إضعاف الصّدر “تدريجي” وواشنطن تراقب السوداني… ماذا تعني “حفلة” حلفاء إيران لتقاسم المناصب؟
09-11-2022 | 05:20 المصدر: النهار العربي
المواطن الأميركي ستيفن ترويل الذي قتل في بغداد في صورة مع زوجته في شارع المتنبي.
A+A-بغداد – أحمد حسين: طغى مشهد حادثة اغتيال موظف أميركي وسط العاصمة العراقية بغداد على صخب حفلة تقاسم المناصب التي خلّفتها حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، في مؤشر قد يشي بمرحلة جديدة من تصفيات الحسابات السياسية في البلاد. الحادثة وقعت بعد أيام قليلة فقط من إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني توليه شخصياً إدارة الاستخبارات، وإعفاء مسؤولين سابقين ومطاردة آخرين بتهم فساد، فضلاً عن تغييرات واسعة في وزارة الداخلية لم تستثن قادة الشرطة في العاصمة، لتعزز مخاوف كبيرة من هيمنة الأطراف الشيعية الموالية لإيران بأذرعها المسلحة على الأجهزة الاستخبارية والأمنية.كابوس الاغتيالات والمطاردةيرتبط جزء من المخاوف بمعارضي النظام السياسي القائم والمطالبين بتغييرات سياسية واقتصادية، من صناع رأي وناشطين مؤثرين، إذ لا يزال شبح الحوادث الدامية المتزامنة مع الاحتجاجات الشعبية عام 2019 ماثلاً، إلى جانب التضييق والملاحقات المستمرة. وافتتح السوداني أعمال حكومته بإلغاء الأوامر الديوانية والوزارية للمجلس السابق أثناء مرحلة تصريف الأعمال الممتدة لأكثر من عام، والتي تقدر بالمئات، وفق أطراف برلمانية. وتشمل الإجراءات نحو 170 مسؤولاً، بينهم شخصيات محسوبة على التيار الصدري، في مواقع إدارية وأمنية، فيما يؤكد رئيس الحكومة وأطراف في الإطار أنّ الإجراءات لا تعدو كونها “تصحيحاً دستورياً وقانونياً”. وتستند هذه التغييرات إلى النظام الداخلي لمجلس الوزراء الرقم 2 لسنة 2019، وتحديداً المادة 42 الفقرة ثانياً، كما يشير رئيس مركز “كلوذا” للدراسات وقياس الرأي العام العراقي باسل حسين.
سنة “حزب الدّعوة”!ويقول حسين لـ”النهار العربي” إنّ “الفقرة تنص على عدم صلاحية حكومة تصريف الأمور اليومية لإجراء التعيين في المناصب العليا في الدولة والإعفاء منها، أو إعادة هيكلة الوزارات والدوائر، لذا استهدفت حكومة السوداني قرارات التعيين خلال مدة حكومة تصريف الأمور اليومية”. ويرى حسين أنّ حكومة السوادني “لن تقدم جديداً” في هذا الملف، بالنظر إلى حجم الفراغ في مواقع المسؤولية “لتلجأ إلى أسلوب الإدارة بالوكالة” التي سنّها “حزب الدعوة الإسلامية”، مبيناً أنّ “كل الحكومات السابقة دأبت على تكليف شخصيات مقربة بهذا الشكل، إما للتحايل على شرط التصويت داخل البرلمان، أو لصعوبة تمرير الأسماء نظراً إلى الخلافات بين الأطراف السياسية، لذا فإن هذا السياق سوف يستمر بدرجة وأخرى”.
الحرب الباردةومع تأكيد رئيس الحكومة تكليف شخصيات من داخل الوزارات والهيئات مسؤوليات إدارة المناصب المتعلقة بها، فإنّ النظر إلى التغييرات بعيداً من الحرب الباردة بين التيار الصدري و”الإطار التنسيقي” في المرحلة الراهنة، يبدو غير واقعي، وخصوصاً بعد النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة. ويقول الصحافي مصطفى ناصر لـ”النهار العربي” إنّ “الكتل التي تقاسمت الحكومة هي ذاتها من ستتقاسم مواقع المسؤولية الشاغرة، والمناصب الثانوية”، موضحاً أنّ “بعض هذه المناصب يمثل مصدر قوة أكبر وأهم بكثير من الحقائب الوزارية”. ويبيّن ناصر أنّ “هناك اتفاقاً سياسياً على منح بعض هذه المناصب للموظفين المسلكيين، لتجنب الانتقادات وعدم إثارة غضب التيار الصدري، لكنهم بالضرورة سيكونون تابعين لأطراف السلطة”، مرجحاً أنّ “يجري تغيير المسؤولين التابعين للتيار الصدري على مراحل”. خطوط الصّدر الحمرويعد منصب الأمين العام لمجلس الوزراء من بين أبرز المواقع التي لا يزال يشغلها التيار الصدري، حيث تتجنّب قوى “الإطار”، حتى الآن، الحديث عن استبدال الأمين العام نعيم الغزي والذي يعني “تحرشاً مباشراً بمقتدى الصدر”، على حد تعبير ناصر. إلى جانب ذلك، فإنّ المواقع التي تحظى باهتمام زعيم التيار الصدري لم تنتزع حتى الآن، والحديث هنا عن البنك المركزي وإدارة الموانئ والمفاصل الحيوية في وزارة النفط والمنافذ الحدودية. ويشير ناصر إلى أنّ “الاقتراب الآن من هذه المواقع يعني قدح زناد الصدريين، وهو آخر ما تريده حكومة السوداني وأطراف الإطار التنسيقي في الوقت الراهن، إذ تسعى إلى تنفيذ بعض فقرات برنامجها وفق تعهدات الكتل السياسية للأطراف الدولية”، موضحاً أنّ “السوداني يدرك أنّ حملة إضعاف التيار الصدري يجب ألا تجري بسرعة، بل باستراتيجية بعيدة المدى تمتد ربما إلى أكثر من سنتين، لأنّ الإجراء السريع بشأن هذه المناصب أو الدفع بمسؤوليها إلى الاستقالة عبر الضغط، ربما يسبب انتفاضة صدرية جديدة”.“دعاية وتخويف”وكان الصدر قد دعا أنصاره ضمناً، في ظهوره الأول بعد منح الثقة لحكومة السوداني، إلى عدم التأثر بما يدور من حديث حول خطر هيمنة الإطار التنسيقي على السلطة. ويرى الكاتب محمد الزبيدي في ذلك تعبيراً عن “إدراك الصدر أنّ ما يجري لا ينطوي على أي جديد في ما يتعلق بهيمنة حلفاء إيران على المناصب الحساسة والدرجات الخاصة”، مشيراً إلى أنّ “الصدر يعي ربما أنّ عدم قدرة الإطار التنسيقي على كبح مبالغته في الاستئثار بالسلطة سيرتدّ على الإطار نفسه”.“المناصب لا تكفي”!ويقول الزبيدي لـ”النهار العربي” إنّ “المبالغة في التحذير من فكرة هيمنة الفصائل والإطار على الدولة أمنياً واقتصادياً، يمكن أنّ تعدّ في سياق محاولة هذه الأطراف إرعاب المعارضين والخصوم السياسيين”، موضحاً أنّ “هيمنة الأطراف الشيعية الموالية للمرشد الإيراني علي خامنئي مستمرة منذ إطاحة نظام صدام حسين عام 2003”. ويضيف أنّ “طرح أسماء إطارية صريحة للمناصب الحساسة، ليس تعبيراً عن السيطرة على المناصب العليا بقدر ما يشير إلى أزمة توزيع الجوائز، إذ إنّ عدد المناصب المتاحة غير كاف لإرضاء كل الأطراف التي يدين لها الإطار وحلفاء إيران في مسألة وصول هذا الطرف السياسي إلى السلطة”. كما يوضح أنّ “الصدر من جانبه لا يبدو مكترثاً كثيراً بالتغييرات الراهنة، إذ إنّ تلافيها لاحقاً لا يتطلب أكثر من توقيع. أعتقد أن الصدر لا يكترث كثيراً بهذا التنقلات، لأنها عملياً أمور يمكن التخلص منها بإجراءات مماثلة لا تتطلب أكثر من توقيع”، مبيناً أنّ “هذا النوع من التحركات لن يستفز الصدر أو يدفعه إلى اتخاذ قرار بإنهاء الاعتزال السياسي”.تحذير غربي!وبالعودة إلى آخر تطورات المشهد الأمني، يرجح أنّ تواجه حكومة السوداني مراقبة أشد من الإدارة الأميركية وبعض الأطراف الغربية في ما يتعلق بالمسؤولين عن أجهزة الدولة الحساسة.
وشهدت الأيام القليلة الماضية سلسلة لقاءات بين رئيس الحكومة والسفيرة الأميركية في بغداد آلينا رومانوسكي، تركزت كثيراً على الضمانات الممكنة لحماية مصالح واشنطن في العراق، وفق مصادر في مكتب السوداني. ويقول باسل حسين إنّ “هناك خشية من أنّ الإعفاءات التي أقدمت عليها الحكومة ستلحق بقرارات تعيين أشخاص من الميليشيات في مناصب عليا، لا سيما الأمنية، مع حديث متزايد عن وجود صراعات بين هذه القوى لتولي إدارة الأجهزة الاستخبارية”. ويؤكد حسين أنّ “ثمة هواجس غربية، بل وتحذيرات وصلت إلى السوداني، من عواقب الإقدام على تعيين شخصيات تابعة لأحزاب أو ميليشيات خاضعة للعقوبات الغربية أو الأميركية أو الدولية، ولا شك في أنّ لجوء السوداني إلى تولي رئاسة جهاز الاستخبارات بالوكالة إضافة إلى مهامه، هو لإدراكه خطورة منح هذا المنصب إلى هذه الجهات، وحرصه على عدم إغضاب المحيطين الإقليمي والدولي، أو الاصطدام بهما”.