل العار دون وجه حق، وترافق تلك الجهود الحكومية حملات لزيادة الوعي المجتمعي للحد من الانتهاكات الحقوقية الموجهة للمرأة.