الطريق إلى اليونان مقبرة المهاجرين المغاربة
عبر أكثر من مليون مهاجر غير شرعي من تركيا إلى أثينا منذ 2015 وحصل المهربون على 10 مليارات دولار
إلهام الطالبي صحافية ومعدة أفلام وبرامج تلفزيونية الأحد 16 أكتوبر 2022 20:35
مقبرة المسلمين ضحايا الهجرة غير القانونية في جزيرة ليسبوس اليونانية (اندبندنت عربية)
“كان يرغب في الهجرة لأجل مساعدتنا مادياً، لقد طرق جميع الأبواب في المغرب، لكنه لم يحصل على عمل، لم يتقبل أن أعيل الأسرة وهو عاطل، فضحى بحياته لأجلنا”. تقول أم الشاب “ح س” الذي فقد حياته خلال رحلة عبوره إلى البوسنة.
تضيف الأم، “لا أعلم ظروف موته حتى جثته لم نعثر عليها، اتصل بي صديقه الجزائري في الرحلة ليخبرني بأنه مات”.
يبلغ “ح س” 28 سنة، سافر إلى تركيا لأجل العبور منها إلى إحدى الدول الأوروبية، كان يعتقد كبقية الشباب أن الطريق آمن ويمكنه تحقيق حلمه بالعبور وإيجاد عمل ومساعدة عائلته.
في المجموعات المغلقة على “فيسبوك” يحصل الشباب المغربي الراغب في الهجرة بطريقة غير نظامية على أرقام المهربين، الذين يساعدونهم في عبور الحدود، وبمجرد أن يصل الشباب إلى إحدى الدول الأوروبية ينشرون فيديوهات على “يوتيوب” يشرحون فيها رحلة العبور واسم ورقم المهرب الذي أمن لهم الرحلة، بحسب وسائل الإعلام التركية عبر حوالى أكثر من مليون شخص من تركيا إلى اليونان بطرق غير قانونية منذ عام 2015 وحصل المهربون هناك على أكثر من 10 مليارات دولار منهم.
مجموعات للهجرة على “فيسبوك”
على الرغم من أن المغرب لا يبعد سوى بضعة كيلومترات من إسبانيا، لكن بسبب الحراسة المشددة على الحدود، اختار الشباب المغربي طريقاً بديلاً واتجهوا إلى تركيا للعبور إلى أوروبا من طريق دول البلقان.
في إحدى المجموعات على “فيسبوك” المخصصة للشباب المغاربي الراغب في الهجرة، نشر شاب أخيراً فيديو عن مقتل أحد المهاجرين المغاربة، وأنه يبحث عن رقم عائلته للتواصل معهم. تستعين أيضاً عائلات المهاجرين المختفين بالصفحات والمجموعات على “فيسبوك” للبحث عن أبنائها الذين انقطعت أخبارهم.
ولا تشترط تركيا على المهاجرين المغاربة التأشيرة، كما أنها تسمح لهم بالبقاء في أراضيها لمدة 90 يوماً، ما أسهم في انتعاش سوق التهريب هناك، ويستغل أغلب المهربين أحلام الشباب المغربي بالوصول إلى أوروبا، ويطلبون منهم حوالى خمسة آلاف يورو لعبور الطريق بين تركيا واليونان.
في المجموعات على “فيسبوك” المغلقة، يشرح المهاجرون لبعضهم بعضاً كيف يمكنهم عبور طريق البلقان مشياً على الأقدام، والاختباء تحت الشاحنات، وكيف يمكنهم عبور اليونان ومقدونيا وصربيا والبوسنة وكرواتيا إلى سلوفينيا.
“إيفروس” نهر الموت
حسب بيانات الشرطة في سلوفينيا، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2019، وصل أكثر من 952 مغربياً و1590 جزائرياً سلوفينيا بطريقة غير شرعية، وتشير إلى أن الجنسيات المغاربية تتصدر قائمة طالبي اللجوء.
رشيد، شاب مغربي، يبلغ من العمر26 سنة، لا يزال عالقاً في سلوفينيا، ويخطط لعبور الغابات للوصول إلى إسبانيا، يحكي في اتصال هاتفي مع “اندبندنت عربية” عن تجربته قائلاً، “الموت هنا يلاحقك في كل مكان، إذا نجوت من الجوع في الغابات، يمكن أن تموت غرقاً خلال عبور النهر، أو تتعرض للسرقة أو العنف من طرف حراس الحدود الذين لا يرحمون”.
اقرأ المزيد
- حصيلة ضحايا مركب الهجرة اللبناني ترتفع إلى 89 قتيلا
- هل أصبح المهاجرون أكثر عنفا على الحدود الإسبانية؟
- المغرب يصدر العمالة الزراعية الموسمية إلى فرنسا وإسبانيا
مصري يتطوع لدفن المهاجرين المسلمين
يتابع رشيد، هناك مهاجرون ماتوا خلال عبورهم “نهر إيفروس” إلى اليونان، التي توجد في جزيرة ليسبوس التابعة لها، هناك مقبرة خاصة بالمهاجرين المسلمين غير النظاميين، الذين لقوا حتفهم خلال رحلة العبور بعدما أوهمهم المهربون بأنهم سيصلون سالمين إلى أوروبا.
في مقبرة المسلمين بجزيرة ليسبوس تطوع شاب مصري يدعى مصطفى ضوا، ويبلغ من العمر 32 سنة لدفن المهاجرين المسلمين، وقد وصل اليونان لدراسة الأدب اليوناني وعمل مترجماً، ليتطوع بعد ذلك في دفن المسلمين في مقبرة غير رسمية في بستان زيتون بجزيرة ليسبوس.
يغسل مصطفى الموتى بمفرده ويلفهم وفقاً للتعاليم الإسلامية ويصلي من أجلهم ويدفنهم في المقبرة، على أمل أن تنجح عائلاتهم في العثور على مقابرهم.
في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، كان مصطفى يعمل مترجماً للمهاجرين في مخيمات ليسبوس، وعقب غرق ثلاثة قوارب للمهاجرين دفنت جثث المهاجرين المسلمين في قسم صغير من المقبرة في كنيسة القديس بانتيليمون، وامتلأت المقبرة بعد تزايد عدد الموتى في رحلة العبور من تركيا إلى اليونان.
قرر حينها الشاب المصري الضغط على البلدية لتوفير أرض يدفن فيها المهاجرون المسلمون مجهولو الهويات، يتكفل هو بمفرده بدفنهم ويكتب فقط على قبورهم أعمارهم وجنسهم ولا أحد يعرف هوياتهم.
وأغلب عائلات المهاجرين المفقودين تتواصل معه، لأنه الشخص الوحيد هناك الذي يعرف معلومات عمن دفنوا في المقبرة.
وفي الوقت الذي يتزايد عدد المدفونين بلا هوية في مقبرة غير رسمية في بستان زيتون بجزيرة ليسبوس، وتتضاعف مسؤوليات مصطفى بالإشراف وحده على إجراءات دفنهم، على الرغم من هذا نسمع من نوفل شاب مغربي يبلغ من العمر 35 سنة رغبته في إلى السفر إلى تركيا، وخوض رحلة الموت نحو اليونان، يدرك الشاب أن عدداً من الشباب المغربي لقوا حتفهم في هذه الرحلة، بيد أنه مصر على السفر. يقول، “أدرك جيداً أن هناك نسبة كبيرة بأن أموت، لكن هناك أمل صغير بأن أهاجر إلى أوروبا وأعثر على عمل هناك”.
“خائف من الموت لكن لا يوجد حل”
يضيف نوفل، “نحن هنا في الحي لا نتحدث عن شيء سوى كيف يمكننا العبور إلى أوروبا، ونجمع معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي كي لا يتم الاحتيال علينا، وسنحاول الوصول على رغم كل التحديات”.
وعن أسباب هجرته يحكي نوفل، “بعد التخرج في الجامعة لم أجد فرصة عمل، كما أن العمل في الوظيفة العمومية كان الأمل الوحيد لي، لكن أصدر قانون جديد في المغرب يمنع الشباب الذين تجاوزوا سن الثلاثين من العمل في التدريس، لهذا من الأفضل أن أخاطر بحياتي”.
عن خوفه من الموت في رحلة العبور، يجيب نوفل، “نعم خائف من الموت، لكن لا يوجد حل، البطالة والجلوس في البيت عالة على العائلة هو أيضاً موت لكن بطعم مر، يصعب وصفه”.
وأسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في ازدياد أعداد الشباب المغاربة الراغبين في العبور إلى أوروبا عبر طريق البلقان، فهناك عدد كبير من الصفحات والقنوات على “يوتيوب” التي تقنع الشباب بأن الحل هو الهجرة غير القانونية.