“إقصاء أم تصحيح”.. قرارات السوداني بإعفاء عشرات المسؤولين تثير الجدل في العراق
الحرة / خاص – واشنطن03 نوفمبر 2022
اتخذت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني قرارا أثار جدلا واسعا قضى بإلغاء “الأوامر الديوانية والموافقات الصادرة عن الحكومة السابقة” بعد تحولها لحكومة تصريف أعمال في أغسطس من العام الماضي.
وعلل مجلس الوزراء العراقي الجديد في بيان، سبب اتخاذ القرار باعتبار أن “العديد من القرارات والموافقات والأوامر الديوانية والأوامر الوزارية والإدارية، الصادرة من حكومة تصريف الأمور اليومية صدرت من دون خضوعها لرقابة مجلس النواب”.
وتضمن قرار حكومة السوداني إلغاء “تعيين أو تكليف رؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة والدرجات الخاصة والمديرين العامين ومن بدرجتهم ومن يتقاضى رواتبهم بعد العاشر من أغسطس 2021”.
ويرى الخبير القانوني والدستوري علي الحيدري أن “إلغاء الأوامر الإدارية الصادرة من حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي هو إجراء صحيح وموافق للقانون”.
وأضاف الحيدري في حديث لموقع “الحرة” أن القرار يتوافق أيضا مع قرار المحكمة الاتحادية المرقم 121 لسنة 2022، لإن الإلغاء تم بذات طريقة التعيين”، لافتا إلى أن “من حق المتضرر أن يطعن أمام المحكمة الإدارية وفق المواد 61 خامسا و80 خامسا من الدستور العراقي”.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق أصدرت في مايو الماضي قرارا أشار إلى أن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال لا تتضمن “اقتراح مشاريع القوانين وعقد القروض أو التعيين في المناصب العليا للدولة والإعفاء منها أو إعادة هيكلية الوزارات والدوائر”.
وفي مؤتمر صحافي أعقب جلسة مجلس الوزراء الجديد الثلاثاء أوضح السوداني أن القرار سيلغي تعيينات “رؤساء أجهزة وجهات ووكلاء ومدراء عامين ومستشارين” لم يحدد هويتهم.
وأكد السوداني أن هذا القرار “ليس من ضمن سياسة الاستهداف أو الإقصاء لجهات معينة أو حسابات سياسية”، مضيفا أنه “ليس لدينا إشكال على الأشخاص بقدر ما يتم تكييف وضعهم القانوني وفق الدستور والقانون وقرار المحكمة الاتحادية”.
ومن بين المسؤولين المشمولين بالقرار رئيس جهاز المخابرات رائد جوحي الذي عين قبل أسبوعين فقط، وكذلك رئيس جهاز الأمن الوطني حميد الشطري ومحافظين ومسؤولين كبار آخرين، وفقا للخبير القانوني أمير الدعمي.
وقال الدعمي لموقع “الحرة” إنه مع ذلك فقد تمت إعادة تكليف بعض من شملتهم الأوامر من قبل السوداني”، مبينا أن “القرار لا يحمل أي توجه انتقامي بقدر ما هو محاولة من السوداني لإثبات وجود وجدارة حكومته وقانونيتها”.
ويتابع الدعمي أن “كل حكومة جديدة في العراق تحاول أن تطبق القانون من حيث تراه هي، بمعنى أنها تستند على فقرة في الدستور أو القانون في محاولة لإثبات نفسها”.
ويؤكد الدعمي أن هذه “ليست المرة الأولى التي نشاهد فيها مثل هكذا تحرك، فجميع الحكومات التي سبقتها عملت تقريبا نفس الشيء”، موضحا أن “من صلاحية رئيس الوزراء بما يراه لمصلحة كابينته الوزارية، أن يجري تغييرات حتى وإن كانت أوامر ديوانية قانونية”.
وبالفعل، أعلن الخميس أن عددا من المسؤولين الذين شملهم قرار حكومة السوداني قد أعيد تكليفهم مجددا، ومن أبرزهم محافظ ذي قار محمد الغزي ومحافظ النجف ماجد الوائلي، وفقا لوكالة الأنباء العراقية الرسمية.
ويرى المحلل السياسي عصام الفيلي أن “قرار حكومة السوداني ترك الباب مفتوحا أمام إمكانية بقاء المشمولين بالقرار في مناصبهم على الرغم من أن بعض القوى السياسية فسرته بمثابة استهداف، فيما وجدت فيه قوى أخرى أنه محاولة للإصلاح”.
ويضيف الفيلي في حديث لموقع “الحرة” أنه “من الناحية القانونية يمكن للمتضررين من هذا القرار اللجوء للقضاء للطعن فيه، وهو من سيكون له القرار النهائي للبت في ذلك”.
ويتابع الفيلي أن “الحكومة السابقة لم تراع الضوابط القانونية التي تنص على ضرورة أن يتم التصويت على الأشخاص المعينين في المناصب العليا داخل البرلمان”.
ومع ذلك يشكك الفيلي في أن “تعتمد التعيينات الجديدة على مبدأ الكفاءة والتخصص، بعيد عن الانتماء الحزبي أو للطائفي”.
يقول الفيلي أن “هناك مشكلة في العراق، تتمثل بالمحاصصة التي تتحملها الأحزاب السياسية”، مبينا أنه “حتى في حال اعتماد السياقات القانونية المتمثلة بالتصويت عليهم داخل البرلمان، ستكون القوى السياسية هي صاحبة الكلمة وسيتم إخضاع هذه المناصب لمبدأ المحاصصة كما تعودنا خلال السنوات الماضية”.
يؤكد الفيلي أن “أرقام المشمولين بقرارات حكومة السوداني لا تزال غير واضحة، فهناك من يقول 89 مسؤولا وربما يصل العدد لـ 200 أو كثر”، مضيفا أنه “لا يوجد إعلان رسمي لغاية اللحظة”.
ورغم إقراره بقانونية الخطوة، إلا أن الفيلي يلفت إلى أن “عمليات الإقصاء واضحة في كل مفاصل الدولة منذ عام 2003 ولغاية اليوم وفيها أحيانا بعد ثأري، وهذا من شأنه أن يسبب مشاكل أعمق ويؤدي إلى تأخر تقدم الدولة.”
ويختتم الفيلي بالقول إن “كل الحكومات السابقة اتخذت نفس الخطوات تجاه الحكومة التي سبقتها.. الجدد يلغون تماما ما سبقهم، وهذا ناتج عن غياب دولة المؤسسات والمعايير المهنية في النظام المؤسسي”.
وحصلت حكومة السوداني الأسبوع الماضي على الثقة في مجلس النواب، بعد عام من نزاع سياسي بين الطرفين السياسيين الشيعيين الأساسيين، الإطار التنسيقي من جهة، والتيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وصل أحياناً إلى العنف.
ويحظى السوداني بدعم الإطار التنسيقي، وهو تحالف أحزاب شيعية موالية لإيران، تملك الغالبية حاليا في البرلمان.
وتولى السوداني المنصب خلفا لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، الذي كان يقود حكومة انتقالية، بعد أن خرج المتظاهرون المناهضون لحكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي إلى الشوارع بالآلاف في عام 2019، مطالبين بالوظائف وبرحيل النخبة الحاكمة في العراق.
الحرة / خاص – واشنطن