تحويل التعداد إلى قوة وعتاد 

1

رشا يحيى


تعانى مصر العديد من المشكلات التى يعرفها القاصى والدانى، ومن واجب الإعلام بوسائله كافة العمل على علاجها، بل يجب عليه البحث عن المشاكل المجتمعية الدقيقة وإبرازها للمسئولين ومساعدتهم على إيجاد حلول لها، وبخاصة أن المشكلات الاجتماعية أكثر تعقيدًا فى علاجها من أى مشكلات أخرى، ولكن أن يظل المجتمع رهين ما يشير إليه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى حتى ينتبه الجميع، فلا يلتفتون لأى من مشكلاتنا إلا بعد أن يذكرها الرئيس ويذكرهم بها، فتصبح تلك المشكلة هى الموضوع الأبرز على الساحة، هذا الخلل ينم عن وعى الرئيس بمشكلاتنا، وفى الوقت نفسه استسهال أهل الإعلام والثقافة، ومن يفترض أنهم قادة الرأى!!.. فمن المؤلم أن نشعر أننا تفاجأنا بوصول التعداد السكانى إلى أكثر من مائة وأربعة وملايين نسمة!!.. رغم أننا نتابع تعدادنا وقتيًا عند المرور من شارع صلاح سالم، من خلال الشاشة العملاقة الموضوعة أعلى مبنى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وبخاصة أن المعتاد أن تكون هذه المنطقة مزدحمة وتتوقف فيها السيارات لدقائق عدة انتظارًا لانفراج الأزمة المرورية، ودائما ما كنت أتأمل تلك الشاشة عند مرورى وأتعجب من تزايدنا كل لحظة بهذا الشكل المخيف، وأتساءل فى نفسى إذا كان هناك مواليد أخرى فى اللحظة نفسها فى مناطق نائية لم يتم تعدادهم بعد!!.. ثم نفكر فى أحوالنا وكيف ستكون خلال السنوات المقبلة فى ظل تلك الزيادة الرهيبة، ونحن نشعر بضيق الموارد، ولم نتمكن حتى الآن من تحقيق الاكتفاء الذاتى فى السلع الغذائية الأساسية، ثم نسمع بعض الاقتراحات غير المنطقية للحد من الزيادة السكانية، ومنها معاقبة الأسر برفع الدعم عن التعليم بعد الطفل الثانى!! وهى بالتأكيد أفكار لا تتناسب مع طبيعة المجتمع المصرى، ولا مع سعى الدولة ومحاولاتها المضنية من أجل تعليم الأطفال ومنع ظاهرة التسرب من التعليم، وبخاصة بعد النتائج التى أظهرها التعداد السكانى الأخير فى أواخر سبتمبر الماضى، والتى كشفت أن نسبة الأمية حوالى ٢٦٪ من السكان، وأن عدد الأفراد المتسربين من التعليم ٢٨٫٨ مليون، كما أن ٢٦.٨٪ لم يلتحقوا بالتعليم مطلقًا!!.. وهى نتائج صادمة ومحزنة؛ لذلك فعلينا أن نتعامل مع الزيادة السكانية بشكل إيجابى.. فعلينا أن ندرك أن زيادة السكان يمكن أن تكون أحد عناصر القوة فى الدول جنبًا إلى جنب مع القوة الاقتصادية والعسكرية، وما يصنع قوة الدولة هو تحويل عناصر القوة إلى قدرة نستفيد منها لتحقيق ما نريد.. لذلك أجد من الضرورة دراسة المشكلة السكانية دراسة وافية ومتدرجة فى المناهج الدراسية، بجانب دراسة القوة وجميع عناصرها، لنعلم كيف نستطيع بناء الدولة والحفاظ عليها.. وعلينا أن ندرك أن هناك فئات بسيطة الفكر فى المجتمع تعتمد ماديًا على الأطفال كمصدر رزق وهو ما يُصَعّب القضاء على الأمية والانفجار السكانى.. فيجب أن نولى هذه الفئات كامل الرعاية الاجتماعية والثقافية بجانب قوانين رادعة لعمالة الأطفال.. بداية من حمل ما يثقل كاهله حتى الأعمال الشاقة التى نرى أطفالًا يمارسونها.. فلا يجب أن نتزايد فى التعداد السكانى ويعانى أطفالنا الأنيميا والهزال ولا يعرفون طعمًا للحياة الحقيقية بممارسة الرياضة والفن والإبداع الطفولى المبهر حين نوليه الاهتمام.. لا بد من وضع قوانين رادعة تنفذ بصرامة، ويكون هناك حق الضبطية للعديد من أفراد المجتمع لتسهيل التنفيذ.. لا بد أن تتكاتف جميع الجهود لصناعة «السكان» ليسوا كعدد ولكن كعتاد وقوة، وتحويلهم من عالة وطاقات معطلة ومشكلة تعانيها الدولة إلى طاقة عمل وإنجاز تضيف إلى قوة الدولة.. نرجو من السادة الوزراء أن يعملوا على بناء عناصر القوة وتنميتها، وهى مسئولية مشتركة بين الوزارات جميعا، وفى الوقت نفسه يجب الحرص على التوعية وتوفير العناصر المساعدة على تنظيم النسل، ورعاية الأمومة والطفولة، والتكافل الاجتماعى.. وبدلًا من المطالبة بمعاقبة الأسر فى حالة زيادة الإنجاب عن طفلين، وحرمان الأطفال من حقهم فى التعليم.. يجب أن نحرص جميعا على أن يتعلم الطفل أيا كانت الظروف، وأن نعمل على توسعة إدراكه ليكون نافذة لمعرفة الأهل، ويصبح ذخرًا حقيقيًا للوطن.

التعليقات معطلة.