بنغازي تستضيف 200 دار نشر عربية في معرض ضخم للكتاب
أكبر مدن الشرق الليبي تنفض عنها غبار الحرب وتدخل معركة جديدة لاستعادة دورها الثقافي
زايد هدية مراسل الأحد 16 أكتوبر 2022 23:07
المعرض يبعث رسائل أخرى للخارج بأن بنغازي آمنة ومضيافة وتحتفي بالثقافة والمثقفين والمبدعين العرب (اندبندنت عربية)
بدأت مدينة بنغازي، أكبر مدن الشرق الليبي، تنفض عنها غبار الحرب ودخلت معركة جديدة لاستعادة دورها الثقافي الذي اشتهرت به لعقود طويلة في البلاد، كيف لا وهي المدينة التي خرج من بين أزقتها وشوارعها رواد الأدب الليبي، مثل الصادق النيهوم وخليفة الفاخري والشاعران البارزان محمد الشلطامي وعلي الفزاني وقائمة طويلة من المبدعين غيرهم.
بعد أسابيع قليلة من مغادرة أكبر مكتبة عائمة لمينائها العتيق، الذي زارته لأيام قليلة محملة بشتى كنوز المعرفة، انطلق في بنغازي واحد من أكبر معارض الكتاب التي دشنت في البلاد خلال السنوات الماضية، بمشاركة واسعة من دور نشر عريقة محلية وعربية.
“شاعر الوطن”
المعرض الذي تستضيفه بنغازي لمدة أسبوع بداية من السبت، 15 أكتوبر (تشرين الأول)، بمشاركة دور نشر من 13 دولة عربية، وعدد من دور النشر المحلية، تحت شعار (بنغازي الثقافة… مستقبل وطن)، متضمناً 132 ألف عنوان من كل صنوف العلوم والأدب والثقافة، موزعة على 244 جناحاً، إضافة إلى عدد من الأنشطة الثقافية المصاحبة من أمسيات ثقافية وتوقيعات للكتب.
وقرر القائمون على المعرض الاحتفاء بجمهورية مصر العربية كضيف شرف في النسخة الأولى، التي تحمل اسم شاعر الوطن وابن المدينة، أحمد رفيق المهدوي.
بنغازي آمنة وتقرأ
في كلمة افتتاح المعرض، قال مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش اللواء خالد المحجوب إن “هذا الحراك الثقافي الذي تشهده بنغازي دليل على أنها بدأت بداية جديدة عبر معركة الفكر، وتنشر رسالة مفادها (بنغازي آمنة ومبدعة وتقرأ)”.
حذر البعض من أن بعض الكتب التي تشهد إقبالاً واسعاً تعطي دلالة على انتشار ثقافة سلبية في المجتمع تحتاج للدراسة (اندبندنت عربية)
وعاشت مدينة بنغازي فترة عصيبة من أصعب المراحل التاريخية التي عرفتها ما بين عامي 2013 و2017، حيث شهدت في البداية سلسلة مروعة من الاغتيالات والتفجيرات التي نفذها تنظيم “داعش” حتى عام 2014، عندما اندلعت في شوارعها معارك شرسة بين التنظيم وقوات الجيش استمرت لثلاث سنوات كاملة، وخلفت دماراً واسعاً وشروخاً اجتماعية كبيرة في المدينة.
في المقابل، أشاد عضو اتحاد الناشرين العرب أحمد عبد المنعم بالمعرض، قائلاً إن “هذا النوع من المحافل الدولية في بنغازي يمثل فرصة كبيرة لسكان المدينة للتعرف على الثقافات المختلفة، خصوصاً في ظل مشاركة 200 دار نشر عربية بكتب تنوعت ما بين علمية وثقافية”.
اقرأ المزيد
- أكبر مكتبة عائمة في العالم ترسو على شواطئ بنغازي
- معرض الرياض للكتاب يرسخ صورة الثقافة التونسية
- “اندبندنت عربية” تقدم كتبها للمرة الأولى في معرض الرياض للكتاب
- محمد عبلة يستعيد أسطورة سيزيف في معرضه القاهري
رسائل كبيرة
مديرة دار “جين” المصرية للنشر والتوزيع جيهان إسماعيل قالت إن “بنغازي بالذات تحتاج إلى مثل هذه الأنشطة الثقافية والفنية، لأنها تحمل رسالة بأن المدينة التي كسرت شوكة الإرهاب بدأت تستعيد دورها الثقافي المهم للبلاد برمتها، والتعرف على آخر نتاج الإبداع والثقافة العربية نظراً لمشاركة أكثر من 200 دار نشر من مصر والسعودية والأردن وسوريا والكويت والسودان وغيرها”.
وأضافت أن “هذا المعرض يبعث رسائل أخرى للخارج، فكل من شارك فيه سينشر في بلاده أن بنغازي آمنة ومضيافة وتحتفي بالثقافة والمثقفين والمبدعين العرب، وأنا أرى أن هذه رسالة قوية ومهمة في الظروف الحالية التي تعيشها ليبيا”.
معاناة الكتاب الورقي
وعن مستوى الإقبال على اقتناء الكتاب الورقي في مثل هذا المعرض، في غمرة ثورة التكنولوجيا وتوفر هذه الكتب بصيغ إلكترونية مجانية، رأت إسماعيل في حديث لـ”اندبندنت عربية” أن “دور النشر الورقية تعاني منذ ظهور الكتاب الإلكتروني والكتاب الصوتي، لكن على الرغم من ذلك ومن خلال المعارض التي أحضرها باستمرار، وإشرافي على دار نشر، أستطيع القول إنه ما زال هناك عشاق للكتاب الورقي تغريهم رائحة الورق العتيقة، لذلك الكتاب الورقي حي ومستمر بالمقاومة بعكس الصحيفة الورقية مثلاً التي بدأت فعلاً تتلاشى من الوجود واستسلمت تماماً لمتغيرات الزمن”.
وشددت على أن “التغلب على التحديات التي باتت تعترض عملية توزيع وانتشار الكتاب الورقي تحتاج إلى مثل هذه المعارض وتنظيمها باستمرار، فهذه الأحداث الثقافية في حد ذاتها تجذب كثيرين وتستهويهم وتسهم في انتشار الثقافة والتبادل الثقافي خصوصاً بين الدول العربية”.
استبدال الرصاص بالكلمة
عضو اللجنة الإعلامية للمعرض سليمة الدرسي اعتبرت أن “توقيت المعرض مهم جداً وحساس لبنغازي، والثقافة سلاح المرحلة لها بعد أن عرفت تجارب صعبة في السنوات الأخيرة بسبب النزاعات المسلحة التي شهدتها، وما زالت تتأثر مثل أي مدينة ليبية بالظروف السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، فتنظيم حدث مثل هذا على بساطته يخلق شعوراً إيجابياً، وسط أكوام من الضغوط والمشاعر السلبية التي تثقل كاهل الليبيين”.
واشتكت الدرسي من قلة الإقبال على اقتناء الكتب على الرغم من توافد أعداد مقبولة على المعرض، “التفاعل ليس إيجابياً بشكل مرض مع اقتناء الكتب على الرغم من أن الأسعار هذه المرة مناسبة ومقبولة عكس المعارض السابقة التي شهدتها بنغازي، لكن لاحظت التركيز على كتب معينة فقط من رواد المعرض مثل كتب الطبخ للنساء وكتب الطفل من الأمهات، وفئة قليلة هي من تبحث وتنقب عن عيون الأدب العربي والعالمي”.
توقيت المعرض مهم جدا وحساس لبنغازي والثقافة سلاح المرحلة بعد أن عرفت تجارب صعبة في السنوات الأخيرة بسبب النزاعات المسلحة (اندبندنت عربية)
وحذرت من أن بعض الكتب التي تشهد إقبالاً واسعاً تعطي دلالة على انتشار ثقافة سلبية في المجتمع تحتاج للدراسة، “لاحظت أيضاً إقبالاً كبيراً على كتب الحظ والأبراج وتفسير الأحلام، وهذا من منظوري له دلالات خطيرة عن الحالة النفسية للسكان والمجتمع، دفعت هؤلاء للبحث عن متنفس من الأمل في مثل هذه النوعية من الكتب”.
وأشارت الدرسي إلى “وجود ميزة كبيرة في هذا المعرض عن المعارض السابقة التي أقيمت في بنغازي، بسبب مشاركة دور نشر عربية كبيرة، التي أعطت تنوعاً للعناوين، عكس المعارض القديمة التي أقيم أغلبها بمشاركة دور نشر محلية فكانت في الأغلب العناوين مكررة ومتشابهة”.
جسر للتواصل المعرفي
من جانبه، تطرق مدير دار نشر المناهج السودانية، الفاتح محمد الحسن، لميزات أخرى من إقامة مثل هذه المعارض في الدول العربية بقوله “الثقافة جسر مهم لتعزيز العلاقات بين الدول العربية، خصوصاً في مرحلة خطيرة مليئة بالتقلبات والأحداث الجسام مثل المرحلة الحالية، وما فرقته الحروب والسياسة ترتقه الثقافة وتوحده المعرفة”.
ورأى الفاتح أن حال القارئ العربي لم تتبدل كثيراً بعد ثورة المعلومات وقبلها، “حقيقة القراء العرب قلة، والقراءة أصبحت نوعاً من الترف والبحث عن التميز لطبقات معينة أكثر منها نهماً، كما كان في الأجيال السابقة، ونتاج ذلك أن من يوصفون بالمثقفين العرب اليوم أقل تأثيراً من رواد الفكر والأدب في مراحل سابقة، ولا نكاد نجد اسماً واحداً رناناً لمثقف ما أو مفكر ما، وكل ما هو موجود على الساحة الفكرية ويتصدر منابر الثقافة فقاعات هشة سريعة الزوال بلا ترك أثر يذكر”.
وعلى الرغم مما سبق، طالب الفاتح بـ”تكثيف النشاطات الثقافية والمعارض مثل الذي تستضيفه بنغازي حالياً، أملاً في تغيير الواقع المؤلم فكرياً وثقافياً وأدبياً وفنياً، فشعوب لا يقودها رواد الفكر والثقافة تسير بلا هدى إلى هاوية الجهل والتخلف”.