1

“دار الشعر” تعيد الجمهور المغربي إلى الأمسيات المفتوحة

شعراء ورسامون وموسيقيون يلتقون ومكفوفون يلقون قصائدهم

عبد الرحيم الخصار  

قراءة في حديقة “دار الشعر” في تطوان (اندنبدنت عربية)

منذ الرحيل المتعاقب للشعراء العرب الذين كانوا يجمعون حولهم جمهوراً غفيراً في الأمسيات الشعرية، والجميع يشكو من ندرة متلقي الشعر. وإذا  كانت بعض المهرجانات الدولية، في أميركا اللاتينية بالخصوص، ما زالت قادرة على استقطاب جمهور غفير يشبه من حيث العدد جماهير السهرات الغنائية، فإن المهرجانات العربية في المقابل أصبحت في معظمها عاجزة عن إغراء الناس بحضور أمسيات الشعر، إذ على الرغم من الاستثناءات القليلة يبدو العزف هو القاعدة.

ويعتبر مهرجان الشعراء المغاربة في مدينة تطوان، إحدى التظاهرات الثقافية القليلة التي يتابعها جمهور واسع. فسواء في صالة سينما إسبانيول أو فضاء دار الصنائع والفنون أو المدرج الكبير في المدرسة العليا، لاحظ المتتبعون الإقبال الكبير لمحبي الشعر، بحيث ظل عدد من الحاضرين الذين لم يجدوا مقاعد شاغرة، واقفين على الرغم من شساعة الأمكنة التي نظمت فيها أنشطة المهرجان.

thumbnail_لحظة تكريم الشاعرة وفاء العمراني.jpg

تكريم الشاعرة وفاء العمراني في المهرجان (اندنبدنت عربية)

تشرف على هذه التظاهرة الثقافية مؤسسة حديثة تحمل اسم “دار الشعر”، وهي ثمرة اتفاق مشترك بين دائرة الثقافة في الشارقة الإماراتية ووزارة الثقافة المغربية. واختار منظمو المهرجان تكريم وفاء العمراني في دورته الأخيرة. وهي الشاعرة المغربية الأكثر حضوراً في العالم العربي زاوجت على مدار أربعة عقود ونيف بين الكتابة والعمل الدبلوماسي في لبنان وسوريا والإمارات. وكرم المهرجان العالية ماء العينين إحدى أهم الباحثات في الأدب الصحراوي. واستدعى المنظمون 20 شاعراً وشاعرة من مختلف أجيال الكتابة في المغرب، فضلاً عن 20 فناناً تشكيلياً عملوا على إبداع لوحات تجمع بين الرسم والكتابة، ضمن فن “الإكفراسيس”، حيث ضمت لوحاتهم مقاطع شعرية للشعراء المشاركين.

وأسهم في تنشيط الأمسيات الشعرية نخبة من الموسيقيين الذين أدوا معزوفات جماعية، ورافقوا الشعراء بآلات مختلفة بشكل منفرد. وسعياً منه إلى إخراج الشعر من ضيق النخبة إلى الحياة العامة أشرك المهرجان المؤسسات التعليمية في عملية ترويج هذا الجنس الأدبي وتداوله، سواء عبر مسابقات شعرية أو من خلال ورشات الكتابة التي استفاد منها عدد كبير من الأطفال والطلبة.

أوراش شعرية للأطفال.jpg

من ورشة الشعر للصغار (اندبندنت عربية)

وكانت زيارة ضيوف المهرجان ومحبي الشعر لمعهد طه حسين للمكفوفين، من اللحظات الفارقة في هذه الدورة، فاستمع الحضور على مدار ثلاث ساعات إلى شعراء وموسيقيين حرموا من نعمة البصر. وناقشت الندوة الكبرى للمهرجان موضوع المجلات الشعرية الورقية في ظل التحول الذي عرفه عالم النشر والصحافة، كما خصص فقرة لتقديم جائزة الشعراء الشباب.

 الشعر والفنون الأخرى

سألنا الشاعر والإعلامي مخلص الصغير مدير “دار الشعر” في تطوان، عن رهانات هذه المؤسسة في زمن تنكر فيه الجميع للشعر، فكان رده “منذ أن تأسست دار الشعر في تطوان، ضمن مبادرة عربية تتعلق بإنشاء بيوت للشعر في العالم العربي، أدركنا أنه لا بد من أن نذهب إلى أبعد مدى، وأن نسير على جسر الشعر، معاً، رفقة شعراء العالم. فكان أن انفتحنا على الشعراء من مختلف الجغرافيات والقارات الشعرية، وأقمنا تظاهرات استضافت شعراء من اليونان والولايات المتحدة والهند وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وكولومبيا والبيرو والبرازيل وإسبانيا، ومن دول عربية شتى، ضمن برنامج “ليالي الشعر العالمي”، يقيناً منا أن شعر اليوم ما عاد يخاطب نظاماً ثقافياً كان أم سياسياً ولا حكاماً ولا أصناماً لا دولة أو أمة، ولكنه يحفل بالجمال ويجهر بالمجاز في وجه الجميع، يدعو إلى الاختلاف والتعدد والتجدد، ولا يهادن أو يستكين”.

جمهور الشعر بصالة إسبانيول 2.jpg

إحدى الصالات تغص بالجمهور (اندبندنت عربية)

يضيف مدير الدار: “لا نزال حريصين على إقامة علاقات وربط صلات بين الشعر وبقية الفنون، من شعر وتشكيل موسيقي، لأننا إذا قدمنا الشعر وحده، فسوف يظل وحده. وإن كنا ندرك أنه لا وجود لعلاقة تجمع بين الشعر والموسيقى مثلاً، لأنهما لا ينفصلان أصلاً، وهكذا الحال بخصوص العلاقة الشعرية التأسيسية بين الشعر والمسرح، منذ اللحظة الأرسطية، وما تلاها من لحظات إنسانية كان فيها الشعر المسرحي هو الشاشة التي تشدنا إليها اليوم، في السينما والتلفزيون، أفيون الشعوب المعاصرة”.

اقرأ المزيد

وعن خطة العمل يقول مخلص الصغير: “منذ تأسيسها، وإلى اليوم، تشدد ’دار الشعر’ في تطوان على أنها لا تقيم أنشطة ثقافية، ولكنها تقترح برامج ومشاريع منتظمة، وفق تصور مؤسس له، رهانه الأساس بناء على تعاقد بين الشاعر والمتلقي، وضرب موعد متجدد بين الاثنين، كيما يستمر الشعر على قيد الحياة ولكي يستمر المتلقي على قيد الشعر. ومثلما انفتحنا على الفضاءات العمومية فأقمنا برنامج ’حدائق الشعر’، وبرنامج ’الشعر في الشارع’ و’الأطلال’ و’توقيعات’ و’ديوان’ و’مساء الشعر’ و’صباح الشعر’، وبرنامج ’بحور الشعر’ في المواسم الصيفية، حين توجهنا إلى الناس حيث هم، إذ نثرنا روح الشعر بينهم، وأقمنا ورشات لأبنائهم، في الشعر والتشكيل، وفي الإلقاء والأداء، لكي نضمن استمرارية الشعر في المستقبل، كما أقمنا مسابقات خاصة بالشعراء الشباب وورشات للأطفال والطلبة والباحثين… كل ذلك تطلعاً نحو القادم والآتي. بقدر ما نحرص على تكريم الشعراء المكرسين والمكرمين، ضمن ثقافة الواجب وواجب الاعتراف”.

سألنا مخلص الصغير مدير الدار عن الإكراهات والصعوبات التي تواجهها الدار، وهي تعمل على نشر وتداول الشعر، ونقله من ضيق الخاصة إلى رحابة العامة، فكان رده “ما ينقصنا في عالمنا العربي ليس الثقافة بل ثقافة الثقافة. ويتعلق الأمر بأعراف وتقاليد حداثية وطقوس وجماليات راهنة. من هنا، نحرص في ’دار الشعر’ على تقديم العرض الشعري المغربي والعربي بصيغ وأساليب فنية معاصرة، وبإخراج مبتكر، مقدار ما نعي وعياً شقياً بأن ما نقوم به ليس ترفاً أو شرفاً، ولكنه مسؤولية وحق من حقوق الإنسان الثقافية الكونية. وهو ما فرض علينا، من باب الواجب، دائماً، إقامة تظاهرات لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة، وضمنهم المكفوفون وضعاف البصر، كما أنصتنا إلى إبداعاتهم وأشعارهم، على نحو ما حدث في الدورة الأخيرة من مهرجان الشعراء المغاربة”.

التعليقات معطلة.