وليام برانيف, سيموس هيوز, شانا باتن, و ماثيو ليفيت
يناقش أربعة ممارسين متمرسين الفرص والمخاطر المرتبطة بالتحول الذي تشهده إدارة ترامب على صعيد المصطلحات والسياسة في مجال مكافحة التطرف.
في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، خاطب وليام برانيف وسيموس هيوز وشانا باتن وماثيو ليفيت منتدى حول السياسة في “معهد واشنطن” كجزء من “سلسلة محاضرات ستاين حول مكافحة الإرهاب” الطويلة. وبرانيف هو المدير التنفيذي لـ”الائتلاف الوطني لدراسة الإرهاب والتصدي للإرهاب” وأستاذ في جامعة ميريلاند. أما هيوز فهو نائب مدير “برنامج التطرف” في جامعة جورج واشنطن. وباتن تدير “برنامج مبادرات صمود المجتمعات المحلية” في “مركز الصحة والأمن الداخلي” في جامعة ميريلاند. وأخيرًا، ليفيت هو زميل “فرومر- ويكسلر” ومدير “برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات” في “معهد واشنطن”.
وليام برانيف
لا تملك الولايات المتحدة استراتيجيةً شاملة في ما يخص الإرهاب. فخلال السنوات الست عشرة منذ اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001، عوّلت الولايات المتحدة على نظامها للعدالة الجنائية والمجتمعات العسكرية، متسلحةً بجهاز استخباري أكبر وأفضل، من أجل عرقلة أخصامها الإرهابيين والحؤول دون حصول اعتداء كبير آخر. غير أنه في خضم ذلك، وصل الإرهاب العالمي إلى أعلى مستوياته التاريخية، ما أدّى إلى بروز أعمال عنف رجعية وحدوث جدالات حول شؤون الهجرة واللاجئين والقومية والأممية والأمن والحرية والدين. وتُعتبر أدوات مكافحة الإرهاب التقليدية ضرورية، لكن يبدو أنها غير كافية لجهة الحدّ من عنف الإرهابيين وتداعياته السياسية المضرة مع مرور الوقت.
وبهدف إتمام الجهود العسكرية وجهود إنفاذ القانون — أي سبل مكافحة الإرهاب التقليدية — انتهجت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي نموذجًا مختلفًا هدف إلى تقليص عدد الأشخاص الذين يحشدون لأعمال العنف في المقام الأول من خلال معالجة العوامل الفردية والمجتمعية والاجتماعية التي يستغلها الإرهابيون. ولم يحظَ هذا النموذج البارز – مكافحة التطرف العنيف – بالمصادر الكافية، ولم يجرِ مدّه سوى بعدد قليل من الموارد البشرية واستُخدم كأولوية ثانوية بعيدة بالنسبة لمكافحة الإرهاب التقليدية. ومنذ اعتماد نموذج مكافحة التطرف العنيف، هاجمه النقاد الذين لم يعتبروه صوابًا سياسيًا مثاليًا بشكل خطير أو وسيلة ملطفة لمكافحة الإرهاب بضراوة.
وترتبط هاتان المشكلتان، أي عدم كفاية مكافحة الإرهاب التقليدية وانعدام زخم مكافحة التطرف العنيف، مباشرةً بتقدير غير ملائم لطبيعة الإرهاب الجوهرية. فالإرهاب هو في الأساس شكل من أشكال السياسة العنيفة. وبالتالي، يجب أن تكون استجابتنا سياسيةً في المقام الأول. ونظرًا إلى تركيز مكافحة التطرف العنيف على عوامل سياقية تتيح الإرهاب على المستوى الفردي والمجتمعي والاجتماعي، بإمكانها تغيير الظروف السياسية التي تسمح بالتعبئة العنيفة. أما مكافحة الإرهاب التقليدية، فتفتقر إلى هذا البعد السياسي. وبإمكان نموذج مكافحة التطرف العنيف، إن تمّ حصره بمبدأ توجيهي، أن يشكّل مباشرةً الأساس لاستجابة استراتيجية جديدة شاملة للإرهاب، حيث تضطلع مكافحة الإرهاب التقليدية بدور ضروري إنما ثانوي.
ويجب أن تهدف الاستراتيجية الشاملة الجامعة، داخل الحكومة وخارجها، إلى تهميش الإرهاب. وستساعد استراتيجية تهميش شاملة على بذل جهود “بالحجم المناسب” لمكافحة الإرهاب التقليدية. فلا يشير وضع استراتيجية شاملة إلى أنه يجب أن يبقى الإرهاب متصدرًا سلّم أولويات أجندتيْ الأمن الوطني والقومي على حساب تحديات أخرى. لا بل على العكس، يعترف نموذج التهميش بأن الإرهاب لا يشكل تهديدًا وجوديًا للولايات المتحدة، ويمكن إيلاؤه أهميةً ثانوية بالنسبة لمخاوف أمنية قومية أخرى في منطقة ما، كما أنه يسمح بالمزيد من الدعم المعدّ وفق سياق إقليمي والمقدم للشركاء الذين ربما يكون أو لا يكون الإرهاب من أبرز أولوياتهم.
سيموس هيوز
أصبحت مكافحة التطرف العنيف مستحيلةً على المستوى الفيدرالي. ففي حين اضطلعت إدارة ترامب بدور في القضاء على مكافحة التطرف العنيف، تقع هذه المسؤولية على عاتق عدد من الجهات الفاعلة. ففي أوائل عهد إدارة أوباما، على سبيل المثال، أوقف الرئيس برامج مكافحة التطرف العنيف، واستغرق إطلاق استراتيجية وطنية لـ”تمكين الشركاء المحليين من منع التطرف العنيف في الولايات المتحدة” سنتين. والآن، تجد إدارة ترامب نفسها في وضع مشابه، حيث أنها أوقفت برامج مكافحة التطرف العنيف وتفتقر عمومًا إلى كافة أنواع تنسيق الجهود الرامية إلى مكافحة التطرف العنيف على المستوى الفيدرالي.
وبالفعل، قد يساهم المصطلح الجديد لمكافحة التطرف العنيف الذي تمّ اعتماده في ظل إدارة ترامب، أي “منع الإرهاب”، في تقليص هذه المشكلة. فيوضح هذا المصطلح أن النقاش يتمحور حول البرامج والأفراد الذين يجتازون عتبةً محددة. غير أنه لا يعالج سوى مسألة العنف، ويفشل في الإقرار بأن التطرف يشكّل بدوره جزءًا كبيرًا من المسألة.
ونظرًا إلى غياب مناصرين متأصلين لبرامج مماثلة داخل الحكومة الفيدرالية، لا بدّ من إيجاد طريقة لتوفير الحوافز الضرورية لإشراك مكافحة التطرف العنيف. فقد تنازلت إدارتا أوباما وترامب عن مسؤولية مكافحة التطرف العنيف لصالح القطاع الخاص، وطلبتا مثلًا من شركات التكنولوجيا حذف أي محتوى متطرف من مواقعهما. غير أن هذا الهدف كان سهل المنال. فالعمل الشاق، الذي لم ينفذ بعد، يسفر عن بروز برامج وقاية لمعالجة التطرف في مهده.
ورغم هذه التحديات، يمكن إنقاذ برامج مكافحة التطرف العنيف المحلية. فقد تبتعد هذه البرامج عن نموذج البرنامج المدار فيدراليًا القائم على التعاون بين الوكالات، لكن الجهود الجديدة قد تمكّن الشركاء المحليين من تنفيذ العمل، كما هي الحال في برامج قائمة في نيويورك ودنفر. غير أنه على الحكومة الفيدرالية الانخراط في مسألة مراقبة الجودة، وتشجيع أفضل الممارسات لإشراك المجتمع ودعم التعاون بين المسؤولين على مستوى الولايات والمستوى المحلي.
شانا باتن
يجب أن تنقل المصطلحات المستخدمة لوصف جهود مكافحة التطرف العنيف النية خلف أي مقاربة في هذا الصدد ومحور تركيزها واستراتيجيتها. فالمصطلح الأحدث “منع الإرهاب”، يضمّ بعض الغموض المرن. وعلى وجه الخصوص، بسبب غياب قوانين الإرهاب المحلية الأمريكية الأساسية والتردد في وصف بعض الأعمال بالإرهابية على غرار حادثة شارلوتسفيل في آب/أغسطس 2017، لا تعي المجتمعات دورها في ما يسمى جهود منع الإرهاب. ويؤدي عدم اليقين هذا إلى سوء تفاهم، وفي نهاية المطاف، إلى تناقضات.
ومن أجل بناء الثقة ضمن المجتمعات، لا يمكن ترك الرسائل التي تحملها مكافحة التطرف العنيف لتُفسَّر عشوائيًا، ما قد يعطي انطباعًا خاطئًا بأن جهود مكافحة التطرف العنيف هي محاولات، سواء مباشرة أو غير مباشرة، لجذب المجتمعات نحو الانخراط في مساعي التحقيقات والمراقبة. في المقابل، يجب أن تبقى هذه الجهود ضمن نطاق وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات.
عوضًا عن ذلك، يجب أن نشهد تحولًا جذريًا الآن، يشبه ذلك الذي يتبلور في التفاهمات الاجتماعية للعنف الأسري والجنسي. ولا بدّ لهذا التحول من أن يقر بأن العنف، وليس الإيديولوجيا، هو محور عمل منع الإرهاب. ومن شأن عبارة “عنف متأثر بالإيديولوجيا” أن تُظهر بوضوح أن العنف هو الهدف، وأن تثبت في الوقت نفسه أن الحكومة الأمريكية تعترف بعدد من الإيديولوجيات وبنطاق التطرف. وبالفعل، يُعتبر تغيير اللغة المستخدمة الخطوة الأولى لتحقيق استراتيجية شفافة وإدخال تحسينات فعلية على هذا النوع من منع العنف. فمن جهتها، تزود الشفافية في الاستراتيجية المجتمعات بمعلومات ملموسة وتساعد على بناء الثقة الضرورية لتعزيز قدرتها على الصمود.
ويمكن معالجة العنف المتأثر بالإيديولوجيا بطريقة عملية على صعيد المجتمع الجزئي والكلي. وبالمثل، على الحكومة الفيدرالية، التي تحتل الموقع الأفضل كجهة داعية وداعمة لهذه الأنشطة، الاستثمار في حاجات المجتمعات. ومن ناحية أخرى، إن المنع الشامل يعني الإصغاء إلى المجتمعات ولقائها في أماكن تواجدها — مع أخذ نقاط ضعفها وأولوياتها في الحسبان. وباستخدام مقاربة قائمة على الأصول، يتعين على الجهات الفاعلة أن تحدد بالتعاون الموارد والشبكات التي يمكن استخدامها على أفضل وجه لتقوية المجتمعات. ولا بدّ لاستراتيجية مماثلة من أن تكون مرنةً بما فيه الكفاية ليتمّ تكييفها مع مختلف المجتمعات. كما يجب أن تعزز الوعي بأن الانتقال من التطرف إلى العنف هو عملية وأنه يتعين على جهود المنع أن تأخذ الحريات المدنية في الحسبان.
ماثيو ليفيت
قد لا يبدو استخدام مصطلح “منع الإرهاب” لوصف جهود مكافحة التطرف العنيف تغييرًا أساسيًا في اللغة بشكل خاص، بما أن مصطلح مكافحة التطرف العنيف شهد عددًا كبيرًا من التغييرات خلال السنوات القليلة الماضية. ففي الواقع، قد يكون تغيير المفردات إيجابيًا بما أن الكثيرين من خارج المحفل السياسي لا يحبذون عبارة مكافحة التطرف العنيف. والمثير للريبة هو أن المصطلح الجديد لا يوضح حجم المجال المتاح أمام جهود المنع الحقيقية أو أنواع الإرهاب الذي سيركّز عليه.
وفي حين يستمر تقييم إدارة ترامب لبرامج مكافحة التطرف العنيف، لقد ظهر بعض التغيير. فقد زادت وزارة الأمن الوطني الأمريكية تركيزها على تخصيص هبات لإنفاذ القانون على حساب منظمات خدمة المجتمع وللجماعات التي تواجه التطرف الإسلامي في وجه التطرف المرتبط باليسار أو اليمين المتطرف. وبالفعل، يواجه عدد كبير من الأفراد والمنظمات صعوبات في تقبّل هذه الهبات بسبب التركيز الكبير وشبه الحصري على إنفاذ القانون والتطرف الإسلامي.
علاوةً على ذلك، قد يتسبب تغيير مصطلح مكافحة التطرف العنيف ليركّز بشكل خاص على “الإرهاب” بتقويض الجهود الرامية إلى إقناع أعضاء المجتمع بأنهم جزء من الحل للتطرف العنيف في مجتمعاتهم، عوضًا عن كونهم جزءًا من المشكلة ربما. وقد يشكّل نموذج صحة عام يخرج من دائرة التركيز على إنفاذ القانون حصرًا، ويشرك بدلًا من ذلك أعضاء المجتمع، مقاربةً مفيدةً أكثر لمكافحة التطرف العنيف. وبالفعل، تطالب وكالات إنفاذ القانون بنفسها عادةً باعتماد مقاربة مماثلة. كما أنه من المهم النظر في مصادر تمويل برامج مكافحة التطرف العنيف لأنها تحمل رسائل أيضًا. فعلى سبيل المثال، تملك وزارة الصحة والخدمات البشرية ووزارة التعليم في الولايات المتحدة أموالًا هائلة يمكن تخصيصها لجهود المنع، لكنها قد لا تكون متاحةً لبرنامج يركّز حصرًا على منع الإرهاب.
من ناحية أخرى، يُعتبر التركيز على حلول حماية الحدود في أعقاب الهجمات الإرهابية سياسةً سهلة إنما ضعيفة لمكافحة الإرهاب. فحماية حدودنا مهمة، لكن سياسةً مماثلة منفردة تتجاهل واقع أن التطرف ينتشر هنا في الولايات المتحدة. فلا يقف التطرف عند الحدود، لذا لا بدّ من وجود برامج تواجه الإيديولوجيات المتطرفة العنيفة في وقت مبكر، والعمل على التصدي لنطاق واسع من التطرف، بما فيه التطرف الإسلامي واليميني واليساري، إلى جانب السلوكيات الأخرى التي تشكل تهديدًا على المجتمع. ومن غير الواضح ما إذا كان “منع الإرهاب” سيفي بالغرض.